هل يختفي "داعش" بعد مقتل البغدادي؟
تشير المعطيات إلى تعرض داعش لضربة قاصمة بعد الإعلان عن مقتل أبو بكر البغدادي، فكيف سيواجه التنظيم الأيام المقبلة وهل سيتراجع نفوذه؟
يطوي مقتل أبو بكر البغدادي، زعيم تنظيم "داعش"، صفحة مثيرة من صفحات الجماعات الإرهابية، فالتنظيم الآن أصبح أمام وضع مرتبك يتعلق بالقيادة الجديدة المنتظرة لهذا التنظيم، ومدى انحسار نفوذه، كما يطرح مقتل زعيم التنظيم الأكثر دموية في العصر الحديث تساؤلات حول استراتيجيته الجديدة لإعادة تموضعه ولملمة شتاته.
مآلات تنظيم داعش
تشير العديد من المعطيات إلى عدم تأثر تنظيم داعش، في كل العراق وسوريا، فهو مهزوم عسكريا من الأساس، وهو في حالة كمون لحين إعادة ترتيب أوراقه، ولعله من المناسب أن داعش حين ظهر، لم يكن سوى تنظيم سري مسلح، لكن بعد مقتل أبي عمر البغدادي، احتاج التنظيم الى أربعة أشهر حتى استعاد قدرته على القيام بعمليات جديدة، وتولي أبو بكر البغدادي قيادة التنظيم، وحينها تمكن من تحقيق حلم كل المتطرفين بإعلانه قيام دولة الخلافة، التي هي هدف كل التنظيمات.
وعندما حقق انتصاراته العسكرية السريعة وسيطر على ما يزيد على ثلث مساحة العراق، وامتدّ إلى داخل الأراضي السورية، واتّخذ من الموصل العراقية والرقة السورية عاصمتين له، وتوالت البيعة له وللتنظيم، وتضخم التنظيم وأصبح له أتباع في كثير من الدول الإسلامية، على أمل الانطواء تحت راية دولة الخلافة، لكن بعد أن توالت الهزائم على التنظيم، وتمكن قوات التحالف من القضاء على قدراته وبنيته الأساسية كدولة في العراق وسوريا، وهزيمته عسكريا، عاد داعش إلى سيرته الأولى وعمل كتنظيم سري.
ومن ثم يمكن القول إن داعش سيقوم بالاختباء والانتقال إلى أماكن أخرى، والانتظار لحين استكمال قوته للعودة الثانية، وحسم القائد التالي لأبي بكر البغدادي، وهنا يجدر الإشارة إلى أن قدرة التنظيم للعودة ما زالت قائمة، وهذا ما أشار إليه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش في تقرير قدمه إلى مجلس الأمن الدولي، الذي أكد أن "داعش" يمتلك مبالغ تصل إلى 300 مليون دولار، ظلت معه بعد الزوال لتنظيم الخلافة المزعوم في العراق وسوريا، كما أكد جوتيريش، أن تهديدات "داعش" لا تزال مخيفة، على الرغم من انخفاض وتيرة الهجمات التي يشنها، وخاصة أنه انخفاض مؤقت.
أما أفرعه الرئيسية فما زالت كما هي تعمل باستقلال ذاتي نوعا ما، وما زال التنظيم الإرهابي له تمركزه في إفريقيا وجنوب شرق آسيا، فقط التنظيم يحتاج إلى قيادة جديدة، ولعل تعيين أبي بكر البغدادي نائبا له وهو عبد الله قرداش الذي أوكل له إدارة شؤون الجماعة وإعادة ترتيب أوراقها، ولم يظهر قرداش الملقب بـ"الأستاذ" مرة واحدة على سطح الأحداث، بل تدرج عبر السنوات الخمس الماضية، ليصبح أحد أهم مساعدي البغدادي العسكريين.
وتشير بعض التقارير الاستخباراتية إلى أن مهمته الرئيسة هي منع تفكك التنظيم، وإعادة ترتيب صفوفه، مستفيداً مما لديه من خبرة واسعة إبان عمله السابق في الاستخبارات العراقية، ومعرفته بطبيعة وتضاريس العراق، التي من المؤكد أنه سيستخدمها في استجلاب عناصر جديدة تزخم البناء الهيكلي للجماعة، وتعوض النقص الذي جرى في صفوفه بعد الاندحار العسكري والهزائم الثقيلة التي تعرض لها.
تساؤلات حول مقتل البغدادي
يثير خبر مقتل البغدادي رغم كونه ليس مفاجأة فهو مطلوب، ومهزوم، وقد أعلن خبر مقتله أكثر من مرة، العديد من التساؤلات حول طبيعة العملية وتوقيتها والمشاركين فيها.
توقيت العملية:
يوحي توقيت العملية التي جاءت في أعقاب الانسحاب الأمريكي من سوريا، مما سمح لتركيا بالقيام بعمليتها العسكرية ضد الأكراد في الشمال السوري بأن واشنطن حصلت على رأس أبي بكر البغدادي مقابل هذه العمليات.
المشاركون في هذه العملية:
كانت الأخبار المتداولة حول مكان اختباء أبي بكر البغدادي متضاربة منذ فترة طويلة، فلم يكن أحد يعلم هل هو خارج سوريا أم أنه في منطقة بالعراق أم أنه اختار الاختباء في منطقة حدودية، لذا فمن المرجح أن هذه العملية تمت بالاشتراك والتعاون بين أجهزة استخباراتية وأمنية لأكثر من دولة.
الهدف من العملية:
لم يكن وجود أبي بكر البغدادي أو غيابه ذا تأثير على الحركة والتنظيم، إلا بشكل معنوي، فالبغدادي لم يكن قائدا ميدانيا من الأساس، أي أنه لم يخض معارك، بل كان خطيبا معلما، ومفتيا شرعيا لتنظيم القاعدة في بلاد الرافدين، لذا لم يتأثر التنظيم بغيابة ٥ سنوات، فلماذا تمت هذه العملية؟
الهدف من العملية وما صاحبها من زخم هو رفع شعبية الرئيس الأمريكي دونالد رامب، وهذه العملية تعيد للأذهان محاولة الرئيس الأمريكي السابق "باراك أوباما" تجديد شعبيته قبيل الانتخابات الأمريكية بإعلان مقتل"أسامة بن لادن" زعيم تنظيم القاعدة، وبعملية مشتركة كذلك، واليوم يجدد الرئيس الأمريكي شعبيته عبر إعلان مشابه، وهو مقتل الإرهابي الأول في العالم "أبو بكر البغدادي" الذي رصدت له الإدارة الأمريكية مبلغ 35 مليون دولار ثمنا لرأسه.
مكان العلمية:
وهي قرية باريشا في محيط سرمدا التابعة لمحافظ إدلب، وهي قرية على الحدود مع تركيا من ناحية إقليم الإسكندورنة بالقرب من أنطاكيا، وهو مكان لا يصلح للاختباء لرجل مثل أبي بكر البغدادي، فهذه المنطقة تحت سيطرة قوات هيئة تحرير الشام "جبهة النصرة سابقا" أعداء داعش وأعداء أبي بكر البغدادي؟ فلماذا يختبئ في مكان لا يمكن أن يجد له عونا أوحرسا؟
هذا في ضوء الأنباء التي توالت بأن البغدادي كان يختبئ عند أبي محمد الحلبي الملقب بأبي البراء أحد أبرز قادة تنظيم "حراس الدين" التابع لتنظيم القاعدة الذي كان يسعى دائما لحل الخلافات بين النصرة وداعش، فهل استدرج إلى مسرح العمليات بغرض التخلص منه؟ هذا احتمال لا يجب أن نغفله.
فحسب ما أعلنته "رويترز" فإن البغدادي قد وصل إلى مكان العملية الأمريكية قبل 48 ساعة من الغارة، مما يثير الشك حول حالة أبي بكر البغدادي وقت العملية.
ختاما فإن الرواية الأمريكية بشأن مقتل البغدادي، وإن انطوت على الكثير من التساؤلات التي لم تتكشف إجابتها بعد، إلا أنها تمثل ضربة شديدة لتنظيم داعش بشكل خاص وللتنظيمات الإرهابية على وجه العموم.
aXA6IDMuMTM1LjIxOS4xNTMg جزيرة ام اند امز