ثغرة كورونا الأمنية.. ضربات إرهابية لجيوش "الساحل والصحراء"
خبراء أمنيون توقعوا تغير المقاربات الدولية في الحرب على الإرهاب لتصبح جهود المكافحة داخلية
كشف خبراء أمنيون عن أن حركة بوكو حرام الإرهابية تستغل انشغال بعض الجيوش في منطقة الساحل الأفريقي للمساعدة في مواجهة فيروس كورونا، لتنفيذ هجمات إرهابية.
هجمات سقط خلالها أكثر من 160 قتيلا في صفوف جنود الجيشين التشادي والنيجيري، ووقفت خلفها حركة بوكو حرام الإرهابية.
والثلاثاء الماضي فقط، قتل 70 جنديا على الأقل في نيجيريا، بكمين نصبه مسلحون من بوكو حرام في منطقة "كوندوغا" الواقعة شمال شرقي البلاد، والتي تشهد نشاطا للحركة.
وفي عملية إرهابية دامية أيضاً، قتل 92 جنديا تشاديا خلال هجوم إرهابي لجماعة بوكو حرام في مقاطعة البحيرة غربي البلاد، وفق ما أعلنه الرئيس التشادي إدريس ديبي.
ديبي قال في مقابلة مع قناة تلفزيونية رسمية: "لقد خسرنا 92 من جنودنا والضباط وضباط الصف" في الهجوم الذي وقع ليل الأحد-الإثنين، مضيفاً: "إنها المرة الأولى التي نخسر فيها هذا العدد من العناصر".
بدورهم، أكد خبراء أمنيون جزائريون لـ"العين الإخبارية" أن حركة بوكو حرام استغلت الفراغ الأمني الذي أحدثه انهماك جيوش المنطقة، على غرار بقية جيوش العالم، في العمل على كبح انتشار فيروس كورونا في بلدانهم فيما أسموه "ثغرة كورونا الأمنية".
ليس هذا فحسب، بل إن دور القوات الدولية الموجودة في منطقة الساحل الأفريقي انحسر كذلك خشية انتقال فيروس كورونا داخلها، بحسب الخبراء أيضا.
وتوقع الخبراء الأمنيون في المقابل أن "تتغير المقاربات التقليدية في محاربة الإرهاب ما بعد انتهاء أزمة كورونا الصحية"، مع إمكانية تنفيذ "بوكو حرام" عمليات استعراضية أخرى، بشكل تصبح معها "خطراً على أكبر عدد من دول المنطقة".
عمليات استعراضية
الخبير الأمني علي زاوي يرى أن تصاعد العمليات الإرهابية كان متوقعا مع تركيز العالم جهوده في القضاء على فيروس كورونا الذي أحدث ارتباكا صحيا وأمنيا في غالبية دول العالم، لكنه صنف عمليتيْ بوكو حرام في تشاد ونيجيريا بـ"الاستعراضية التي تذكر دول المنطقة بأنها لا تزال موجودة".
وقال الخبير الأمني في تصريح لـ"العين الإخبارية": إن "انتشار فيروس كورونا من أهم العوامل التي أدت إلى تنامي النشاط الإرهابي لحركة بوكو حرام، وكان ذلك متوقعا"، لافتا إلى أنهم سيعملون على استغلال انتشار الوباء في المنطقة للعودة إلى الهجمات الإرهابية في منطقة الساحل والصحراء.
كما نوه بأن تخوف القوات الأجنبية في منطقة الساحل والصحراء من انتقال الفيروس إليها جعل الفرصة سانحة للحركة الإرهابية لتنفيذ هجماتها.
وتابع: "الإرهاب لا يخشى كورونا، لأنه مصمم أصلا للموت والقتل، ونجده اليوم يتحدى هذا الوباء العالمي لتنفيذ عملياته الإجرامية وضمان مناطق انتشار أخرى له".
وأوضح أن استراتيجية بوكو حرام هي التوسع في كل منطقة غرب أفريقيا والوصول إلى جنوب أفريقيا، مشيراً إلى أن المعلومات الأمنية "تؤكد أن الحركة بدأت في تنفيذ استراتيجيتها، وشرعت في التوسع والامتداد من دولة إلى أخرى، واستطاعت تجنيد الفقراء؛ كون التنظيمات الإرهابية تقتات من بؤر الفقر".
التحليل ذاته قدمه الخبير الأمني الجزائري أحمد كروش، والذي أوضح أن تكثيف حركة بوكو حرام عملياتها الإرهابية في تشاد ونيجيريا في هذا الوقت بالذات، يعود بالأساس إلى تركيز الجيوش النظامية جهودها في مجابهة انتشار فيروس كورونا الذي أصبح أكبر تحدٍّ لها في الظرف الراهن.
تكتيك إرهابي جديد
ومن بين العوامل التي استثمرتها حركة بوكو حرام الإرهابية لتصعيد عملياتها ضد الجيشين التشادي والنيجيري، الاستياء الشعبي لدول المنطقة من الوجود العسكري الأجنبي، ما أجبر القوات الأجنبية على التقوقع على نفسها وعدم المبادرة بتنفيذ عمليات هجومية ضد مواقع الإرهابيين، بحسب كروش.
غير أن كروش لفت إلى أن تغير تكتيك الجماعات الإرهابية في منطقة الساحل الأفريقي "ظهر قبل انتشار فيروس كورونا في أفريقيا، من خلال طرق جديدة في تنفيذ العمليات الإرهابية تعتمد على الدراجات النارية والهجوم المكثف على الثكنات العسكرية".
وبالعودة للخبير الأمني علي زاوي، فقد أكد أن هناك عدة عوامل ساهمت في عودة النشاط الإرهابي بقوة إلى منطقة الساحل قبل هذه الفترة، على رأسها "توحد التنظيمات الإرهابية في المنطقة التي يوجد بها حوالي 120 ألف إرهابي عادوا من سوريا عبر اليمن والقرن الأفريقي.
وحذر من أن هؤلاء الإرهابيين سيعملون على الانتشار في منطقة غرب أفريقيا، وستكون الأيام المقبلة صعبة على دول المنطقة، خاصة أن غالبية جيوشها تنقصها الخبرة الميدانية مع تلك التنظيمات.
ويرى أن تنامي الهجمات الإرهابية في المنطقة خاصة في تشاد "ليس بالصدفة، خاصة بعد التحاق 120 ألف إرهابي بمناطق النزاع في أفريقيا بما فيها ليبيا والساحل، بشكل أصبحت معه كل دول المنطقة مهددة".
سيناريوهات صعبة
وعن السيناريوهات المتوقعة وتداعيات تكثيف حركة بوكو حرام هجماتها في منطقة الساحل، أشار الخبير الأمني أحمد كروش إلى أن "هذا النوع من التنظيمات الإرهابية يعرف بكونه منغلقا على ذاته، ما يعني أن احتمالات انتقال فيروس كورونا إلى هذه التنظيمات أقل بكثير من الانتقال إلى القوات النظامية، كون الأخيرة لها عمل ميداني مع الشعب".
ولم يستعبد كروش أن تلجأ بوكو حرام وبقية الجماعات الإرهابية إلى نقل الفيروس لدول المنطقة بهدف إضعاف جيوشها لاستنزافها.
هنا يعترف الخبير الأمني علي زاوي بصعوبة تكهن السيناريوهات المتوقعة، خاصة في حال استمرار الأزمة الصحية العالمية عقب انتشار فيروس كورونا، مشيرا إلى أن دول المنطقة "أمام واحد من الخيارين، إما التضحية بالقضاء على الإرهاب وإما أن تبقى الجيوش ماكثة خشية انتقال العدوى إليها، وقد تكون ضربة قاضية لها في الوقت ذاته".
وتابع: "في الظرف الحالي، أمام جيوش المنطقة الاستمرار في حربها على الإرهاب والاستفادة من قلة انتشار كورونا في أفريقيا خاصة في المناطق التي استهدفتها حركة بوكو حرام بعمليات إرهابية".
الحرب على الإرهاب بعد كورونا
وبحسب الخبير الأمني الجزائري أحمد كروش، فإن عاملا جديدا قد طرأ على العالم وأخلط كل الحسابات وأعاد صياغتها سواء فيما يخص محاربة الإرهاب أو بالنسبة للعلاقات الدولية وصناعة القرار الدولي، وهو فيروس كورونا، مؤكدا أن "العالم ككل سيتغير برمته بعد انتهاء الوباء، والانتقال إلى القطبية وإلى مراكز قوى دولية جديدة".
وأشار إلى أن هذا التغير "سيؤثر حتما على النظرة الشاملة في محاربة الإرهاب وفي الطرق التقليدية السابقة والمقاربات السابقة التي كانت سائدة في الدول، خاصة أن فيروس كورونا أسقط إلى حد كبير نظرية التضامن الدولي، وهو ما تكشف في الحالة الأوروبية، وهو ما سيؤدي إلى تغير التكتلات العالمية".
ولم يستبعد إمكانية انسحاب القوات الفرنسية المتمركزة في المنطقة في حال تفشي وباء كورونا في الساحل، مشيرا إلى أن ذلك "سيفتح الباب على مصراعيه لهذه الجماعات الإرهابية من أجل السيطرة على مقدرات دول المنطقة".
أما السيناريو الثاني الذي توقعه "كروش" فهو "اختراق كورونا حركة بوكو حرام وبقية التنظيمات الإرهابية الناشطة في المنطقة، ويجعلها عاجزة ومشلولة عن التحرك وتنفيذ عملياتها الإرهابية، وهو ما يقود إلى ما يشبه السلم المؤقت أو الهدنة بين الجيوش النظامية والجماعات الإرهابية".
من جانب آخر، توقع كروش أن ينتقل العالم عقب الهجمات الإرهابية التي استهدفت تشاد ونيجيريا إلى "مقاربة الحرب الداخلية على الإرهاب" بشكل يشبه حربه على فيروس كورونا.
وقال إنه بعد كورونا، فإن هناك مقاربة واحدة وهي أن "الشعوب ستلجأ إلى مقاربات داخلية في القضاء على الإرهاب، وليست وفقا للمصالح الخارجية، بل بما تمليه المصالح الداخلية لكل دولة".
وأضاف: "المشكلة اليوم في العنصر الأجنبي الموجود ضمن الجماعات الإرهابية في جميع بؤر التوتر، وكلما تقلص وجودها تمكنت الدول من معالجة ظاهرة الإرهاب".
بوكو حرام.. تنظيم دموي
وتعد حركة بوكو حرام واحدة من أقدم وأكثر التنظيمات الإرهابية دموية في أفريقيا والعالم، حيث نشأت عام 2002 في مدينة "ميدوجوري" شمال نيجيريا، وهي كلمة من لغة "الهوسا" المحلية وتعني "التعليم الغربي حرام".
ويظهر من اسمها أن التنظيم الإرهابي قرر التمرد على الحكومة المركزية ضد انتشار التعليم الغربي في المدارس والجامعات بنيجيريا، حيث ضمت في بداياتها أكاديميين، ثم سرعان ما تحولت إلى تنظيم دموي قاده علي يوسف الذي قتل على يد الأمن النيجيري.
وتولى بعدها أبو بكر شيكاو قيادة التنظيم المسلح، وبدأت معه عمليات خطف الفتيات من المدارس والعمليات الانتحارية.
غير أن تأسيس الحركة الإرهابية يعود بحسب تقارير إعلامية دولية إلى سنة 1995، بعد أن أنشأ "أبو بكر لاوان" تنظيما سماه "أهل السنة والهجرة" بولاية "بورنو" الواقعة شمالي نيجيريا.
وصنف مؤشر الإرهاب العالمي "بوكو حرام" في المرتبة الرابعة بين أكثر الجماعات الإرهابية دموية في العالم، ما جعل نيجيريا تحتل المركز الثالث عالميا في قائمة أسوأ الدول تضرراً من الإرهاب.
ووصل إجمالي عدد الوفيات المرتبطة بالإرهاب في نيجيريا في 2018 إلى 13% من إجمالي الوفيات، في وقت تسببت هجمات التنظيم الإرهابي في مقتل أكثر من 20 ألف شخص في نيجيريا والنيجر والكاميرون وتشاد، وأجبرت أكثر من 2.5 مليون شخص على النزوح بحسب تقارير للأمم المتحدة.
وقد بدأ التنظيم عملياته الإرهابية بالتركيز على "أهداف محددة" داخل نيجيريا وامتدت إلى حوض بحيرة تشاد، وتركزت على استهداف المدنيين والجنود بالقتل والنهب والاختطاف.
ومنذ ذلك الوقت، نفذ تنظيم "بوكو حرام" استراتيجيته الإرهابية الخاصة به، التي تعتمد على خطف الرهائن والتفجيرات الانتحارية والهجمات المسلحة، معتمدة في ذلك على الأطفال والنساء، واستهداف القرى والأسواق والمساجد والمدارس، والانخراط في شبكات الجريمة المنظمة، حيث باتت إيراداتها السنوية تفوق 10 ملايين دولار، وفقا لتقارير صادرة عن الخارجية الأمريكية حول الإرهاب.
وفي الوقت الذي يجهل فيه عدد عناصر "بوكو حرام" التي تقدرها تقارير دولية بالآلاف، انقسم التنظيم الإرهابي الذي يزعم مطالبته بـ"تطبيق الشريعة الإسلامية في كافة المناطق النيجيرية بما فيها المسيحية" عام 2015.
وزادت دموية التنظيم الإرهابي بعد أن أعلن زعيمه أبوبكر شيكاو مبايعته لتنظيم داعش الإرهابي في مارس/آذار 2015، قبل أن يشهد التنظيم انقساما بعد تغيير داعش قائد بوكو حرام، وتنصيب "أبوبكر البرناوي" خلفاً لـ"شيكاو" الذي قرر العودة إلى تنظيم القاعدة.
ومع تنامي خطر الحركة الإرهابية أطلقت فرنسا العملية برخان في 1 أغسطس/آب 2014، وهي عملية جارية لمكافحة الإرهاب في منطقة الساحل الأفريقي، وقوامها مؤلف من 3000 إلى 4500 جندي فرنسي ومقرها في نجامينا عاصمة تشاد.
وتشكلت القوات العاملة في برخان بتعاون بين 5 دول تمتد في منطقة الساحل الأفريقي: بوركينا فاسو، تشاد، مالي، موريتانيا والنيجر، وهي البلدان المشار إليها إجمالا باسم "جي 5 الساحل".
وسبقت العملية أخريات لكنها أقل تأثيرا، مثل عملية "سرفال" المهمة العسكرية الفرنسية في مالي، والمهمة العسكرية "الباشق" في تشاد.