800 كيلومتر من التوتر.. قصة النزاع بين تايلاند وكمبوديا

على طول حدود رسمتها خريطة استعمارية قبل أكثر من قرن، ظلت التوترات بين تايلاند وكمبوديا تتصاعد بصمت، حتى انفجر المشهد من جديد.
فلليوم الثاني على التوالي، تشهد الحدود بين الجارتين اشتباكات تخللها تبادل لإطلاق النار وقصف صاروخي، قالت السلطات التايلاندية إنه أسفر عن سقوط ضحايا بينهم 14 قتيلا قرابة 50 آخرين، وردت بغارات جوية.
وهذه هي المواجهة المسلحة الثانية منذ مقتل جندي كمبودي بالرصاص في مايو/أيار الماضي، وتصعيد كبير جاء بعد ساعات من تخفيض البلدين مستوى العلاقات الدبلوماسية عقب انفجار لغم أرضي أدى إلى إصابة جنود تايلانديين.
وأعلنت وزارة الدفاع التايلاندية أن الاشتباكات مستمرة في ست مناطق على الأقل على طول الحدود.
الاشتباك الأول وقع، أمس الخميس، في منطقة بالقرب من معبد "تا موين ثوم" القديم على طول حدود سورين ومقاطعة أودار مينشي الكمبودية.
وقال مسؤول إقليمي كمبودي، لوكالة أسوشيتد برس، إن الاشتباكات استؤنفت هناك مرة أخرى في وقت مبكر من صباح الجمعة.
ومن المقرر أن يعقد مجلس الأمن الدولي، اليوم الجمعة، جلسة طارئة يبحث خلالها خلف أبواب موصدة الاشتباكات الحدودية الأخيرة بين تايلاند وكمبوديا، وفق ما أوردته وكالة فرانس برس نقلا عن مصادر مطلعة.
وفي السطور التالية تستعرض "العين الإخبارية" أبرز ما يجب معرفته عن النزاع بين الجارتين في جنوب شرق آسيا، بحسب تقرير لأسوشيتد برس.
كيف بدأ النزاع؟
اندلع النزاع في مايو/أيار بعد أن تبادلت القوات المسلحة التايلاندية والكمبودية إطلاق النار لفترة وجيزة في منطقة حدودية صغيرة نسبيا ومتنازع عليها، تدّعي كل دولة ملكيتها لها.
وأعلن الجانبان أنهما تصرفا دفاعا عن النفس. وقُتل جندي كمبودي واحد.
وفي حين أعلنت الدولتان لاحقا أنهما اتفقتا على تهدئة الوضع، واصلت السلطات الكمبودية والتايلاندية تطبيق أو التهديد باتخاذ تدابير لا تشمل استخدام القوة المسلحة، مما أبقى التوترات مرتفعة.
وفرضت تايلاند قيودا مشددة على الحدود مع كمبوديا، مما أدى إلى توقف جميع المعابر تقريبا باستثناء الطلاب والمرضى وغيرهم من ذوي الاحتياجات الأساسية.
ويوم الخميس، أعلنت السلطات التايلاندية إغلاق الحدود تماما.
كما حظرت كمبوديا الأفلام والبرامج التلفزيونية التايلاندية، وأوقفت استيراد الوقود والفواكه والخضروات التايلاندية، وقاطعت بعض وصلات الإنترنت الدولية وإمدادات الطاقة من جارتها.
لتأتي ضربة المكالمة المسربة
عُلّقت رئيسة الوزراء التايلاندية بايتونغتارن شيناواترا من منصبها في الأول من يوليو/تموز الجاري، للتحقيق معها بشأن تعاملها مع النزاع الحدودي، وذلك عقب مكالمة هاتفية مسربة مع زعيم كمبودي رفيع المستوى.
في المكالمة التي جرت في يونيو/حزيران، وصفت بايتونغتارن رئيس الوزراء الكمبودي السابق هون سين بـ"العم" وانتقدت القيادة العسكرية التايلاندية، وهي تصريحات اعتبرها النقاد إهانة للسيادة الوطنية.
وخلف هون سين، ابنه هون مانيت في عام 2023، لكنه لا يزال يتمتع بنفوذ كبير كرئيس لمجلس الشيوخ. وكان صديقا قديما لوالدها، تاكسين شيناواترا، رئيس الوزراء السابق الذي كان يتمتع بشعبية ولكنه مثير للانقسام، لكنهما انفصلا بسبب النزاع الحدودي.
أثارت المكالمة المسربة غضبا واحتجاجات واسعة النطاق. كما ضعف ائتلاف بيتونغتارن، بقيادة حزب "فو تاي"، عندما سحب حزب بومجايتاي، ثاني أكبر شريك له، دعمه، مشيرا إلى ما اعتبره ضعفا تجاه كمبوديا.
اعتذرت بيتونغتارن وقالت إن تعليقاتها كانت تكتيكا تفاوضيا. وعُيّن حليفها، وزير الدفاع السابق فومتام ويتشاي، رئيسا للوزراء بالإنابة.
نزاع الخريطة
والنزاعات الحدودية قضايا قديمة العهد تُسبب توترات دورية بين الجارتين، حيث تشترك تايلاند وكمبوديا في أكثر من 800 كيلومتر (500 ميل) من الحدود البرية.
وتنبع المطالبات المتنازع عليها بشكل كبير من خريطة رُسمت عام 1907 تحت الحكم الاستعماري الفرنسي، واستُخدمت لفصل كمبوديا عن تايلاند.
تستخدم كمبوديا الخريطة كمرجع للمطالبة بالأراضي، بينما تجادل تايلاند بأن الخريطة غير دقيقة.
دارت أبرز الصراعات وأكثرها عنفا حول معبد "برياه فيهير" الذي يعود تاريخه إلى ألف عام.
في عام 1962، منحت محكمة العدل الدولية السيادة على منطقة المعبد لكمبوديا. وقد أصبح هذا الحكم مصدر إزعاج كبير في العلاقات الثنائية.
ثم عادت كمبوديا إلى المحكمة عام 2011، في أعقاب عدة اشتباكات بين جيشها والقوات التايلاندية أسفرت عن مقتل حوالي 20 شخصا وتشريد الآلاف.
وأكدت المحكمة مجددا الحكم لصالح كمبوديا عام 2013.
ولاحقا، لجأت كمبوديا مجددا إلى المحكمة الدولية لحل النزاعات الحدودية، لكن تايلاند رفضت اختصاص المحكمة.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMjA4IA== جزيرة ام اند امز