بالأرقام.. فاتورة انقلاب النيجر تثقل هموم غرب أفريقيا
"من يرغب في الانتصار، عليه أن يحسب أولا التكلفة"، و"من يود القتال، عليه حساب النتائج".. جملتان من كتاب مؤلف صيني تلخصان ما آل إليه انقلاب النيجر.
فبعد الإطاحة بالرئيس النيجري المنتخب ديمقراطيا محمد بازوم، من قبل الجيش، في 26 يوليو/تموز الماضي، فرضت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) عقوبات على نيامي.
وفي الوقت نفسه، أغلقت نيجيريا (التي تترأس إيكواس حاليا)، حدودها البرية مع النيجر، وقطعت إمدادات الكهرباء كجزء من العقوبات ضد المجلس العسكري، وهو ما أعاق التجارة عبر الحدود.
وبالتوازي مع ذلك، تلبدت سماء منطقة الساحل بمخاوف تعزيز الجماعات الإرهابية من نشاطها في تلك المنطقة التي شهدت منذ انقلاب النيجر أكثر من ثلاث هجمات أسفرت عن وقوع قتلى وجرحى في صفوف قوات نيامي، كان آخرها يوم أمس الثلاثاء.
وبحسب تقرير مؤشر الإرهاب العالمي 2023، تحولت منطقة الساحل الواقعة جنوب الصحراء الكبرى، إلى بؤرة للإرهاب في الوقت الراهن.
وتتنافس جماعات وتنظيمات إرهابية على النفوذ في منطقة الساحل وغرب أفريقيا، خاصة بعد انسحاب القوات الأجنبية من المنطقة، لاسيما مثلث مالي وبوركينا فاسو والنيجر.
ووقعت معارك بين تنظيمات "داعش"، و"نصرة الإسلام والمسلمين" المكوّنة من اندماج 5 جماعات محلية تابعة لتنظيم القاعدة، الشهر الماضي، في مناطق تادنجدجورن وفتلي وهرارا في مالي على الحدود مع بوركينا فاسو.
ومؤخرا، تحدثت تقارير إعلامية عن نقل تنظيم "داعش" الإرهابي جزءا من مسلحيه في الساحل الأفريقي إلى أطراف بحيرة تشاد.
ويعتقد كثيرون أن أي تدخل عسكري في النيجر سيكون له تداعيات أمنية في منطقة بحيرة تشاد بأكملها والشمال الغربي على التوالي.
في هذا السياق، يرى اللواء محمد عبدالواحد، الخبير المصري الأمني والعسكري، يرى أن أي عملية عسكرية في النيجر يمكن أن تدهور الأوضاع بالمنطقة، قائلا إن "هناك إرهابا متربصا لحدوث مثل هذه الفوضى لمزيد من التمدد".
موقع استراتيجي
وتتمتع النيجر بموقع استراتيجي كبير على طرق التجارة عبر الصحراء الكبرى، لكن التوتر الحاصل بين "إيكواس" ونيامي، قد يؤدي عن غير قصد إلى تحول غرب أفريقيا إلى بيدق في استراتيجيات اللاعبين الدوليين.
وهو ما قد يسفر عن عدم الاستقرار مع الشلل المضاعف الذي أصاب التجارة الهشة في تلك المنطقة, بحسب ما توصلت له صحيفة "ذا نيشن" النيجيرية.
فإغلاق الحدود الشمالية بين نيجيريا والنيجر، وفق ما طالعته "العين الإخبارية" في الصحيفة نفسها، يهدد ما يزيد عن 1.3 مليار دولار من التجارة على طول الطريق العابر للصحراء ذو الأهمية الكبيرة الذي يربط نيجيريا بالنيجر وتشاد ومالي وتونس والجزائر.
ولفتت إلى أن الشاحنات التي تنقل حوالي 60٪ من البضائع المتجهة إلى نيجيريا عالقة عند حدود مختلفة مع النيجر، من بينها حدود إيليلا ومالام فاتوري وجيبيا ومايجاتاري وبابانموتوم وكامبا.
ووفق المصدر ذاته، يخسر أعضاء منتدى أريوا الاقتصادي، حوالي 13 مليار نيرة (العملة النيجيرية) أسبوعيا على الحدود بين نيجيريا والنيجر بسبب إغلاق الحدود.
والنيجر ليست الوحيدة التي أصيبت بداء الانقلاب في منطقة غرب أفريقيا، إذ سبقتها كل من مالي وبوركينا فاسو وغينيا، حيث تمت الإطاحة بأربع حكومات منتخبة ديمقراطيا في غضون ثلاث سنوات في تلك المنطقة.
انقلابات تتعارض مع مبادئ المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) التي هددت النيجر باستخدام القوة، في حال عدم الاستجابة لدعواتها في عودة النظام الدستوري والإفراج عن الرئيس المحتجز محمد بازوم.
وذهبت الصحيفة إلى أن الرئيس النيجيري بولا تينوبو، الذي يتولى رئاسة المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، يواجه معضلة حرجة، إذ لابد أن يتم اختبار ولائه وقيادته.
ويعارض النيجيريون التدخل العسكري في الجارة النيجر، في حين يبدو أن "إيكواس" تنجذب نحو المواجهة كملاذ أخير بالنسبة لنيامي.
ويقول محللون إن منطقة الساحل لا تحتمل صراعا شاملا بين التكتل والنيجر في هذا الوقت. وسط مخاوف من أن يؤدي ذلك إلى تفاقم انعدام الأمن ويغذي احتمال ظهور مجموعات إرهابية مختلفة، فضلا عن أن التجارة الهادفة لا يمكن أن تزدهر في جو من انعدام الأمن وعدم الاستقرار.
علاوة على ذلك، فإن معظم سكان النيجر وشمال نيجيريا لديهم جذور مشتركة وروابط اجتماعية وثقافية ودينية قبل وقت طويل من حقبة الاستعمار
روابط معلقة
في إطار التداعيات الناجمة عن انقلاب النيجر، أصبح مشروع السكك الحديدية مع نيجيريا، الذي يبلغ طوله 248 كيلومترا والذي من المتوقع أن يحمل 9364 راكبا وينقل حوالي 3000 طن متري من البضائع يوميًا، معرضا لخطر التعليق.
ويهدف خط السكك الحديدية بين نيجيريا والنيجر إلى تعزيز التجارة، وتسهيل الحركة عبر الحدود، وتعزيز التفاعلات الاجتماعية والاقتصادية، وتعزيز أهداف منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية داخل بلدان جنوب الصحراء الكبرى.
ومع إطلاق ميناء ليكي ديب البحري في نيجيريا، بقيمة 1.5 مليار دولار، فكرت بعض دول غرب ووسط أفريقيا في إيقاف موانئ في كوتونو بجمهورية بنين، ولومي في غينيا، وأبدت اهتمامها بالميناء الأول كمعبر رئيسي.
ونتيجة لذلك، أصبحت نيجيريا في وضع يمكّنها من استعادة نسبة كبيرة تبلغ 60% من البضائع المتجهة سابقا إلى النيجر، والتي تم إعادة توجيهها إلى موانئ في غانا وتوغو وبنين وساحل العاج، مما أدى إلى خسارة إيرادات سنوية تبلغ حوالي 136 مليار نيرة نيجيرية.
واليوم، تواجه حركة البضائع العابرة إلى النيجر انتكاسة بسبب العمليات على الحدود البرية والموانئ البحرية.
النيجر من جانبها، أغلقت مجالها الجوي بسبب مخاوف من غزو محتمل من قبل قوات "إيكواس"، لتصبح بذلك، الدولة الثالثة في غرب أفريقيا التي تغلق مجالها الجوي، بعد السودان وليبيا.
وبحسب صحيفة "ذا نيشين"، أسفر الانقلاب عن إغلاق ما يقرب من 2600 ميل من المجال الجوي الأفريقي، الممتد من غرب النيجر إلى البحر الأحمر، الأمر الذي أدى إلى تحويل وإلغاء رحلات جوية، وخلق مسارات أطول للرحلات الجوية المتجهة إلى أوروبا من نيجيريا.
كل ذلك، أثر سلبا على السفر الدولي في أفريقيا وتسبب في اضطرابات في تحركات الطائرات عبر غرب وجنوب القارة.
وعرّجت الصحيفة على خط أنابيب الغاز العابر للصحراء (4128 كيلومترا) والذي تبلغ تكلفته 13 مليار دولار بين واري في نيجيريا وحاسي الرمل في الجزائر مرورا بالنيجر.
وعند اكتماله، سينقل خط الأنابيب ما يصل إلى 30 مليار متر مكعب من إمدادات الغاز الطبيعي إلى أوروبا سنويا عبر الجزائر.
لكن المشروع الحيوي الذي أعيد تنشيطه مؤخرا بسبب الطلب العالمي القوي على الغاز، قد يتعرض لانتكاسة خطيرة.
وتعتمد النيجر، وهي دولة غير ساحلية، على نيجيريا للحصول على طريق فعال للشحن العابر.
بينما تنطلق رحلات نيجيريا المتجهة إلى أوروبا عبر المجال الجوي القصير والفعال للنيجر.
الداء والدواء
من ناحية أخرى، تشير الانقلابات المتكررة إلى تدهور الحكم وتدهور القيم الديمقراطية في الدول الأعضاء في الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا.
ومقابل ذلك، اعتبرت الصحيفة أنه يتعين على الجماعة الاقتصادية، إجراء تحقيق شامل في العوامل الكامنة وراء الانقلابات العسكرية المتكررة في غرب أفريقيا ومعالجتها.
وتقع التسوية السلمية للنزاعات بين الدول الأعضاء في جوهر معاهدة "إيكواس".
وخلصت الصحيفة النيجيرية إلى أن استقرار غرب أفريقيا أمر حيوي للأمن الإقليمي والتجارة السلسة عبر الحدود وتحقيق قفزة في النمو الاقتصادي. فـ"الحرب ليست خيارا".
aXA6IDMuMTYuNTEuMjM3IA==
جزيرة ام اند امز