المتابعون لنتائج استطلاعات الرأي بشأن فرص فوز بايدن أو ترامب، في اﻷسبوعَيْن الأخيرَيْن يدركون أنّ هناك تحوّلاً مثيرًا يتخلَّق في اﻵفاق.
مساء الثلاثاء الماضي، وكما كان متوقّعًا، صوَّتَ غالبية المندوبين الديمقراطيّين لمصلحة نائب الرئيس السابق، جوزيف بايدن، وذلك في اليوم الثاني من المؤتمر الوطنيّ للحزب الديمقراطيّ والذي تستضيفه ميلووكي، أكبر مدن ولاية ويسكنسون الأمريكيّة في الشمال، وتجري وقائعه بشكل غير مسبوق افتراضيًّا بسبب وباء كوفيد-19.
السؤال المحوريّ في هذه السطور: "هل بايدن هو جَوَاد الديمقراطيّين الرابح في مواجهة الرئيس الجمهوريّ ترامب بكلّ صَخَبه الذي لا يهدأ صباح مساء كلّ يوم ومنذ دخل البيت اﻷبيض؟
خلال مؤتمر الديمقراطيّين، تحدَّثَ بايدن بالقول: "إنه في الوقت الذي تغرق فيه البلاد في أزمة اقتصاديّة وصحّيّة خطيرة، يجب أن يكون المكتب البيضاويّ مركز قيادة، لكن بدلاً من ذلك، هو عين العاصفة، لا توجد فيه سوى الفوضى".
يسائل البعضُ داخل أمريكا وخارجها حول بايدن، هل يملك قولاً وفعلاً خطّة ﻹنقاذ أمريكا، أم أنّ ما تَفَوَّه به مجرّد شعارات طنّانة ورنّانة في زمن المنافسة الانتخابيّة وليس أكثر؟
المتابعون لنتائج استطلاعات الرأي بشأن فرص فوز بايدن أو ترامب، في اﻷسبوعَيْن الأخيرَيْن يدركون أنّ هناك تحوّلاً مثيرًا يتخلَّق في اﻵفاق، فبعد أكثر من أربعة أشهر من تقدُّم بايدن على ترامب، يتراجع الأوّل لصالح اﻷخير، والسؤال ما السبب؟
باختصار غير مُخِلّ عند الاقتراب من صندوق الاقتراع، أو ملء التذكرة وإرسالها بالبريد، سيواجه المواطن اﻷمريكيّ لحظة صدق بينه وبين نفسه، وأهم ما يَشغَل بال اﻷمريكيّ أبدًا ودومًا، الوضع الاقتصاديّ للبلاد، ودَخْله الماليّ في نهاية الأسبوع، ذاك الذي يكفل له عيش الحلم الأمريكيّ الموعود، فيما لا تشغله قضايا العالم الخارجيّ إلا بالقدر الذي تتقاطع به مع الاقتصاد وخيوطه وعالم اﻷموال وخطوطه.
اللحظة المتقدّمة تخبرنا بأنّ الأمريكيّين ديمقراطيّينَ وجمهوريّينَ لا يمكن أن يكيدوا لأنفسهم من خلال التصويت لبايدن، لا سيّما وأن أصوات موثوقة عديدة داخل البلاد تقطع بأنّ الرجل في سنوات "الخرف العقليّ الأولى"، اﻷمر الذي لا يجعله قادرًا بالفعل على إدارة شؤون البلاد من زاوية انتشال الاقتصاد اﻷمريكي الذي تعرَّضَ لضربة قاسية، وإن لم تكن قاصمة من جراء وباء كورونا.
جزئيّة أخرى تتعلَّق بنائبته كمالا هاريس، فهي عوضًا عن أن تكون عاملاً مساعدًا له لدخول البيت اﻷبيض، قبل أن تصبح عبئًا عليه، فالكثيرون من الديمقراطيّين البيض، سواءٌ من أقصى اليمين أو يمين الوسط، حتمًا لم يصلوا بعد للتوافق على امرأة من أصول خلاسية تحكم البيت الأبيض في حال عجز الرئيس عن متابعة مسؤوليّاته، الأمر الذي يفرضه الدستور اﻷمريكيّ.
الأمر اﻵخر غير المتوقع والذي يجعل حظوظ بايدن تتراجع إلى الوراء في مواجهة ترامب، والذي يعمل جاهدًا على مفاجأة أكتوبر التقليديّة في كلّ انتخابات رئاسيّة، موصول برفض ثُلُث الناخبين السود التصويت لبايدن بسبب هاريس، ففي أحدث استطلاع للرأي أجراه موقع "راسموسن" قال ثُلُث الناخبين السود إنهم أقلّ احتمالاً للتصويت لصالح الحزب الديمقراطي، فيما نسبة الموافقين من الناخبين السود على إعادة الاقتراع للرئيس ترامب تصل إلى 36%، اﻷمر الذي يُعزَى إلى انخفاض نسبة البطالة بين الأمريكيّين السود، بالإضافة إلى معالجة إدارة ترامب لقضايا رئيسيّة في المجتمع الأمريكيّ اﻷفريقي، بما في ذلك إصلاح العدالة الجنائيّة وغيرها من القضايا الداخليّة.
والشاهد أنّه ربّما ذهبت الاضطرابات العِرْقيّة الأخيرة في الولايات المتّحدة اﻷمريكيّة بالبعض إلى القطع بأنّ ترامب سوف يخسر سباق الرئاسة، وبمعنى حزبيٍّ أنّ الجمهوريّين هم من سيتراجعون في مواجهة الديمقراطيّين.
غير أنّ المشهد يتحوَّل ويتحوَّر مؤخَّرًا انطلاقًا من أن ألسنة عديدة وعقولا كثيرة باتت تتساءل لمصلحة مَنْ ما يقوم به فريق كبير من الأمريكيّين الديمقراطيّين يعطّلون مشاهد الحياة العامّة؟، ويدعون للخروج على القانون والسلطة؟. ويبدو أنّ هناك أصابع خفيّة تحرّكهم مثل حركة "أنتيفا"، والتي تتبدّى أفعالها في بعض المدن الأمريكيّة بعينها مثل مدينة بورتلاند في ولاية أريجون، ومدينة سياتل في ولاية واشنطن، وقد أضحت الفوضى فيها هي الحاكم اﻷوّل واﻷخير، لا سيّما بعد حلّ إدارات الشرطة والاعتماد على المتظاهرين والخلايا الشعبيّة في تأمين اﻷمن واﻷمان للمواطنين، اﻷمر الذي تجاوزه الزمن بزمان.
تَغَيُّر استطلاعات الرأي لصالح ترامب يُعزَى قدر كبير منه إلى إدراك جُلّ الناخبين الأمريكيّين أنّ القلاقل اﻷمريكيّة اﻷخيرة التي فتَّتْ في عَضُد النسيج المجتمعيّ الأمريكيّ، ما كان لها أن تحدث لولا تواطؤ الديمقراطيّين الذين يشغلون مناصب رفيعة في البلاد، من حُكَّام ولايات، إلى عُمَد للمدن الكبيرة، وصولاً لمُدَراء الشرطة والنواب العموميّين.
هناك أمر شديد الخطورة والوعورة، يتمثَّل في تصاعُد الملمح والملمس الاشتراكيّ في الداخل الأمريكي، ولا تزال كلمة اشتراكيّة كلمة لها تأثيرات سيّئة السمعة في مجتمع رأسماليّ نيوليبرالي، وهي مرتبطة بالديمقراطيين بأكثر منها علاقةً بالحزب الجمهوري، الأمر الذي لا يعطي أولويّة أو أفضليّة بالمرّة لبايدن ونائبته في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.
والثابت أنّه فيما يضيف الرئيس ترامب نجاحات على مستوى العلاقات الخارجيّة تُحَسِّن من صورته لدى الرأي العامّ الأمريكيّ، وتُقنِع أنصار أمريكا أوَّلاً بأنّه قادر على القيادة بحق، يبدو المرشَّحُ الديمقراطيّ بايدن مختبئًا في قَبْو منزله، يعطي اللقاءات الصحفيّة والإعلاميّة من على البُعْد، ومن غير مقدرة حقيقيّة على الالتحام بصفوف الجماهير، اﻷمر الذي يختصم من أيّ رصيد حقيقيّ له في المعركة الانتخابيّة.
حتّى الساعة، يتهرَّب بايدن من ملاقاة ترامب في مناظرة إعلاميّة، ويبدو أنّ وسائل الإعلام التابعة للدولة الأمريكيّة العميقة من المعارضين للرئيس ترامب، يحاولون إقناع بايدن بأنّ مناظرة ترامب مسألة خاسرة، ولو أرادوا له التميُّز لنصحوه بمقابلة ترامب ومواجهته.
هناك الكثير والكثير الذي سيطر على ساحة المشهد اﻷمريكيّ في قادم اﻷيّام، غير أنّه وفي كلّ الأحوال ربّما يكون فوز ترامب نتيجةً حتميّةً لضعف بايدن وقصور الديمقراطيّين عن إيجاد جَوَاد رابح من بين صفوفهم وفصولهم، قادر على هزيمة الرئيس القادم من خارج النخبة السياسيّة للحزبَيْن الأمريكيَّيْن الكبيرَيْن، وهذه قصّة أخرى.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة