خبير سيبراني: عمالقة الدفاع الفرنسيون هدف مكشوف لنيران حرب إلكترونية
عاصفة سيبرانية تضرب "Naval Group"

أكد خبير في الأمن السيبراني أن فرنسا تشهد موجة تصعيد إلكترونية مقلقة تستهدف صناعاتها الدفاعية الحيوية، وآخر ضحاياها مجموعة Naval Group، العملاق المتخصص في بناء السفن والغواصات الحربية.
وفي حادثة قد تهدد سمعة المؤسسة أكثر مما تهدد بياناتها، زُعم أن قراصنة استولوا على تيرابايت من المعلومات الحساسة، ما أثار مخاوف أمنية وسيادية متزايدة في باريس.
وفي تصريحات خاصة لـ"العين الإخبارية"، قال خبير الأمن السيبراني الفرنسي فريد تيمسيماني إن هذه الهجمات "لم تعد مجرد اختراقات، بل أصبحت أدوات تأثير جيوسياسي تستهدف العمود الفقري التكنولوجي والعسكري لفرنسا".
هجوم إلكتروني جديد: تسريب أم حملة تشويه؟
في ليلة 22 إلى 23 يوليو/تموز، أعلن قراصنة عبر تطبيق تليغرام أنهم نجحوا في سرقة تيرابايت من بيانات Naval Group، الشركة الرائدة في تصنيع الفرقاطات والغواصات العسكرية.
وقد بدأوا بالفعل في تسريب كميات متفرقة من هذه البيانات على الإنترنت، شملت 13 غيغابايت في 23 يوليو/تموز، ثم 6 غيغابايت أخرى في 25 يوليو/تموز.
والهاكرز منحوا الشركة الفرنسية 72 ساعة فقط للتواصل معهم قبل نشر كل ما لديهم، رغم عدم وجود أي طلب فدية حتى الآن. الوثائق التي تم تسريبها تضمنت، حسب ما ورد، تفاصيل أنظمة القتال للفرقاطات متعددة المهام (FREMM) وفرقاطات الدفاع والتدخل (FDI)، وحتى بعض الشيفرات المصدرية للبرمجيات.
لكن أحد موظفي Naval Group أكد أن "لا وجود لأي وثائق سرية من فئة الدفاع الوطني ضمن التسريبات"، مشيرًا إلى أن تحقيقًا داخليًا بدأ لتحديد مصدر البيانات وصحة الاختراق.
هجمات روسية وأوروبية منسقة
الحادثة ليست الأولى من نوعها. ففي عام 2023، تعرضت Naval Group لهجوم حجب خدمة (DDoS) استهدف موقعها الإلكتروني، ونفذه مجموعة القراصنة NoName057(16) المؤيدة لروسيا.
وهذه المجموعة ظهرت بعد الغزو الروسي لأوكرانيا عام 2022، وشنّت أكثر من 74,000 هجوم سيبراني ضد مؤسسات في أوروبا، منها أكثر من 200 هدف فرنسي، بحسب النيابة العامة في باريس.
في يوليو/تموز الجاري، قادت الشرطة الفرنسية بالتعاون مع Europol ووكالات ألمانية حملة تنسيق أوروبية ضد المجموعة، شملت 24 مداهمة في 6 دول أوروبية، ومصادرة أكثر من 100 خادم.
وعلق فريد تيمسيماني على ذلك قائلًا: "ما نشهده ليس مجرد قراصنة يبحثون عن مكاسب مالية، بل أطراف مدعومة سياسيًا تسعى لزعزعة ثقة الجمهور في المؤسسات الحساسة وتقويض صورة فرنسا كقوة دفاعية موثوقة".
لا أثر للاختراق... ولكن الضرر وقع
رغم عدم وجود أدلة حتى الآن على حصول اختراق مباشر لأنظمة Naval Group، أصدرت الشركة بيانًا في 26 يوليو/تموز الجاري، أكدت فيه أن "لا أثر لاختراق فعلي"، لكنها اعتبرت الحادث "هجومًا على السمعة" يحدث في سياق دولي مضطرب، ويستهدف زعزعة ثقة الشركاء والحلفاء.
يأتي ذلك في وقت حساس للغاية، حيث أبرمت المجموعة مؤخرًا عقدًا مع إندونيسيا لشراء غواصتين من طراز Scorpène، فيما حققت رقمًا قياسيًا في الطلبات بقيمة 4.3 مليار يورو لعام 2024.
ويلفت تيمسيماني إلى أن «توقيت الهجوم مثير للريبة، وقد يكون مرتبطًا بمحاولات منافسين دوليين التأثير على صفقات كبرى»، خاصة أن الحادث جاء بعد حملة إعلامية مشابهة قادتها الصين في مايو/أيار لتقويض سمعة طائرات رافال الفرنسية لصالح الطراز الصيني J-10.
تحذير استخباراتي: التصعيد مستمر
في تقرير استخباراتي صدر في 24 يوليو/تموز عن إدارة الاستخبارات والأمن الدفاعي الفرنسية (DRSD)، تم رصد زيادة مضاعفة في حوادث التسلل الإلكتروني ضد القاعدة الصناعية والتكنولوجية الدفاعية الفرنسية (BITD) مقارنةً بعام 2023.
ويختم تيمسيماني بالتحذير:" ما يحدث الآن هو تذكير بأن الهجمات السيبرانية أصبحت خط الدفاع والهجوم الأول في النزاعات الحديثة. فرنسا أمام خيارين: إما أن تعزز أمنها الرقمي الاستباقي، أو أن تدفع الثمن في سمعتها ومصالحها الاستراتيجية".