اليوم يصفون الإعلاميين والمغردين بـ«الوطنيين الجدد» خدمة للمشروع «القطري الإيراني» الذي يهدف لهدم الوطن
ظل مفهوم الوطنية في السعودية حائرا يراوح مكانا ضبابيا طوال عقود، بسبب تغول الصحويين وفرض رؤيتهم ووصايتهم على المجتمع، حتى إنه لم يكن لدينا نشيد وطني، ولم تكن ترفع الأعلام على المباني العامة، ولم يعزف السلام الملكي إلا نادرا، الأمر الذي اضطر الدولة لإعادة بناء الوطنية من خلال مشروع قومي بدأ قبل 15 عاما تقريبا.
أول خلاف واضح على مفهوم الوطنية «السعودية» خرج للعلن عام 1990 عند احتلال صدام للكويت، قد يستغرب الكثير أننا في المملكة لا زلنا نناقش وطنيتنا، وقتها انحاز إخوان الداخل والسروريون والصحويون لخيار أسامة بن لادن ومن ورائه التنظيم العالمي للإخوان في حل «جريمة» احتلال الكويت، برفض حق المملكة السيادي في إنشاء تحالف عسكري دولي لتحرير الكويت، مبدين تفهما لفكرة احتلال الكويت، معتبرين أن الحدود هي فكرة استعمارية يجب أن تزال بأية طريقة.
رفض «المناضلون القدامى» تفهم الخيار الوطني ونفذوا حملة دعائية كبرى لإسقاط التحالف السعودي الأمريكي، كان الخيار الحركي يقوم على مجموعة من الأسس أهمها:
أولاً: الاستفادة القصوى من هذا الحدث المزلزل لصالح التنظيم، والمساهمة في إرباك المشهد أكثر، وتجريد النظام من الوطنية الجارفة التي تحققت بسبب العدوان.
ثانيا: إسقاط النظام السعودي ومشروعيته بالترويج لمتناقض «الإسلاموية» مع جلب قوات نصرانية كافرة للبلاد حسب أدبياتهم، ومن هنا خرج بشكل مكثف مصطلح بلاد الحرمين بدلا من السعودية لخدمة الفكرة وإعطائها لباسا دينيا.
بالطبع المناضلون والحركيون في طريقهم لتحقيق مشروعهم «الخياني»، خونوا الوطنيين الحقيقيين لإزاحتهم من الطريق، والانفراد بالمشهد المحلي، وهم الكتلة الشعبية الصلبة التي التفت حول قيادتها ووطنها.
حاول الحركيون أو المناضلون أو الحقوقيون سمهم ما شئت، شق الصف واتهموا الوطنيين بكل الموبقات، مع أن خطاب الحركيين الدائم كان يقول إن الوطنية وثن زائل بينما الأممية هي الخيار الأوحد
استهدف الحركيون كعادتهم الكتاب والمثقفين والشعراء وموظفي الدولة التكنوقراط، حتى أن الشاعر الكبير خلف بن هذال أطلق عليهم لقب الصهاينة، خلال إلقائه قصيدة شهيرة في إحدى مناسبات فترة الحرب، وقال حرفيا (من دون صهيون بذتنا صهاينا).
وجد الكتاب السعوديون والصحف والإعلام القومي أنفسهم منحازين بالكامل لرأي القيادة السعودية وتبنوا موقفها مساهمين في تحقيق التفاف ساحق حولها.
في الوقت الذي كان غازي القصيبي يكتب مقالات يومية في الصفحة الأولى من الشرق الأوسط تحت عنوان «في عين العاصفة»، إضافة لهاشم عبده هاشم ويوسف دمنهوري وتركي السديري وسليمان العيسى عبر شاشة التلفزيون، والكثير ممن أفردوا صحفهم لتعزيز الرأي العام الداخلي في مواجهة الآلة الإعلامية العراقية وحلفائها القوميين والإخوان والبعث واليسار، كان «المناضلون القدامى» من الحركيين والسروريين والمنحازين لهم يخطبون ويصدرون الكاسيتات ويروجون ضد القوات الأجنبية، معبئين الناس عليها وعلى من جلبها.
حاول الحركيون أو المناضلون أو الحقوقيون -سمّهم ما شئت- شق الصف واتهموا الوطنيين بكل الموبقات، مع أن خطاب الحركيين الدائم كان يقول إن الوطنية وثن زائل بينما الأممية هي الخيار الأوحد.
لم يكتفوا بذلك بل وفي خضم تفرغ القيادة السياسية للحرب وتشكيل التحالف العسكري والدبلوماسي، حاولوا إشغالها داخليا عن مهمتها الخارجية، مصدرين ما يسمى بمذكرة النصيحة التي لم تكن أكثر من «منفستو» صحوي ضد المجتمع، يقفز بالصحويين نحو السيطرة على مفاصل الحكم، بل ويقول بشكل مباشر للدولة اقبلي مطالبي أو أحرق البلد عليك.
بعدها بأشهر صعّد الحركيون من صدامهم، وأطلقوا ما يسمى بلجنة الدفاع عن الحقوق الشرعية بحضور مندوب من السفارة الأمريكية، وهي الدولة التي هاجم الحركيون «القيادة السياسية» في المملكة لأنها استعانت بها لتحرير الكويت، في انتهازية تكشف أن هدفهم ليس المبادئ بل الوصول للحكم.
اليوم وعلى بعد 28 عاما من تلك الحرب، يمرر «المناضلون الجدد» وهم خليط من كتاب سعوديين يكتبون من المملكة بقلم وحبر قطري، إضافة للإخوان والحركيين والسروريين ومطلقات الإعلام وسعوقطريين ومتقاعدين فرنكوفونيين يحملون عقدة الخروج من المناصب أو أصحاب ثارات يعتقدون أنهم مؤتمنون عليها، نفس الخيانة في موقفهم المعارض للخيارات السعودية في التعامل مع قطر.
الغريب أنهم يطالبون بالتعقل مع الدوحة ولا يطلبون منها التوقف عن خيانة وطنهم، وكأن قلوبهم في الدوحة وخناجرهم في خاصرة وقلب الرياض، يتشفون في السعودية ويتمنون انتصار قطر.
بداية الأزمة خونوا الكتَّاب واعتبروهم مروجين للأكاذيب، وأثاروا الرأي العام ضد رواية الإعلام السعودي، وفي الوقت الذي انتشر الوطنيون للدفاع عن وجهة نظر الحكومة السعودية في الإعلام العربي والدولي ووسائل التواصل الاجتماعي، كانوا يتباكون على الوطنية المهدرة التي لا يؤمنون بها، ويمارسون التشويه والتخوين وإطلاق المناحات على المهنية الإعلامية.
وعندما تتالت الحقائق، غيروا تكتيكهم محولين الخلاف من خيانة قطر طوال 20 عاما إلى وجهات نظر حول الوطنية، لإشغال الرأي العام عن تآمر الدوحة وسحبه لقضايا جانبية.
الخطوة الثانية من التعبئة اعتمدوا الخلط بين رموز الدولة ومشاريعها، تلميحا وتصريحا وتشويها، متبنين الخطاب القطري لتشويه المشروع السعودي التنموي واتهامه بالعلمانية، في محاولة لتمكين قطر من احتلال الشارع السعودي مرة أخرى.
اليوم يصفون الإعلاميين والمغردين بـ«الوطنيين الجدد» خدمة للمشروع «القطري الإيراني» الذي يهدف ليس لإسقاط الإعلام السعودي بداية من قناة العربية والإخبارية مرورا بـ«عكاظ» وانتهاء بالشرق الأوسط، بل لهدم الوطن وإدخاله في أتون احتراب داخلي واحتجاجات لا تنتهي.
نقلا عن "عكاظ"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة