وصية المفكر الراحل حسن حنفي.. أن يدفن مع هؤلاء
ما بين قوسين، كتب المفكر المصري الراحل، حسن حنفي عام (2018- 000)، وترك ثلاث نقاط فارغة، الآن فقط تكتمل النقاط بـ(2021).
وكان القوسان أسفل عبارة "كل نفس ذائقة الموت"، وهو الفصل الأخير (الحادي عشر)، في كتابه الأخير (ذكريات)، الصادر عام 2018. وكتب فيه الحائز على الدكتوراه في علم الفلسفة من جامعة السوربون، فصولا من حياته الممتدة لـ86 عاما، كانت بدايتها في عام 1935.
وكأنما هي عبارات وداع، أو ربما وصية أخيرة، لمفكر شغل الناس، وأحد منظري تيار اليسار الإسلامي، وعلم الاستغراب. تحدث في الكتاب عن أمور عديدة، عاين فيها تغيرات فكرية وثقافية لقرون، حاول فيها أن يكون مصلحا ومجددا للتراث، وباعثا على الفكر وتنوير العقول.
وفي إهداء الكتاب، الذي كان موجها "إلى مصر"، بدأه الرجل بشعر لأحمد رامي، ومن غناء أم كلثوم، حين قالت "ذكريات عبرت أفق خيالي.. بارقا يلمع في جنح الليالي". ولم ينس الفيلسوف العربي أن يدون وقت ومكان الكتابة "مدينة نصر، 30 أبريل 2018 ميلادية".
يقول الرجل الذي شغل عدة مناصب، كان منها رئاسة قسم الفلسفة في جامعة القاهرة، عن كتابه إنها "ليست ذكرياتي لأن الموضوع ليس ذاتيا خالصا، إنما هي ذكريات أكثر من ثمانين عاما، فهي ذكريات عصر بأكمله".
ويمضي في الحديث عن ذكرياته، من الكتاب والمدارس الأولية، ثم التعليم الجامعي، مرورا بالسفر إلى فرنسا وأمريكا، والتدريس في المغرب، والبحث الدولي في اليابان، ثم محاولة تكوين مدارس فكرية لدى رئاسته قسم الفلسفة بجامعة القاهرة، ثم يعرج على الثورة المصرية والربيع العربي، انتهاء بفصله الأخير "كل نفس ذائقة الموت".
في هذا الفصل، والممتد لنحو 9 صفحات، يتحدث الرجل عن الماضي، وعن تحديد هوية المستقبل، الذي ينتهى حتما بالموت، لعله "يترك للأجيال القادمة قصة حب مفكر لا يفرق بين هموم الوطن وهموم الفكر" على ما قاله في مطلع الفصل الأخير من كتابه (ذكريات)، الذي عدد فيه كثيرا من مؤلفاته وأعماله التي امتلأت بها المكتبة العربية.
يشير الدكتور حسن حنفي إلى رغبته في أن تجمع مؤلفاته في دار نشر واحدة، سواء كانت أعمالا كاملة أو مجزأة، حتى يسهل الحصول عليها. ثم لا ينسى أن يتحدث عن بعض صفاته قائلا "لم أفعل شيئا يضر أو يؤذي أحدا، بل كنت طيبا وكريما مع الكل، إلا أن الأهواء البشرية، كثيرا ما تطغى على طيبة القلب وصفائه".
يقول في كتابه إنه ترك وديعة باسمه في كلية الآداب، "للصرف من ريعها السنوي على النشاط العلمي للكلية والأقسام في إقامة ندوات ومؤتمرات حتى لا يعيش كل قسم في عزلة عن الآخر، وكلها تدرس نفس الموضوع، اللغة، (...) كما جعلت للأقسام ودائع أخرى".
وتمنى المفكر العربي البارز، أن يدفن إلى جوار من أحب طيلة حياته، معبرا عن ذلك فيما كتب "لن يحزن من في مقبرة أبي وأمي وأخي وزوجته وشقيقتي وخالتي وحماتي وزوج أختي وعلي النجار من أقربائي، فالروح لا مكان لها، تتزاور بين البساتين وطريق السويس".
كما تحدث عن لحظة الموت، متمنيا أن تكون خفيفة، لا تعب فيها، بعدما لاقى تعبا في حياته، وأن يلقى في العالم الآخر من أحب في حياته، ومن كتب عنهم، فشته، وبرجسون، والأفغاني، وإقبال. وأن يلقى أساتذته عثمان أمين، وجان جيتون، وطلابه مثل نصر حامد أبو زيد وعلي مبروك.
يتحدث الراحل في كتابه عن سنوات معيشته، مدونا أمنية أخيرة، تعبر عن فلسفته ودوره المنوط به كمفكر مهموم بقضايا الوطن والفكر على حد سواء "كنت أتمنى أن أعيش أطول ولو أني راض من أني تجاوت الثمانين، كي أعطي أكثر مما أعطيت، وأن أقوم بواجبي تجاه حقوق الشعب وواجبات الدولة وأمانة الوطن".
فصل أخير في حياة طويلة، انتهت مساء الخميس، وشيعت جنازة المفكر الراحل، ظهر الجمعة، من مسجد صلاح الدين بمنطقة المنيل. ونعاه شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، ورموز الثقافة والفكر في مصر. وتلقى الدكتور محمد عثمان الخشت، رئيس جامعة القاهرة واجب العزاء، بحضور أساتذة وأعضاء تدريس الكليات المختلفة.
وخرج الجثمان من حرم جامعة القاهرة، كآخر مكان قبل أن يوارى جسده الثرى، في حضور طلابه وزملائه في التدريس، بعدما قضى فيها سنوات طويلة بين البحث والتعليم.