الشباب هم وقود المستقبل، وللأسف هذا الوقود يمكن تقويضه عبر الانخراط في التطرف والتيارات الإرهابية.
الضربة الاستباقية الناجحة في حادثة الطرفية تجدد حقائق إضافية تجاه مسألة الإرهاب، وطريقة التعامل معه في السعودية التي تحمل سجلاً ناجحاً على مستوى التعامل الأمني، وتحولاً لافتاً على مستوى مواجهة الأفكار ورد الفعل المجتمعي الذي يمكن قراءته عبر عينة واسعة التنوع والأطياف في مواقع التواصل الاجتماعي.
السعودية منذ تأسيسها وحتى اليوم كانت وستظل هدفاً طموحاً للتنظيمات الإرهابية والجماعات المسلحة؛ لأسباب لا يمكن إخضاعها للجانب السياسي، أو الأهداف والشعارات التي ترفعها تلك التنظيمات، هناك استهداف لرمزية السعودية بما تعنيه من قبلة الإسلام والاستقرار السياسي.
أولى تلك الحقائق أن الحرب على الإرهاب طويلة وممتدة، سواء على مستوى المواجهة المباشرة أم على مستوى تفكيك آليات وخطاب المنظومة الإرهابية، بدءاً من الأفكار والعقول والرموز والشخصيات، ووصولاً إلى ملمح مهم دشنته رؤية ولي العهد السعودي في حواراته الأخيرة، وهو التعامل مع مناخ الإرهاب الذي يساهم في إنتاجه، وأيضاً في تغذيته متى ما استغلت التنظيمات المتطرفة أحداث العالم للاستقطاب والتجنيد، مناخ الإرهاب وفقاً لرؤية الأمير محمد بن سلمان هو التشدد والتطرف، الذي يتوسل شعارات دينية ذات أهداف سياسية، خصوصاً تلك المشاريع الانقلابية التي نشأت مع تاريخ الإرهاب الحديث الذي وإن تشابه مع حالات الإرهاب في التاريخ، إلا أنه امتاز عنها إلى تحوله إلى مشروع انقلابي أممي تقوده مجموعة من الانتحاريين، لكن تقف وراءه تيارات واسعة من المنتفعين من استهداف الأنظمة والاستقرار، بدءاً من الدول ومروراً بتنظيمات سياسية، ووصولاً إلى شخصيات رمزية، ورغم كل ملامح الخراب التي تشكلها هذه المشاريع إلا أن الضربات الاستباقية الأمنية عملت على التقدم بخطوة لا سيما في الفترة الأخيرة، إذ تشير التقارير إلى ارتفاع مؤشرات العمليات الأمنية الاستباقية من 50 في المائة في النصف الأول من أول العام الفائت إلى 53 في المائة في النصف الثاني منه، وصولاً إلى هذه العملية «الطرفية» التي سترفع المؤشر وتؤكد التفوق الأمني الذي يجب أن نفخر به.
الأكيد أن السعودية منذ تأسيسها وحتى اليوم كانت وستظل هدفاً طموحاً للتنظيمات الإرهابية والجماعات المسلحة لأسباب لا يمكن إخضاعها للجانب السياسي، أو الأهداف والشعارات التي ترفعها تلك التنظيمات، هناك استهداف لرمزية السعودية بما تعنيه من قبلة الإسلام والاستقرار السياسي والنموذج للدولة العصرية المتصالحة مع قيم الحداثة على المستوى الاقتصادي، وهو ما تكثفه جماعات العنف والإرهاب بمسمى العدو القريب.
تطور المجتمعات ضد الإرهاب لا يمكن أن يحدث من خلال رد الفعل، أو الشجب والتنديد أو حتى التفاعل عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بل هناك حاجة مع كل استهداف جديد إلى برامج وقائية مستدامة وبرامج تخاطب الشباب بلغتهم التي يفهمونها، وليس بلغة متعالية تنظيرية أو وعظية.
الشباب هم وقود المستقبل، وللأسف هذا الوقود يمكن تقويضه عبر الانخراط في التطرف والتيارات الإرهابية، التي تجدد نفسها بتدشين خطابات حداثية ومضامين عنفية، ووسائل رقمية في غاية التطور تقود عبر عملية معقدة إلى إنتاج شخصيات مأزومة بين التلقي الواعي لقيم العصر الحديث، والارتهان لخطاب متشدد.
مسألة الإرهاب تجاوزت الخطاب الديني المعتدل إلى خطاب شمولي سياسي اقتصادي أمني، فالإرهاب أيضاً يطرح مضامين سياسية برافعات دينية تحتاج إلى إنتاج متنوع يلامس كل القضايا، ويناقشها في الهواء الطلق لا سيما تلك التي تتضمن شبهات دينية في مسائل التكفير والولاء والبراء، أو التي تستهدف الجانب السياسي والصورة المشوهة التي تساهم أطراف خارج دوائر الإرهاب في تغذيتها، تحت شعارات الرأي والرأي الآخر.
من المهم في كل دورة زمنية يصعد فيها الإرهاب أو يتحول إلى وضعية الكمون والانكماش إعادة مسألة ملحة في قراءة الإرهاب، وهي ملفات التجنيد والاستقطاب لدى التنظيمات الإرهابية، والتي لا تتعلق بنشاطها على الواقع والأرض، وكيف أنها تسعى الآن بسبب التضييق الأمني وضعف شبكات التمويل، إلى الانتقال من الشبكية المباشرة إلى التجنيد النفسي واستغلال الغاضبين والمحبطين، مما يعني غياب السمات الشخصية أو العلامات الدالة على التنبؤ بالمتطرف، إضافة إلى أن التنظيمات الفاعلة في الواقع الافتراضي تحرص على السرية والتكتم في التواصل مع المجندين الصغار غير المرتبطين هيكلياً بالتنظيم عبر وسائل غير تقليدية لإتمام صفقة الإرهاب، التي في الأغلب هي صفقة مع نفسية منهكة يتم تحفيزها لعمل تضحوي جسدي، عبر خطاب يؤكد على الفكرة المسيطرة واستغلالها ليس بالإقناع أو الأدلة الدينية، وإنما بالتحفيز غير المباشر الميديا بدءاً من الأناشيد والشيلات والراب الجهادي، ووصولاً إلى إنتاج الأفلام عالية الدقة ذات التأثير البصري القوي على الأجيال الجديدة.
إرهاب اليوم حالة معقدة من الاندماج المرعب بين الأنماط المختلفة لجماعات العنف المسلح، التي تنشط خلاياها في كل مكان في العالم، وتتنافس سنيها وشيعيها على الاستئثار بالمشهد، وصولاً إلى التعاون فيما بينها رغم الاختلاف الأيديولوجي لاستهداف فضيلة الاستقرار التحدي الأكبر لدول المنطقة، والوعي المتنامي الذي يشهده المجتمع السعودي تجاه أولوية الأمن والاستقرار ومحاربة التطرف، وكشف مؤامرات الدول والأنظمة وجيوش الإعلام الموجه تجاه بلادهم، يعني أن حرب المملكة ضد الإرهاب أصبحت حرب السعوديين أنفسهم، وهو أمر يشي بالتفاؤل، ويتطلب المزيد من الوعي.
نقلا عن الشرق الأوسط
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة