مرشحة ترامب لـ«جوهرة الاستخبارات الأمريكية» تثير مخاوف من انكشاف أمني
ينظر إلى ترشيح الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب تولسي غابارد لتولي مسؤولية الإدارة الوطنية للاستخبارات بكثير من التحفظ والقلق.
وغابارد، المعروفة بمعارضتها الشديدة للتدخل العسكري الأمريكي في العالم، يعتبرها مراقبون في واشنطن خطرا على الأمن القومي لبلدهم.
ويتمحور القلق الأكبر حول تسييس عمل الجواسيس الأمريكيين، ورضوخهم لتعليمات البيت الأبيض.
وما زال يتعين أن يصادق مجلس الشيوخ على تعيين الجندية السابقة البالغة 43 عاما، التي تبدي في مواقفها انحيازا للرئيس الروسي فلاديمير.
وفي حال تثبيتها ستتولى غابارد هذا المنصب السياسي بامتياز على رأس إدارة الاستخبارات الوطنية، على الرغم من أنها تفتقر إلى أي خبرة في هذا المجال، بل غالبا ما تنتقد الوكالات الأمريكية الـ18.
واستُحدث هذا المنصب في عام 2005، بعد أن تبين مدى عدم التنسيق بين الأجهزة الأمريكية، ما حال دون إحباط اعتداءات 11 سبتمبر/أيلول 2001.
وأوضح ماثيو بوروز المحلل لدى مكتب ستيمسون للدراسات في واشنطن والعميل السابق في وكالة الاستخبارات المركزية، لوكالة فرانس برس: "إنه منصب إداري للتثبت من أن الوكالات تتواصل فيما بينها، وأنها تنسق عملها.. وأن (وكالات الاستخبارات الأمريكية) CIA لا تقود اللعبة، وأن هناك قواعد تحليل متبعة".
وتقدم الإدارة الوطنية للاستخبارات إحاطة يومية للرئيس تعرض عليه خلالها ما تتلقاه من معلومات من مختلف الأجهزة.
وفي هذا السياق تطرح غابارد الكثير من التحفظات بسبب مواقفها وقربها من الرئيس المقبل.
هل تكون الولايات المتحدة حليفة لبوتين؟
ورأى توم نيكولز، الأستاذ في كلية الحرب البحرية الأمريكية، أن "تعيينها سيشكل كذلك تهديدا لأمن الولايات المتحدة"، مشددا على أن "شخصا بآرائها لا يجدر به أن يقترب من جوهرة الاستخبارات الأمريكية".
وكثيرا ما تدلي غابارد بتصريحات تثير جدلا، لا سيما حين تحدثت عن "مخاوف روسيا المشروعة بشأن احتمال انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي".
وأضاف: "ماذا لو كانت الولايات المتحدة على وشك التحول إلى حليفة لبوتين؟ هذا سؤال يمكننا طرحه".
وعلى الأرجح يأمل ترامب من خلال تعيينها أن يتفادى التوتر الشديد الذي طبع علاقاته مع مسؤولي الاستخبارات خلال ولايته الأولى، إذ نعتهم بأنهم "سذج" ونصحهم بـ"العودة إلى الدراسة".
وفي نهاية 2018 استقال وزير دفاعه الجنرال جيمس ماتيس، مشيرا إلى خلافه مع الرئيس حول سحب القوات الأمريكية من سوريا، ورد ترامب بالتنديد به بعبارات شديدة، مما أثار حالة من الإحباط في صفوف الجيش وأجهزة الاستخبارات.
وفي مايو/أيار 2019 أعلن ترامب إزالة السرية عن ملفات حول روسيا، للدفاع عن نفسه بوجه الانتقادات بالتواطؤ مع موسكو خلال حملة انتخابات 2016.
قلب الطاولة
وبعد الخلاف مع جيمس ماتيس أقال ترامب مدير الاستخبارات الوطنية في حينها دان كوتس، وإثر رفض تعيين مساعدته سوزان غوردن في هذا المنصب سخرت من ترامب، معتبرة أنه أول رئيس "لا يملك أي إطار ولا أي أساس لفهم حدود الاستخبارات"، موردة إحدى أجوبته المعهودة خلال الإحاطات "لا أصدقكم".
ومن الواضح أن ولاية ترامب الثانية ستنطلق على أسس مختلفة تماما.
وقال ماثيو بوروز إن الرئيس المنتخب "يريد القضاء على مثل هذه الانتقادات من جانب الأجهزة"، لافتا إلى أن "غابارد ستكون لديها السلطة حين تتولى الإشراف على الإحاطات اليومية للرئيس، بإلغاء التحليل الذي لا يخدم قراراته منها".
وأقر الخبير بأنه يخشى أن تؤدي آراء غابارد إلى "تسييس الاستخبارات"، مشددا على أنه "يجب أن تفهم أن وظيفتها هي أن تواجه السلطة بالحقيقة، وأنا واثق من أن هذا ما لا يخطر لترامب، لأنه مقتنع بامتلاك كل الحقيقة التي يحتاج إليها".
ولن تظهر العواقب الحقيقية لمثل هذا التعيين إلا مع تولي غابارد صلاحياتها، أما العملاء الذين يتلقون إعدادا يحضرهم لخدمة الدولة أيا كان الرئيس، فسيواصلون مهمتهم.
لكن ألكسندر بابا إيمانويل، الأستاذ في معهد العلوم السياسية في باريس، لفت إلى أن "أجهزة الاستخبارات تخشى بالتأكيد حملة شعواء ضدها، صدرت حتى الآن مواقف من الانتخابات، وخرج البعض عن تحفظهم".
واعتبر أن ترامب "سيقلب الطاولة"، موضحا أنه "مثلما كسر في الماضي أصول السياسة، والعلاقة مع الناخبين والمواطنين عبر الإعلام، وما يمكن أو لا يمكن قوله، يمكننا أن نتصور أنه سيسعى لكسر أصول الاستخبارات التي تعود إلى زمن بعيد جدا".