صفقة ترامب الكبرى التالية... أفريقيا على الرادار الأمريكي

وسط مساعٍ يقودها الرئيس الأمريكي لإعادة صياغة العلاقات الأمريكية مع دول الجنوب العالمي، وتحديدًا أفريقيا التي باتت
اليوم ميدانًا مفتوحًا للتنافس بين القوى الكبرى، تعود القارة السمراء مجددًا إلى دائرة الضوء في واشنطن،.
فرغم التحولات الواسعة التي أحدثها دونالد ترامب في الدبلوماسية الأمريكية، فإن تأثيرها في أفريقيا لا يزال محدودًا. غير أن القارة السمراء - التي يعيش فيها أكثر من 1.5 مليار نسمة وتزخر بحصة ضخمة من الموارد الحيوية - أصبحت أكثر حضورًا على الساحة الدولية، مما يجعلها الهدف التالي في استراتيجية الرئيس الأمريكي القائمة على "الصفقات لا المساعدات".
ويرى محللون أن أفريقيا، بتنوع دولها الـ54 وتحدياتها الفريدة، تمثل اليوم أحد أهم الميادين الجيوسياسية في العالم، لكنها لا تزال تفتقر إلى استراتيجية أمريكية شاملة تستثمر طاقاتها الكامنة.
في المقابل، كانت الصين سبّاقة إلى ترسيخ حضورها الاقتصادي والدبلوماسي في القارة، عبر استثمارات ضخمة وبنية تحتية تمتد من المحيط إلى المحيط، لتفرض هيمنتها على مجالات حيوية مثل المعادن النادرة التي تعتمد عليها الصناعات الحديثة.
لكن واشنطن قد تعود إلى المنافسة من خلال مقاربة ترامب القائمة على المصالح المتبادلة. فبحسب لاندري سينيه، الزميل في مركز الدراسات الأفريقية بجامعة ستانفورد ومعهد بروكينغز، فإن "دبلوماسية الصفقات" التي ينتهجها ترامب قد تحقق نتائج ملموسة لم تستطع النماذج الدبلوماسية السابقة بلوغها.
ويضيف سينيه أن "القادة الأفارقة باتوا يفضلون الشراكات الواضحة القابلة للقياس على المساعدات المشروطة، كما أظهر اتفاق السلام الأخير بين الكونغو الديمقراطية ورواندا". لكنه يشدد على أن النجاح يتطلب من واشنطن الاعتراف بقدرة الأفارقة على صياغة مستقبلهم، لا التعامل معهم كأدوات في صراع القوى الكبرى.
القوة والازدهار أولا
يرى سينيه أن السياسة الأمريكية في أفريقيا ترتكز على أربعة محاور هي:
- القوة
- الازدهار
- السلام
- المبادئ
لكن ترامب يركّز بشكل أساسي على محورَي القوة والازدهار. ويدعو الباحث إلى استراتيجية أمريكية جديدة تشمل "إعادة دعم الاستثمار الأمريكي في القارة التي تضم 13 من أسرع 20 اقتصادًا نموًا في العالم بحلول عام 2025".
ويشير إلى أن إفريقيا تملك نحو 30% من احتياطيات المعادن الحيوية في العالم، ومع ذلك تستورد الولايات المتحدة أربعة معادن فقط من دولتين أفريقيتين، رغم وجود 35 دولة تملك احتياطيات ضخمة منها.
وأوضح سينيه أن الصين تسيطر على 85% من عمليات معالجة تلك المعادن، وتبلغ قيمة تجارتها مع أفريقيا نحو 240 مليار دولار، مقارنة بـ47 مليارًا فقط بين واشنطن ودول القارة.
ممر لوبِيتو... اختبار النفوذ
من بين المشاريع التي تراهن عليها واشنطن لتعزيز حضورها، يبرز مشروع ممر لوبِيتو، وهو خط سكة حديد بطول 800 ميل يربط ميناء لوبِيتو في أنغولا بكل من الكونغو الديمقراطية وزامبيا، بهدف تسهيل نقل المعادن الاستراتيجية.
وقد حشد المشروع أكثر من 3 مليارات دولار في استثمارات السكك والطاقة، بدعم من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
لكن بكين لا تزال متقدمة بخطوات، إذ شيّدت في السبعينيات خط تنزانيا-زامبيا بتمويل صيني، وتعهدت مؤخرًا باستثمار 1.4 مليار دولار لتحديثه، إضافة إلى امتلاكها حصصًا في 15 من أصل 19 منجم كوبالت في الكونغو الديمقراطية، التي تنتج 80% من إمدادات العالم من هذا المعدن الحيوي.
في المقابل، بينما فرضت إدارة ترامب تعريفات جديدة على واردات من 22 دولة أفريقية ضمن ما يسمى "استراتيجية يوم التحرير"، ألغت بكين جميع الرسوم الجمركية على الواردات من 53 دولة أفريقية - باستثناء مملكة إسواتيني التي تحتفظ بعلاقات مع تايوان.
التعدين.. بوابة النفوذ الجديدة
لكن بيتر فام، المبعوث الأمريكي ترامب السابق لمنطقتي الساحل والبحيرات العظمى، يرى أن تعزيز الاستثمار الأمريكي في التعدين الأفريقي ضروري لتأمين الموارد الحيوية التي تسيطر عليها الصين، ولتحقيق تحول اقتصادي داخل القارة نفسها.
ويقول فام إن المسألة لا تتعلق فقط بـ"من يستخرج المعادن"، بل "بمن يملك القدرة على معالجتها والتحكم في سلسلة القيمة". فاحتكار الصين للمعالجة يمنحها سلطة تحديد الأسعار وبالتالي التحكم في إيرادات الدول المنتجة، مثل الكونغو الديمقراطية.
ويضيف أن الشركات الأمريكية تلتزم بمعايير حوكمة وبيئة أكثر صرامة من نظيراتها الصينية، ما يمنحها أفضلية ويشجع على التصنيع المحلي الأفريقي.
هل لدى واشنطن خطة واضحة؟
يرى إيبنيزر أوباداري، الباحث في مجلس العلاقات الخارجية، أن أمام إدارة ترامب فرصة نادرة لإعادة صياغة علاقتها بالقارة، لكنها لم تستغلها بعد، مضيفا: "التحدي الآن هو أن تشرح واشنطن لماذا تختلف عن الصين وروسيا، ولماذا ينبغي للدول الأفريقية أن تراهن عليها".
وأشار إلى أن واشنطن لا تزال تفتقر إلى استراتيجية واضحة للبناء على مبادرة "ازدهار أفريقيا" التي أطلقت في الولاية الأولى لترامب، وأن السياسة الحالية تبدو منفصلة عن الرؤية الأمريكية الأوسع.
وتساءل: "هل الولايات المتحدة في أفريقيا من أجل التجارة فقط؟ لا مشكلة في ذلك إن كانت الخطة متكاملة، لكنها حتى الآن غير واضحة المعالم".
أفريقيا... مستقبل العالم
رغم هذه التحديات، يرى بعض الأفارقة أن عودة ترامب إلى المشهد الدبلوماسي تمثل "نسمة من الهواء النقي".
ويقول صمويل إيكومي ساكو، رئيس حكومة المنفى لما يسمى "جمهورية أمبازونيا" في الكاميرون: "نحن جيل جديد لا يفهم لماذا يُعامل الأفارقة كأشباح الماضي. نحن نريد أن نتحدث، أن نُسمَع، أن نكون شركاء حقيقيين".
aXA6IDIxNi43My4yMTYuODYg جزيرة ام اند امز