أمريكا والصين تتجهان إلى الانفصال التجاري الشامل.. هل تسبح أوروبا عكس التيار؟ (تحليل)
مع بقاء أسابيع في السلطة أطلقت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن مؤخرا خطوة جديدة لضرب صناعة أشباه الموصلات في الصين.
وأطلقت إدارة بايدن مؤخرا حظرا جديدا على التصدير، أعلنت بكين في مقابله عن قيود على صادرات المعادن الحيوية إلى الولايات المتحدة.
ووفقاً لتقرير مجلة "فورين بوليسي" فإن هذه التدابير الهدف منها احتواء البراعة التكنولوجية المتنامية للصين، ومع استعداد الرئيس المنتخب دونالد ترامب لتولي منصبه في يناير/كانون الثاني من المرجح أن تصبح القيود الأمريكية على الصين أكثر دراماتيكية.
ونهج إدارة بايدن في قطع العلاقات الاقتصادية بشكل انتقائي مع الصين يُخفي انقساما داخل الغرب، ومن المؤكد أن فوز ترامب في الانتخابات سيعمقه.
- حرب التجارة تشتعل.. الصين تفرض قيودا على تصدير مكوّنات الرقائق إلى أمريكا
- الصين تُطلق حزمة إعفاء جمركي كامل للدول الأفريقية الفقيرة
وعلى مدى السنوات الأخيرة كان أقرب شركاء واشنطن الجيوسياسيين يعملون في ظل "وهم سعيد" يتعلق بعلاقاتهم مع الصين، وبدا أن الانفصال الاقتصادي والتكنولوجي الكامل بين الصين والغرب مستحيلا حتى غير مرغوب فيه.
وبدأ الدبلوماسيون الغربيون، بما في ذلك أولئك في الولايات المتحدة، في الحديث عن إزالة المخاطر بدلاً من الانفصال.
الانفصال الكامل
ومن المتوقع أن تكشف عودة ترامب إلى البيت الأبيض أن هذا الموقف الغربي المتوحد كان سرابا، والآن تعد الولايات المتحدة بانفصال أعمق بكثير عن الصين، وربما حتى الانفصال الكامل.
وهذا يطرح معضلات كبيرة لشركاء واشنطن، وسوف يضغط ترامب عليهم لاتباع نهجه في الانفصال عندما يكون لدى قِلة منهم مصلحة في القيام بذلك.
وحتى الآن، فشلت معظم الدول الأوروبية في اتخاذ أكثر من بضع خطوات صغيرة لإزالة المخاطر من الصين، حتى ‘ن بعضها، مثل بريطانيا وألمانيا، بدأت عملية "إعادة المخاطرة" من خلال السعي إلى تعميق العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع بكين.
ويأخذ حلفاء شرق آسيا مثل اليابان وكوريا الجنوبية إزالة المخاطر على محمل الجد.
ولكن حتى هنا، فإن حقائق التجارة والجغرافيا تجعل الشكل الأكثر دراماتيكية للانفصال إشكاليا للغاية.
وفي ذهن ترامب، الطريق الأكثر وضوحا للانفصال الكامل هو سياسة التجارة.
والواقع أن التعيينات الأخيرة تُظهر بوضوح الاتجاه الذي يخطط ترامب لاتخاذه، فقد دعا محامي التجارة جيميسون جرير، الذي أعلن ترامب اختياره ليكون الممثل التجاري للولايات المتحدة، على وجه التحديد إلى تكثيف عملية "الانفصال الاستراتيجي".
التعريفات الجمركية الجديدة
وسوف يدفع جرير قدما بمجموعة من التعريفات الجمركية الجديدة الصارمة وضوابط التصدير، وبهذا المعنى ستكون إدارة ترامب الثانية مختلفة تماماً عن الأولى، التي ركزت بشكل أضيق كثيرا -وفي نهاية المطاف دون جدوى- على استخدام التعريفات الجمركية للحد من العجز التجاري الثنائي للولايات المتحدة مع الصين.
ومع ذلك، سوف تكون التعريفات الجمركية مرة أخرى الأداة المفضلة لدى ترامب، فخلال الحملة الانتخابية هدد المنتجات الصينية بفرض رسوم تصل إلى 60 في المائة، وفي نوفمبر/تشرين الثاني تعهد بفرض 10 في المائة إضافية لمعاقبة بكين.
وقد يتبين أن بعض هذه التهديدات مجرد حيل تفاوضية، ولكن يبدو من الواضح أن فريق ترامب يخطط لتدابير تجارية جديدة كبيرة.
وإذا أخذنا كلامه على محمل الجد فإن فرض رسوم جمركية بنسبة 60% على واردات الولايات المتحدة من المنتجات الصينية سيكون كافيا لدفع التجارة بين الولايات المتحدة والصين إلى ما يقرب من الصفر، وفقا لحسابات توم أورليك، كبير الاقتصاديين في بلومبرغ.
لكن الواقع أن الرسوم الجمركية المرتفعة سوف تلحق الضرر بالاقتصاد الأمريكي من خلال تأجيج التضخم، وسوف تتسبب في عدوى دولية أيضا، حيث ترد الدول الأخرى بفرض رسوم جمركية خاصة بها.
وسوف تكون هناك تأثيرات كبيرة من الدرجة الثانية، على سبيل المثال عندما تعيد الصين توجيه فائض صادراتها الهائل إلى اقتصادات في أوروبا والجنوب العالمي وأماكن أخرى، أو تحول الإنتاج بذكاء إلى دول ثالثة لتجنب الرسوم الجمركية الأمريكية.
ومع ذلك، يبدو أن فريق ترامب سعيد بتحمل هذه المخاطر، وقال جرير في جلسة استماع بالكونغرس الأمريكي في مايو/أيار: "في بعض الحالات سوف تتسبب الجهود الرامية إلى السعي إلى الانفصال الاستراتيجي عن الصين في إحداث ألم قصير الأجل، إن تكلفة عدم القيام بأي شيء أو الاستخفاف بالتهديد الذي تشكله الصين أعظم كثيرا".
بصمة الأمن القومي
كما يستعد فريق الأمن القومي الجديد لترامب لتدابير جديدة تستهدف قطاع التكنولوجيا المزدهر في الصين. ومن المرجح أن تتبع القيود الأخيرة على صادرات أشباه الموصلات قيودا أخرى تستهدف مجالات مثل التكنولوجيا الحيوية والحوسبة الكمومية بمجرد تولي ترامب منصبه.
والواقع أن نية فك الارتباط في أكبر عدد ممكن من التقنيات ذات الأهمية الاستراتيجية واضحة بما فيه الكفاية. فقد كتب روبرت أوبراين، مستشار الأمن القومي السابق لترامب في يونيو/حزيران "ينبغي لواشنطن في الواقع أن تسعى إلى فك ارتباط اقتصادها باقتصاد الصين".
وكل هذا يخلق مشاكل كبرى لشركاء الولايات المتحدة في الخارج، ويفضل الجميع تقريبا عالما من إزالة المخاطر المتواضعة من الصين، وليس فك الارتباط الجذري.
ويأمل كثيرون أن تتحول تهديدات ترامب بالرسوم الجمركية إلى مجرد كلام فارغ، أو أن تثبت سلاسل التوريد العالمية أنها متكاملة ومهمة للغاية، حيث لا يمكن فك ارتباطها بالكامل.
ولكن هذا لا يمنع تفاصيل مهمة، تحديداً الاتجاهات المختلفة التي تتخذها واشنطن من ناحية وشركاؤها الجيوسياسيون من ناحية أخرى.
فعلى مدى السنوات الخمس الماضية قلصت الولايات المتحدة بشكل حاد اعتمادها على واردات السلع المصنعة الصينية، ومع ذلك زاد هذا الاعتماد في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي، وفقا لبحث من معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، ففي آسيا -على الرغم من كل حديثها عن تقليل المخاطر- تظل الصين أكبر شريك تجاري لليابان بفارق كبير.
وما يزيد الأزمة أن العديد من حلفاء الولايات المتحدة حاولوا تحسين العلاقات مع الصين على مدى العامين الماضيين، على سبيل المثال تعمل بريطانيا على إحياء برنامج الزيارات والتبادلات الدبلوماسية.
كما ضغطت برلين بقوة لوقف التعريفات الجمركية الأوروبية على السيارات الكهربائية الصينية هذا العام مع مضاعفة شركات صناعة السيارات الألمانية لاستثماراتها في الصين.
في وقت سابق من هذا العام استأنفت طوكيو الحوار الاستراتيجي مع بكين، وانضمت كوريا الجنوبية إلى اليابان في قمة ثلاثية مستأنفة مع الصين في مايو/أيار.
كل هذا يترك شركاء واشنطن يتصارعون مع تحدٍ دبلوماسي معقد، ولم يعد الخيال المهذب بأن الغرب متحدٍ في دعم إزالة المخاطر الانتقائية قابلا للتطبيق.
aXA6IDE4LjExOS4xMzEuNiA= جزيرة ام اند امز