عشوائية السياسة التجارية.. لعبة الرسوم الجمركية تدخل مرحلة خطرة

كان تهديد الرئيس ترامب بفرض تعريفات جمركية بنسبة 50% على جميع السلع الواردة إلى الولايات المتحدة من الاتحاد الأوروبي بدءا من نهاية الأسبوع الجاري، أحدث انعطافة بعد سلسلة من التقلبات في السياسة التجارية التي حيرت الأسواق المالية والشركات.
وقالت أغاث ديماريس، عضو المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، "لم يكن أي شخص يتوقع هذا، في الواقع، ليس لدينا أدنى فكرةٍ عما يعنيه".
ومهما كانت الاستراتيجية - أو غيابها من الأساس- فإن التداعيات الاقتصادية على الاقتصادات الأمريكية والأوروبية والعالمية ستكون وخيمة إذا نفّذ ترامب خطته، ولن يقتصر الأمر على أوروبا فقط بحسب ما أفادت صحيفة "نيويورك تايمز".
وحذّر كارستن برزيسكي، كبير اقتصاديي منطقة اليورو في بنك ING الهولندي، من أن مثل هذه المستويات من الرسوم الجمركية قد تؤدي إلى مزيجٍ مُخيف من ارتفاع التضخم وتباطؤ النمو في الولايات المتحدة.
كما قد تُدفع أوروبا إلى ركود، وينخفض النمو العالمي.
وفي معهد "كيل" للاقتصاد العالمي، قدّر جوليان هينز، الباحث التجاري، أن النمو الاقتصادي الأمريكي سينخفض بنسبة 1.5%.
ويُعدّ حجم هذه الزيادة الأخيرة في الرسوم الجمركية أعلى بكثير من الرسوم الجمركية "التبادلية" البالغة 20% التي أعلنها ترامب للاتحاد الأوروبي في أبريل/نيسان، ثم أوقفها لاحقًا، مع العلم أنه كان من المفترض أن يُضاف هذا الرقم إلى رسوم جمركية شاملة بنسبة 10%.
وقال العديد من المحللين إن إعلان ترامب كان بوضوح محاولة للضغط على أوروبا، وهي منطقة تعامل معها بازدراء شديد منذ عودته للسلطة.
ومع ذلك، اتفقوا على أن منشور الرئيس صباح الجمعة على موقع "تروث سوشيال" قد تسبب في أضرار.
وقال نيل شيرينغ، كبير الاقتصاديين في كابيتال إيكونوميكس، إن حجم الزيادة في الرسوم الجمركية، والطريقة المتقلبة التي تم بها التهديد بها، وتزايد حجم عجز الموازنة الأمريكية، كلها عوامل تُزعزع استقرار الأسواق المالية.
وقبل أسبوع، خفّضت وكالة موديز التصنيف الائتماني للولايات المتحدة، مشيرةً إلى مخاوف بشأن قدرة واشنطن على الحد من ارتفاع مستويات الديون.
وقال السيد شيرينغ، "يشير كل هذا إلى مخاوف بشأن افتقار توجهات السياسة في الولايات المتحدة إلى المصداقية"، وأن "الحواجز الواقية بدأت تتهاوى".
وقالت ماري إي. لوفلي، أستاذة الاقتصاد الفخرية بجامعة سيراكيوز، إن الشركات في مختلف المجالات ترفع بالفعل تقييماتها لمخاطر الاستثمارات في الولايات المتحدة، وهي علامة على أن حالة عدم اليقين تقلل من جاذبية الاستثمار في أمريكا.
وقالت، "أحد أهم أهداف الرئيس هو زيادة الاستثمار، لكن من قد يرغب في التصنيع هنا في حين أن الرئيس قد يفرض في أي لحظة ضرائب عالية على المنتجات التي نشتريها لإنتاجها، وقد نتعرض لرد فعل انتقامي من الأسواق التي نبيع فيها".
وأصبح التحول بين التهديدات المبالغ فيها والتراجعات أمرًا مألوفًا، حيث فرض ترامب رسومًا جمركية عالمية مرتفعة، ثم سارع إلى تأجيلها عندما اهتزت سوق السندات.
وهدد الصين برسوم جمركية باهظة بنسبة 145%، وعندما ردت الصين برسوم جمركية بنسبة 125% على السلع الأمريكية، تراجع ترامب.
وقبل أسبوعين، أصدرت الحكومتان بيانات مشتركة أعلنتا فيها تعليق أعلى الرسوم الجمركية لمدة 90 يومًا والتفاوض.
ومن المرجح أن تُعزز هذه التجربة عزم أوروبا، حيث يقول موريس أوبستفيلد، الخبير في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي وكبير الاقتصاديين السابق في صندوق النقد الدولي، "لقد رأينا بالفعل ما حدث مع الصين، وهو التراجع عن الموقف".
وأضاف "إذا رددتَ بقوة، ستتوتر الأسواق، وسيتراجع ترامب، هذه هي الرسالة التي استوعبها الأوروبيون".
ولكن كما أشار العديد من المحللين، يصعب على الأوروبيين التفاوض في حين أن ترامب لم يوضح إطلاقًا ما يريده.
وفكرة أن أوروبا قد تُضغط عليها لتقديم تنازلات سريعة تُظهر سوء فهم عميق لما يتطلبه التوصل إلى توافق في الآراء بين أعضاء الاتحاد الأوروبي السبعة والعشرين المختلفين تمامًا.
ومع ذلك، أعد المسؤولون الأوروبيون مجموعة من التدابير المضادة ردًا على زيادة الرسوم الجمركية الأمريكية.
ويذهب ما يقرب من خُمس صادرات الاتحاد الأوروبي إلى الولايات المتحدة، وتذهب حصة مماثلة تقريبًا من الصادرات الأمريكية إلى الاتحاد الأوروبي.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuNDYg جزيرة ام اند امز