الصلح وارد.. «خناقة» البيت الأبيض والمخدرات أغضبتا ترامب من ماسك

سيظل الخلاف بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وحليفه السابق الملياردير إيلون ماسك مثار نقاش في أروقة السياسة الأمريكية لجهة البحث والتنقيب عن مسبباته وكواليسه.
مرد هذا الاهتمام لما كان يحظى به ماسك من نفوذ ومكانة خاصة لدى الرئيس ترامب، مما سبب صدمة لدى المراقبين لما طفى هذا الخلاف إلى العلن.
صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، عزت في تقرير هذا الخلاف إلى غضب متراكم من ترامب تجاه حليفه السابق، وركزت تحديدا على تقارير عن تعاطي ماسك للمخدرات، فضلا عن شجار بالأيدي بين الملياردير ووزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت في البيت الأبيض.
المخدرات
وقالت الصحيفة "الرئيس دونالد ترامب كان محبطًا، يحاول استيعاب خلافه العلني عن أغنى رجل في العالم"، مضيفة "تأثر ترامب بشدة بعد هجمات إيلون ماسك العلنية عليه، وبدأ في إجراء اتصالات هاتفية مع مقربين لمحاولة فهم تصرفات ماسك".
وتابعت "قال ترامب في إحدى المكالمات: ماسك مدمن مخدرات من الطراز الثقيل"، بحسب شخص مطّلع على المكالمة، والذي تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية الموضوع.
وكان ماسك أقرّ باستخدامه الكيتامين، وهو مخدر قوي، وقال إنه وُصف له لعلاج الاكتئاب.
وذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" مؤخرًا أن ماسك استخدم الكيتامين بكثافة خلال الحملة الانتخابية لدرجة أنه أخبر من حوله أن ذلك أثّر على مثانته، وكان يسافر وبحوزته علبة دواء تحمل علامات دواء "أديرال".
وقال مسؤولون في البيت الأبيض إن "قلق ترامب من استخدام ماسك للمخدرات، بناءً على تقارير إعلامية، كان من بين العوامل التي تسببت في التباعد بينهما".
وصية ترامب لنائبه
ومع ذلك، لم يكن الرئيس، المعروف بعدم تردده في إطلاق منشورات شخصية لاذعة على وسائل التواصل الاجتماعي تجاه من يهينونه، بنفس الحدة مع ماسك كما توقع أصدقاؤه ومستشاروه.
وبعد مواجهته مع ماسك يوم الخميس، طلب ترامب من المحيطين به عدم "سكب البنزين على النار"، حسبما أفاد شخصان مطلعان، كما أوصى نائبه، جي دي فانس، بالحذر في تعليقاته العلنية على الموقف مع ماسك.
ورغم أن القطيعة بين ترامب وماسك ظهرت للعلن فقط يوم الخميس، إلا أن الشروخ في العلاقة بدأت بالظهور منذ وقت أطول.
وقالت "واشنطن بوست": "أسلوب ماسك الذي يقوم على التحرك السريع وتحطيم القواعد أدى إلى تنفير أعضاء رئيسيين في الطاقم الإداري، بمن فيهم رئيسة موظفي البيت الأبيض سوزي وايلز، كما دخل في صدامات مع أعضاء في الحكومة، وصلت إلى حد الاشتباك الجسدي مع أحد الوزراء".
واستندت الصحيفة في روايتها لانهيار العلاقة بين ترامب وماسك إلى مقابلات مع 17 شخصًا مطلعًا على الأحداث.
وأضافت "خلف الأبواب المغلقة، كانت محادثات الانتقام من ماسك تطرح بين مسؤولي الإدارة... ورغم التوتر، واصل ترامب دعم ماسك. لكن وايلز ازدادت ضيقًا من تصادم فريق الملياردير في مؤسسة "دوج الأميركية"، المعني بتطبيق الكفاءة الحكومية، مع كبار المسؤولين".
من فرصة إلى عبء
وفي الأول من أبريل/نيسان الماضي، جاءت أول صفعة انتخابية لماسك، حين ضخ أموالًا في ويسكونسن لدعم مرشح مؤيد لترامب في المحكمة العليا، لكنه خسر بشدة، ما شكل إنذارًا للجمهوريين بأن ماسك تحول من فرصة سياسية إلى عبء.
وفي الوقت ذاته، بدأ ماسك، مثل كثير من قادة الأعمال، يشعر بخيبة أمل من سياسات ترامب الاقتصادية. ففي الثاني من أبريل، أعلن ترامب عن رسوم جمركية جديدة، فسارع ماسك إلى منصة "إكس" مهاجمًا الخطوة ووصف مستشار ترامب التجاري بيتر نافارو بـ"الأحمق".
حاول ماسك إقناع ترامب شخصيًا بالتراجع عن الرسوم، لكن ترامب لم يستجب، ولم يلين إلا بعد أيام من تراجع حاد في أسواق السندات.
خناقة البيت الأبيض
وفي حادث لاحق، تفاقم التوتر بين ماسك وفريق التجارة إلى درجة العنف، عندما اشتبك جسديًا مع وزير الخزانة سكوت بيسنت، وفق ما ذكر ستيف بانون، المعلق السياسي اليميني والمستشار السابق لترامب.
وفي منتصف أبريل، دخل إيلون ماسك وسكوت بيسنت إلى المكتب البيضاوي ليعرض كلٌّ منهما حججه بشأن اختياره المفضّل لمنصب مفوض مصلحة الضرائب الأميركية بالإنابة. وقرر ترامب دعم مرشّح بيسنت.
وبعد أن غادر ماسك وبيسنت المكتب البيضاوي وسارا في أحد الممرات، بدأ الاثنان في تبادل الإهانات، وفقًا لستيف بانون، الذي قال إن بيسنت سخر من تعهد ماسك بالكشف عن أكثر من تريليون دولار من الهدر والاحتيال في الإنفاق الحكومي، وهو ما فشل في تحقيقه.
وقال بيسنت لماسك: "أنت محتال. محتال بالكامل"، فما كان من ماسك إلا أن اندفع واصطدم بكتفه في قفص بيسنت الصدري، ليرد عليه الأخير بلكمة، قبل أن يتدخّل عدد من الأشخاص لفض الاشتباك، وتم إخراج ماسك من الجناح الغربي للبيت الأبيض.
وقال بانون: "سمع الرئيس ترامب عن الحادثة وقال: هذا تجاوز للحد".
أزمة ناسا
وغاب ماسك عن البيت الأبيض لفترة، فاستغل خصومه داخل الإدارة الفرصة لتقويض نفوذه، وكانت البداية مع جاريد إيزاكمان، الذي رشحه ترامب لرئاسة وكالة ناسا بطلب من ماسك.
غير أن إيزاكمان كان قد قدّم تبرعات سياسية عديدة لمرشحين ديمقراطيين ما اعتُبر نقطة ضعف في إدارة تقدّم الولاء على أي اعتبار آخر، وفقا لـ"واشنطن بوست".
وفي آخر يوم عمل رسمي لماسك كموظف حكومي خاص، زوّد سيرجيو غور مدير التوظيف الرئاسي، ترامب بمستندات توثق تبرعات إيزاكمان.
وأبلغ ترامب ماسك بأنه سيسحب ترشيح إيزاكمان بسبب "مخاوف تتعلق بالولاء".
وكان دور غور في هذه العملية متعمّدًا، إذ أنه كان في حالة خلاف مع ماسك حول الترشيحات للمناصب. وتصاعدت التوترات بينهما في مارس/آذار بعد أن اعتبر ماسك أن غور هو من سرّب قصة لصحيفة "نيويورك تايمز" تتعلق باجتماع تصادم فيه الأول مع عدد من الوزراء. وزادت شكوك ماسك لأن التقرير لم يذكر انتقاداته لمكتب غور.
وعندما قرر ترامب سحب ترشيح إيزاكمان، بدا الأمر كضربة لطموحات ماسك في الفضاء.
ورغم تصاعد التوترات، أظهر ترامب وماسك جبهة موحدة في ذلك اليوم خلال حفل وداع رسمي لماسك في المكتب البيضاوي، حيث قدم له ترامب مفتاحًا ذهبيا وأثنى عليه بوصفه "واحدًا من أعظم قادة الأعمال والمبتكرين الذين عرفهم العالم".
انفجار الخلافات
لكن بعد أيام قليلة، انفجرت العداوة مجددًا على منصة "إكس"، حيث هاجم ماسك التشريع الرئيسي لترامب، وحثّ الجمهوريين في الكونغرس على عدم دعمه.
وحاول كبار المسؤولين في البيت الأبيض التقليل من أهمية ذلك، مؤكدين أن الرئيس كان على علم مسبق بموقف ماسك.
إلا أن ضبط النفس الذي أظهره ترامب بدأ يتلاشى يوم الخميس خلال ظهوره في المكتب البيضاوي، حيث صرح للصحفيين بأنه "يشعر بخيبة أمل" تجاه ماسك، وتساءل عن مستقبل صداقتهما.
وقال إن انتقاد ماسك للقانون يعود إلى مخاوفه من أن يؤدي إلى إلغاء الإعفاء الضريبي على السيارات الكهربائية، وهو ما تستفيد منه شركة "تسلا". وقد نفى ماسك هذا الادعاء وردّ بهجوم حاد.
وفي الساعات التي أعقبت الخلاف، كان البعض في دائرة ترامب يعتقد أن المصالحة لا تزال ممكنة، إذ استنتجوا من تفاعلهم مع الرئيس أنه منفتح على هدنة مع ماسك. لكن بحلول الصباح، تضاءلت تلك التوقعات.
وقال ترامب يوم الجمعة إنه لا يرغب في التحدث مع ماسك وقال لمساعديه إنه يفكر في بيع سيارة تسلا الحمراء التي كانت خارج البيت الأبيض، وهي مركبة قالت الإدارة إنه اشتراها في مارس.
وفي هذه الأثناء، واصل ماسك تأجيج النار، وألمح إلى تأسيس حزب جديد ليكون بديلا للحزب الجمهوري.
وقال أحد المقرّبين من دوائر ترامب وماسك: "هناك أمل في أن تحدث مصالحة، لكن الأمور لن تعود أبدًا كما كانت".