أما الوجوه فهي متعددة تختلف أدوارها حسب ما خلفته وما أثرت به على العالم كله، إلا أن الوجه الأول والبارز هو وجه الرئيس الأمريكي
أيام قليلة ونودع عاماً مثقلاً بالهموم والأحداث والآلام، ونستقبل عاماً زاخراً بالآمال والوعود، ببداية نهاية الأزمات والحروب والاضطرابات، وسط قلق ومخاوف من تكرار التجارب المريرة عاماً بعد عام، أحداث كثيرة مرت علينا في هذا العام، ووجوه بارزة صبغت ألوانه بكل أشكال الطيف، بينها الأحمر الذي سال مع الدم العربي في فلسطين وبعض الدول العربية مع عودة الربيع العربي بشكل مختلف وواجهة مختلفة في المظاهرات الشعبية السلمية، التي تحولت إلى قناع يخفي وراءه وجهاً عسكرياً تبنى الحراك وحمى المتظاهرين، ثم أمسك بزمام المبادرة وركز البوصلة في مكان آمن وأعاد التوازن بيد مايسترو قاد الأوركسترا وضبط ألحانها.
أما سوريا فقد استقر الوضع بصورة عامة بالنسبة للحرب، لكن الصراع الدولي تصاعد خلال العام وتقاسمت الدول الكبرى ولا سيما روسيا والولايات المتحدة والدول الإقليمية (إيران وتركيا) المغانم والمكاسب والثروات النفطية، وسيكون عام 2020 حاسماً بالنسبة للمواجهات، ومحاولة الخروج من مخلفات الحربأما الوجوه فهي متعددة تختلف أدوارها حسب ما خلفته وما أثرت به على العالم كله، إلا أن الوجه الأول والبارز هو وجه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي صادر الاهتمام العالمي والأمريكي يوماً بيوم، فانطبق عليه القول مالئ الدنيا وشاغل الناس "بالإذن من المتنبي"، إلا أن ما أثار غضب العرب هو إقدام ترامب على الاعتراف بضم القدس العربية لإسرائيل، ومن ثم ضم المستعمرات الاستيطانية والجولان السورية المحتلة رغم سقوط ما سمي بصفقة القرن.
ففي عام 2019 كان ترامب يضع أصبعه في كل شأن مع مد وجزر وشد وجذب، وموقف ونقيضه وتصريح ونفي ودفاع وهجوم على كل من يعاديه لحماية نفسه من محاولات العزل التي يقودها الحزب الديمقراطي، والتي ستكون العنوان الرئيسي لعام 2020.
فعلى الصعيد الأمريكي لم يمض يوم من أيام العام دون مفاجآت واتهامات، بدأت مع اتهام روسيا بالتدخل في الانتخابات لتأمين فوزه في وجه هيلاري كلينتون باستخدام الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، وما إن هدأت الضجة حتى تكررت المحاولات وتعددت عمليات طرد كبار المسؤولين في البيت الأبيض، بينهم جون بولتون، وتحدي الكونجرس بفرض بناء جدار على الحدود المكسيك، وانتهى العام مع فضيحة التدخل لدى رئيس أوكرانيا وعرض خدمات ودعم في حال إثارة فضيحة في وجه ابن منافسه في الانتخابات الرئاسة جو بايدن، وهو ما يرتكز عليه قرار العزل.
على الصعيد الخارجي كانت إيران شريكة ترامب في لفت انتباه العالم خلال عام 2019: تدخلات في شؤون الدول العربية ولا سيما العراق وسوريا ولبنان واليمن، والاعتداء على بعضها وفي مقدمتها السعودية من خلال الهجوم الصاروخي على منشآت أرامكو.
في المقابل اشتدت العقوبات الدولية والأمريكية على إيران التي زادت من تحدياتها بمضاعفة نشاطاتها النووية، بينما كان ترامب يتعامل معها بأساليب الترغيب والترهيب والتهديد، ومد اليد طلباً للسلام، وتخلل هذه اللعبة قراره بشن حرب على إيران أوقفها ترامب قبل 10 دقائق من موعدها، حسب ما قيل، فيما تتصاعد الحملات الكلامية فوق الطاولة وتجري وساطات ومفاوضات من تحت الطاولة.
وفي الجانب الآخر من العالم لعب ترامب الدور نفسه:
تصعيد إلى درجة التهديد بشن حرب ضد كوريا الشمالية ثم مد اليد لرئيسها كيم جونغ أون، وعقد لقاءات علنية معه دون نتيجة؛ لأنه تحداه بإجراء مزيد من التجارب الصاروخية، ودفعت الثمن اليابان وكوريا الجنوبية، اللتان فرض عليهما الرئيس الأمريكي شراء أسلحة وصواريخ وطائرات.
أما أوروبا فلم تنجُ من تهديدات ترامب وتغيرات مزاجه، فقد شدد ضغطه على حلف شمال الأطلس "الناتو" ليدفع أثمان التزاماته، فيما قام بضغط مباشر على دول الاتحاد الأوروبي.
ولم يعد خافياً على أحد أن ترامب لعب دوراً بارزاً في حمل بريطانيا على الخروج من الاتحاد الأوروبي، وهو ما نفذ بيد ديفيد كاميرون رئيس الوزراء الأسبق، الذي أجرى استفتاء مفاجئاً نال فيه أكثرية ضئيلة لتبدأ عملية الخروج "بريكست"، وعندما رحل تابعت المسيرة تيريزا ماي لكنها لم تتمكن من الإقلاع، فخرجت ليمسك بالدفة بوريس جونسون حليف ترامب وسط مخاوف من هيمنة أمريكية على بريطانيا وخضوع لسيطرة شركات التأمين لتحل محل نظام الضمان الصحي.
على الصعيد العربي، كان أبرز ما ميز عام 2019 هو عودة الربيع العربي بشكل أكثر سلمية وشمولاً بوتيرة واحدة في الجزائر وتونس والسودان كأنها مدبرة؛ حيث تثور الجماهير وتبقى متيقظة لأيام وأسابيع يدخل بعدها الجيش على الخط ليتفاوض ثم يهيمن ويتقاسم السلطة مع الحراك الشعبي، وفق ضوابط وموازين تضخ في النهاية في معسكر العسكر رغم انتخاب رئيسين مدنين في تونس والجزائر.
أما في لبنان فقد تكرر المشهد ولكن بلون لبناني وخصوصية تتمثل في تركيبته الطائفية والاجتماعية والحزبية، فقد حقق الشعب مكاسب كبرى في صموده في الشوارع أكثر من شهرين كان الجيش فيها هو الحامي والقوة الوحيدة الموحدة والقادرة على الإمساك بزمام الأمور، رغم كل ما يجري من شد حبال تغطية لصراعات ومحاولات لكسب الوقت وتغيير النظام بعد وقف اتفاق الطائف.
أما سوريا فقد استقر الوضع بصورة عامة بالنسبة للحرب، لكن الصراع الدولي تصاعد خلال العام، وتقاسمت الدول الكبرى ولا سيما روسيا والولايات المتحدة والدول الإقليمية (إيران وتركيا) المغانم والمكاسب والثروات النفطية، وسيكون عام 2020 حاسماً بالنسبة للمواجهات، ومحاولة الخروج من مخلفات الحرب.
وبالعودة لإيران لا بد من الحديث عن انقلاب في ميزان القوى ونهاية حلم الإمبراطورية الفارسية بعد انفجار النخبة الشعبية في المدن الإيرانية، وقيام مظاهرات عنيفة بالتزامن ضد التدخلات ومحاولات الهيمنة، وهو ما تعرضت له تركيا أيضاً لا سيما ضد دورهما في ليبيا وسوريا، وفي اليمن بدأت بوادر انحسار قدرات الحوثيين بعد نجاح التحالف العربي في مد نفوذ الشرعية على المدن الرئيسية ومناطق الجنوب.
وانعكس هذا التطور على السعودية والإمارات ودول الخليج، لتعيش عاما من الاستقرار والنمو والازدهار.
هذه هي العناوين الرئيسية من أحداث ووجوه العام وما ينتظرنا عام 2020. ندعو الله أن يكون عاماً سعيداً، وكل عام وأنتم بخير.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة