ترامب في 50 يوما

في عالم السياسة الدولية، تُعتبر أول 100 يوم لأي زعيم جديد فرصة لتحليل سياساته. ولكن مع ترامب، أصبح تقييم أول 50 يوما أمرا لا غنى عنه
فمنذ توليه المنصب في 20 يناير/كانون الثاني الماضي، أطلق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سلسلة من القرارات السريعة والمؤثرة، منها ما يتعلق بالداخل وأخرى بالخارج.
خبير المخاطر الجيوسياسية إيان بريمر، مؤسس ورئيس مجموعة أوراسيا، تحدث لمجلة "فورين بوليسي" عن أهم تحركات ترامب حتى الآن، وملامح سياسته الخارجية.
يقول بريمر في التحليل الذي طالعته "العين الإخبارية"، إن "ترامب في وضع أقوى بكثير هذه المرة مما كان عليه في ولايته الأولى، حيث عزز نفوذه بشكل كبير".
فترة قصيرة اعتمد فيها ترامب على ولاء فريق عمل لا يتردد في تنفيذ رغباته، حتى لو كانت قراراته غير مدروسة بعناية.
ويرى الخبير السياسي أن الرئيس الأمريكي "يعتمد على أسلوب تفاوضي قائم على القوة، حيث يتعامل مع الأطراف الضعيفة بشكل استغلالي" وهذا برز في تعامله مع كندا والمكسيك وأوكرانيا، حيث يفرض شروطا صارمة دون اكتراث بردود الفعل، بينما يلجأ للأسلوب التجاري مع الأطراف القوية".
هذا النهج أدى إلى تحقيق بعض الانتصارات السريعة، لكنه ترك أيضا- بحسب الخبير نفسه- تداعيات طويلة الأمد على العلاقات الدولية.
سباق مع الزمن
والسبب في أن 50 يوما أنسب من 100 يوم، "هو أن ترامب نفسه يدرك أنه لا يملك الكثير من الوقت. لن يترشح مرة أخرى. فهو يبلغ من العمر 78 عاما. كما أنه أصيب برصاصة في رأسه قبل بضعة أشهر وكاد أن يُقتل".
كل هذا بنظر بريمر، عزز إحساسه بالحاجة إلى تنفيذ سياساته بسرعة ودون تردد، حتى لو كان الثمن انهيار علاقات دبلوماسية أو اضطرابات اقتصادية.
مفاجآت مبكرة
وفي معرض حديثه عن أبرز المفاجآت التي شهدتها الـ50 يوما، لفت الخبير السياسي إلى أن من أبرز التطورات المفاجئة في هذه الفترة كان دور إيلون ماسك.
وقال إن ماسك تخلى عن الإدارة اليومية للعديد من شركاته الكبرى ليصبح المحرك والمنشط الرئيسي لسياسات ترامب، مشيرا إلى أن هذا التحالف أدى إلى تغييرات كبيرة داخل الإدارة الأمريكية، رغم أنه أثار استياء بعض المقربين من الرئيس.
الرابحون والخاسرون
على الصعيد الدولي، يرى بريمر أن بعض الدول نجحت في التكيف مع ترامب. وفي المقابل، تعاني الدول الأوروبية من تدهور علاقاتها مع الولايات المتحدة، خاصة مع توجه الرئيس نحو تحسين العلاقات مع روسيا، العدو التقليدي لأوروبا.
أما الصين فهي تستفيد من تراجع الدور الأمريكي في المؤسسات الدولية، مما يعزز نفوذها الاقتصادي والدبلوماسي عالميا.
كما أن روسيا تعد من المستفيدين المباشرين، نظرا لانخراط ترامب في محادثات مع الرئيس فلاديمير بوتين دون فرض شروط صارمة عليه.
داخليا
على الصعيد الداخلي، أثارت سياسات ترامب التعريفية والتغييرات الجذرية في الحوكمة قلق العديد من الشركات والقيادات الاقتصادية.
وعلى الرغم من أن بعض القطاعات، مثل الطاقة والمصارف، تشهد تحسنا بسبب سياسات إلغاء القيود، إلا أن العديد من الشركات تعاني من عدم الاستقرار وارتفاع التكاليف.
ويتوقع أن تصل التعريفات الجمركية الأمريكية إلى أعلى مستوياتها منذ أربعينيات القرن الماضي، مما سيؤدي إلى تداعيات اقتصادية كبيرة.
ومع أن ترامب يبدو مستعدا لتحمل العواقب قصيرة الأجل، فإن سياساته قد تؤدي إلى اضطرابات طويلة الأمد في الأسواق والشركات.
وسبق أن أقرّ ترامب باحتمالية حدوث ركود اقتصادي، وبأنه قد يكون هناك بعض المعاناة.
النخبة الاقتصادية
وعن تأثير سياسات ترامب على رجال الأعمال وسلاسل التوريد الخاصة بهم، وهل لديهم أي نفوذ عليه إذا لم يكونوا راضين؟ أجاب الخبير السياسي بأن أن العديد من رجال الأعمال الذين دعموا الرئيس يتوجسون الآن من سياساته.
فبينما يستفيد البعض من قراراته، هناك شريحة واسعة من كبار التنفيذيين الذين يخشون التصادم معه، إذ يخشون العقوبات السياسية والاقتصادية المحتملة في حال انتقادهم العلني لسياساته.
وأضاف "بعضهم راض بالطبع، وخاصة أولئك الذين استثمروا أموالهم في حملة ترامب. إنه يتحدث عن احتياطي العملات المشفرة، وقد ركز بشدة على إلغاء القيود في تلك البيئة. لقد ركز على تحرير البنوك، والوقود الأحفوري، لاسيما النفط والغاز. ولا شك أن المراهنات الإلكترونية سعيدة به حاليا".
وتابع في هذه الجزئية "إذا تبرعت لترامب، فهو يقدم لك خدماته عموما. لذا، أصبحت الولايات المتحدة أكثر سطوة على المال، وأكثر استحواذا على المال كنظام سياسي.".
مستدركا "لكن هذا ليس جديدا في عهد ترامب. في الواقع، كان بالفعل النظام الأكثر سطوة على المال واستيلاء على الدولة من قِبل مصالح القطاع الخاص في الديمقراطيات الصناعية المتقدمة بهامش كبير. لقد سرّع ترامب هذه العملية بشكل كبير".