من التهديدات إلى رسائل الشكر.. العالم يتفاعل مع زلزال ترامب الجمركي

أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فرض رسوم جمركية جديدة على واردات عشرات الدول، تراوحت بين 10% و41%، في خطوة وصفها البيت الأبيض بأنها تهدف إلى "إعادة هيكلة التجارة العالمية لصالح العمال الأمريكيين".
أثار قرار ترامب ردود فعل عالمية منقسمة بين من رحب بالتفاهمات، باعتبارها فرصة لتصحيح الخلل التجاري، ومن لوح بالتصعيد باعتبار الأمر ضربة للعولمة وسلاسل الإمداد.
الصين: "لا رابح في الحروب التجارية"
أبدت الصين رفضًا قاطعًا للقرار، معتبرة الرسوم الجديدة مظهرًا من مظاهر الحمائية التي "تضر بمصالح جميع الأطراف".
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية غوو جياكون، إن الصين تعارض بصورة منهجية وواضحة فرض هذه الرسوم الجمركية، فلا رابح في حرب رسوم جمركية أو حرب تجارية.
وفي الوقت الذي لم تعلن فيه بكين بعد عن إجراءات مضادة، إلا أن الترقب يسيطر على الأسواق وسط توقعات بالرد قريبًا.
كندا وسويسرا.. ردود دبلوماسية
كانت كندا من أكثر الدول تضررًا، حيث رُفعت الرسوم الجمركية على بعض صادراتها من 25% إلى 35%، وانتقدت أوتاوا القرار، خاصة بعد فشل محاولاتها لتجنب هذا التصعيد.
ترامب برر القرار بفشل كندا في التعاون في مكافحة تدفق المخدرات إلى الولايات المتحدة، مشيرًا إلى "إجراءات انتقامية سابقة من أوتاوا ضد واشنطن".
أما سويسرا، التي فوجئت بزيادة الرسوم من 31% إلى 39%، عبرت حكومتها عن "خيبة أمل كبيرة"، مؤكدة في بيان رسمي رغبتها في الاستمرار في التفاوض.
وتعد السوق الأمريكية من الوجهات الرئيسية للصادرات السويسرية، لا سيما في مجالات الأدوية، الساعات، الأجبان، والشوكولاتة.
تفاهم مشروط
على الجانب الآخر، تمكن الاتحاد الأوروبي، إلى جانب اليابان وكوريا الجنوبية، من التوصل إلى تفاهمات مبكرة مع الإدارة الأمريكية، ما نتج عنه فرض رسوم أقل نسبيًا تراوحت بين 10% و15%، إضافة إلى حصول بعض القطاعات الحيوية في الاتحاد الأوروبي على إعفاءات جزئية.
ومع ذلك، حذر خبراء اقتصاديون من أن هذه الرسوم قد تؤثر على سلاسل الإمداد العالمية، وترفع من تكلفة السلع على المستهلكين.
وأعلنت تايوان أن الرسوم الجمركية المفروضة عليها بنسبة 20% تعد "مؤقتة"، معربة عن أملها في خفضها عبر مفاوضات نشطة.
وقال الرئيس لاي تشينغ-تي: "سنواصل العمل للحصول على معدل أكثر عدلًا، خصوصًا للقطاعات الحساسة مثل أشباه الموصلات وتكنولوجيا الاتصالات".
ورغم أن النسبة الحالية أقل من التهديد السابق بفرض 32%، إلا أنها لا تزال أعلى من النسب المفروضة على دول كبرى، مما أثار حفيظة بعض الصناعيين في تايبيه.
تايلاند وكمبوديا.. ارتياح ورسائل شكر
من المفارقات اللافتة، أن بعض الدول الآسيوية عبرت عن ارتياحها للقرار، على رأسها تايلاند التي فُرضت عليها رسوم بنسبة 19% بدلًا من 36%.
واعتبرت بانكوك هذه الخطوة "انتصارًا كبيرًا"، مؤكدة أنها "مقاربة مربحة للطرفين"، بحسب المتحدث الرسمي باسم الحكومة.
أما كمبوديا، فقد وصفت القرار بأنه "أفضل بشرى للشعب الكمبودي"، بعدما تم تخفيض الرسوم من 36% إلى 19%، ونشر رئيس الوزراء هون مانيت رسالة شكر عبر فيسبوك، رحب فيها بالقرار واعتبره "دافعاً إضافياً لدفع عجلة التنمية".
المكسيك.. مهلة قبل التصعيد
في بادرة مفاجئة، منحت واشنطن المكسيك مهلة 90 يومًا قبل تطبيق أي زيادة جمركية محتملة، ما اعتبر بمثابة "نافذة فرصة" لتفادي التصعيد.
وتعد المكسيك شريكًا تجاريًا رئيسيًا للولايات المتحدة ضمن اتفاقية "نافتا"، ومن المتوقع أن تبدأ مفاوضات مكثفة في الأسابيع المقبلة.
قرار غير مبرر
فرضت إدارة ترامب رسومًا إضافية بنسبة 50% على البرازيل، في خطوة ربطها مراقبون بمحاكمة الرئيس البرازيلي السابق جايير بولسونارو، أحد أبرز حلفاء ترامب في أمريكا اللاتينية.
ورغم الاستثناءات القليلة لبعض السلع، وصفت الحكومة البرازيلية القرار بأنه "غير مبرر سياسيًا واقتصاديًا".
أعلى الرسوم
سجلت سوريا أعلى نسبة رسوم جمركية في هذا القرار بـ41%، تليها لاووس بنسبة 40%، ولم تصدر حتى اللحظة ردود رسمية من حكومتي البلدين، لكن خبراء اعتبروا أن الخطوة "عقابية" بالدرجة الأولى.
هل انتهى عصر التجارة الحرة؟
رغم تفاوت ردود الأفعال، إلا أن المشهد الدولي بات أكثر وضوحاً، فقرارات ترامب تعيد تشكيل قواعد التجارة العالمية، وتعكس تحوّلاً استراتيجيًا نحو مبدأ "أمريكا أولاً" على حساب النظام التجاري الليبرالي الذي ساد منذ الحرب العالمية الثانية.
وقالت ويندي كاتلر، نائبة رئيس معهد "آيجيا سوسايتي بوليسي": "الأمر التنفيذي يُخرج فعليًا قواعد التجارة عن سياقها التاريخي، والسؤال الآن: هل يستطيع الشركاء الحفاظ على تلك القواعد بدون الولايات المتحدة؟".