صناعة الشحن تتقلب.. بين مدّ الحرب التجارية وجزر التعاون

رغم موافقة الولايات المتحدة مؤخراً على تعليق رسومها الجمركية البالغة 145% على البضائع الصينية، لا تزال صناعة الشحن تعاني.
نتجت هذه المعاناة من تبعات السياسات التجارية "الحمائية" للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والتي ما زالت تُحدث هزات في التجارة العالمية.
ووفقاً لتقرير لمجلة "فورين بولسي"، تُعد صناعة الشحن مرآة فورية للتغيرات الاقتصادية العالمية، إذ أنها أول من يشعر بآثار الأزمات. ووفقًا لرالف ليسزنسكي، رئيس قسم الأبحاث في شركة بانتشيرو كوستا للوساطة البحرية، فإن الولايات المتحدة تمثل ما يقارب 20% من التجارة بالحاويات، ومعظمها واردات طويلة المدى من شرق آسيا. وحينما تم فرض الرسوم الجمركية في بداية أبريل/نيسان 2025، كانت النتائج فورية وقاسية.
وبدأت الشركات الأمريكية في إلغاء الطلبات، في حين فقد المصدّرون الأمريكيون إمكانية الوصول إلى أحد أكبر أسواقهم. في ميناء لوس أنغلوس –وهو الأكثر ازدحامًا في الولايات المتحدة– توقعت الإدارة الأمريكية انخفاضًا في حركة الوصول بنسبة الثلث. وبحلول 9 مايو/أيار، كانت حركة السفن في ميناء لونغ بيتش المجاور قد انخفضت بنسبة تتراوح بين 35 و40%، بينما انخفضت في لوس أنغلوس بنسبة 31%.
وامتدت الأزمة إلى خارج الموانئ. فقد انخفضت بشكل كبير شحنات البضائع من الصين إلى الولايات المتحدة، ولم تكن هناك أي سفن متجهة إلى مينائي لونغ بيتش أو لوس أنغلوس. وقال جين سيروكا، المدير التنفيذي لميناء لوس أنجلوس: "واقعياً، حتى يتم التوصل إلى اتفاق أو إطار واضح مع الصين، سيبقى حجم الشحن القادم منها ضعيفًا جدًا".
وهذا الانخفاض المفاجئ أثار القلق بين عمال الموانئ وأضر بسائقي الشاحنات الذين تعتمد أعمالهم على تفريغ الحاويات. كما تسبب في فوضى لمالكي السفن والبحارة. فالكثير من السفن كانت قد أبحرت بالفعل عندما فرضت الرسوم في 2 أبريل/نيسان الماضي، محملة ببضائع أصبحت فجأة أكثر من ضعف تكلفتها الأصلية عند الوصول.
وفي الصين، هرع المصدّرون للبحث عن مشترين آخرين في آسيا أو أوروبا. إلا أن هذه الأسواق تعني طرق شحن أقصر، وبالتالي أرباحًا أقل لمالكي السفن. وقال ليسزنسكي: "حتى لو تم تحويل الصادرات إلى أسواق جديدة، فإن قصر المسافات سيؤدي إلى تقليص العوائد".
"استراتيجية الأمل والدعاء"
أما المستوردون الأمريكيون، فقد تبنوا ما وصفته "سيندي ألين"، المديرة التنفيذية لشركة الوساطة الجمركية Trade Force Multiplier، بـ"استراتيجية الأمل والدعاء". فقد خزنوا البضائع في الموانئ دون تخليصها جمركيًا على أمل انخفاض الرسوم لاحقًا. وقالت ألين: "سمعت من شركات تقول: طلبنا هذه البضائع والرسوم كانت 2.5%، والآن أصبحت 145%، لا يمكننا تحمل ذلك".
وقد نجحت هذه الاستراتيجية جزئيًا، إذ أن الرسوم الجديدة بنسبة 30% بعد اتفاق الهدنة التجارية أفضل من 145%. لكنها لا تزال مرتفعة، ولا أحد يعرف ما سيحدث بعد انتهاء فترة التهدئة. وأشار كورماك مكغاري، مدير قسم الاستخبارات البحرية في شركة Control Risks، إلى أن العديد من الشركات الأمريكية بدأت بتغيير سلاسل التوريد، بالاتجاه نحو دول ذات رسوم أقل. وأضاف: "الفرق الآن أن الشركات تتوقع ببساطة انخفاضًا في الطلب الاستهلاكي الأمريكي".
لكن الاضطرابات لا تقتصر على المحيط الهادئ. فهجمات مليشيات الحوثي في البحر الأحمر ونمو أسطول الظل الروسي يعقدان الأمور. وأصبحت قناة السويس طريقًا محفوفًا بالمخاطر، ما دفع السفن إلى الالتفاف حول رأس الرجاء الصالح، وهو طريق أطول بكثير.
وتأقلمت شركات الشحن سريعًا، حيث أعادت توجيه مساراتها وطورت تقنيات لتحديد السفن المموّهة التي تغير بياناتها. كما بدأت في تقليص اعتمادها على الخطوط بين الصين والولايات المتحدة. إلا أن هذه التغيرات لها تكلفة – خاصة على البحارة، الذين يعملون بعقود مؤقتة ويصعب عليهم تأمين عمل بديل بسرعة.
وقال سايمون لوكوود، رئيس قسم مالكي السفن في شركة التأمين WTW: "بعض البحارة يواجهون فترات أطول من البطالة، أو يُجبرون على تغيير وظائفهم. ففقدان الرحلات يعني فقدان الدخل".
لكن على المدى البعيد، هناك تفاؤل بشأن أوضاع البحارة. وأوضح لوكوود: "يوجد نقص عالمي في أطقم السفن المؤهلة، ولا يزال الطلب يفوق العرض". أما الضرر الحقيقي فقد يقع على اليابسة.
وقال مكغاري: "شركات الشحن تتكيف بسرعة وتغير مساراتها لتضمن الربحية. أما الموانئ الأمريكية والشركات المحلية فليس لديها هذه الرفاهية".
ومع اقتراب نهاية فترة التهدئة، تزداد مخاوف نقابات عمال الموانئ من فقدان المزيد من الوظائف. وحتى إن لم تعُد الرسوم إلى مستوياتها القصوى السابقة، فقد تستمر شركات الشحن في الابتعاد عن المسارات الأمريكية التي أثبتت حساسيتها السياسية.
aXA6IDUyLjE0LjExNS4xMDIg
جزيرة ام اند امز