كيف ستغير الحرب التجارية المشهد الجيوسياسي؟
قال محللون إن التعريفات الجمركية التي يفرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد تحدث تحولا في الوضع الجيوسياسي حول العالم.
ونقل تحليل نشرته مجلة فورين بوليسي عن براد سيتسر وهو باحث مخضرم في مجلس العلاقات الخارجية وكان قد عمل سابقًا مستشارًا كبيرًا للممثل التجاري الأمريكي، أنه على الرغم من أن دونالد ترامب قد لا يكون بالضرورة أيديولوجيًا، فإنه يبدو بصدق أنه يعتقد أن الولايات المتحدة يجب أن تستخدم التعريفات الجمركية كأداة في السياسة الخارجية.
من الحماية إلى الإيرادات
غالبا ما تم استخدام التعريفات الجمركية من أجل الحماية، لكنها لم تُستخدم كثيرًا من أجل الإيرادات حتى الآونة الأخيرة. لذا، فإن ترامب يحدث بالفعل تغييرًا كبيرًا، إذ يستخدمها دائمًا للضغط في التفاوض.
يأخذ ترامب الرسوم الجمركية إلى مستوى جديد، وبينما كان معظم الرؤساء يرون التعريفات الجمركية عبئا مكلفا على الاقتصاد الأمريكي أو شيئًا يمكن التفاوض عليه في إطار صفقة تجارية، فإن ترامب منفتح جدًا على استخدام التعريفات كمصدر للنفوذ، من أجل أهداف أخرى غير التجارة. كل هذه العوامل تجعل استخدام ترامب للتعريفات شيئًا فريدًا بعض الشيء.
الاضطرار إلى المواجهة
أضاف سيتسر أنه إذا اتحدت الكتل الكبيرة معًا، فإنها يمكن أن تكون لديها القدرة على فرض ردود أقوى على أفعال الولايات المتحدة. وخيارات الرد أيضًا سوف تتعلق باستعداد البلاد بالمخاطرة، وأوضح: "بمعنى هل أنت مستعد لفرض تعريفة على السلع فيما سيحد من قدرتك على الإنتاج والتصدير للأسواق العالمية؟". مع ذلك، فإنه بالنسبة للاقتصادات الصغيرة جدًا، فهي تدرك تمامًا أنه إذا لم تكن مستعدة للقتال بين الحين والآخر، فإنها تخاطر بأن تتعرض للاستضعاف. لذا في بعض الأحيان، تقف الدول على الرغم من أن هذا ليس في مصلحتها المباشرة.
السبب الحقيقي للأزمة
كان روشير شارما قد أشار مؤخرًا في تقرير نشرته فايننشال تايمز إلى أنه على مدار السنوات الثماني الماضية، شهدت حوالي 80% من الدول زيادة في التجارة كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي الوطني.
لكن الولايات المتحدة تشكل استثناءً كبيرًا ، فهي تنمو بشكل أسرع من نظرائها، ولكن دون أي تعزيز من التجارة.
وعلق سيتسر على هذه المشكلة معتبرا أنه لا يمكن حلها فقط من خلال سياسات ترامب التجارية، بل يتطلب الأمر تغييرات في الضرائب وأسعار الصرف لديها.
وقال "حجم ما نصدره كدولة هو تقريبا نفس المستوى بالنسبة لاقتصادنا كما كان في الثمانينات، لذلك لم نعد قوة تصدير منذ فترة طويلة، وتميل نسبة الصادرات إلى الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي إلى الانخفاض على مدار العشر سنوات الماضية، ليس بسبب سياسات التجارة التي اتبعها ترامب في فترته، ولكن لأن الدولار كان قويًا جدًا إلى جانب سياسة ضريبية تعاقب الشركات التي تصدر من الولايات المتحدة".
أضاف، "لذا يمكنهم تحقيق معدلات ضريبية أقل بكثير إذا وضعوا ملكيتهم الفكرية خارج الولايات المتحدة".
واعتبر أن واشنطن، عبر سياساتها الخاطئة، تشجع الشركات على عدم الإنتاج في الولايات المتحدة وبدلاً من ذلك على الإنتاج في الخارج وتسجيل الأرباح في الخارج. لذلك هناك مجموعة من السياسات التي جعلت الولايات المتحدة قوة تصدير ضعيفة جدًا. وقال إن ذلك هو السبب الحقيقي وراء الأزمة التجارية للبلاد والتي لن تحلها مسألة فرض تعريفات جمركية.
التحول الجيوسياسي
وقال سيتسر إنه إذا أصبحت الولايات المتحدة قوة تجارية قسرية، وإذا استخدمت نفوذها في محاولة لفرض على كندا أن تصبح الولاية 51 أو لتحويل أنماط تجارتها بشكل كامل، فسيقوم الكنديون بإعادة تقييم ما إذا كان ينبغي لهم دمج اقتصادهم بالكامل مع الاقتصاد الأمريكي.
أضاف: "من الطبيعي أن يكون هناك تجارة أكثر كثافة مع جيرانك، خصوصًا عندما تشترك في قارة واحدة. ولكن إذا كان جارك متنمرًا، قسريًا، ويصر على شروط غير عادلة، فقد تقرر كندا أنها ستكون أفضل حالًا إذا أعادت توجيه اقتصادها ليكون أكثر تكاملًا مع أوروبا، حتى لو كان ذلك سيكلفها."
وقال سيتسر: "اذا سعت إحدى الدول الكبرى إلى التوسع الإقليمي من خلال تهديدات التعريفات أو من خلال القوة العسكرية.. سيكون ذلك تغييرًا هائلًا.. وأعتقد أنه سيكون تغييرًا مدمرًا جدًا."
تابع: "إذا كنت لا تتبع قواعد منظمة التجارة العالمية، سيسأل الناس: ما هي القواعد التي تتبعها إذًا؟ إذا كنت، بدلاً من ذلك، توسع أهدافك في السياسة الخارجية لتشمل أشياء مثل إقناع دولة ببيع جزء من أراضيها لك أو إقناع دولة بالتخلي عن جزء من أراضيها، مثل قناة بنما، فإن ذلك يعد توسيعًا هائلًا لاستخدام التعريفات. ويذهب ذلك إلى ما هو أبعد من عدم اتباع القواعد إلى اختراع قواعد جديدة ضخمة".
التجارة مع الصين
تعد التجارة مع الصين هي تحدٍّ كبير إذا لم تكن فقط ترسل سلعًا إلى الصين لتُباع في باقي العالم. إذا كنت تعتمد حقًا على الطلب الصيني، فذلك سيكون أمرًا صعبًا.
وشدد سيتسر على أن إدارة ترامب يجب أن تقرر ما إذا كان الهدف النهائي هو الانفصال الاقتصادي أم أن الهدف هو التجارة المتوازنة، حيث تشتري الصين الكثير أكثر مثلا، ربما بشكل عشوائي إلى حد ما، باستخدام قوة الدولة لتحويل الطلب الصيني نحو الولايات المتحدة بعيدًا عن الدول الأخرى وبالتالي خلق علاقة تجارية تبدو أكثر توازنًا.
ولأن الصين لديها نفوذ ليس فقط مع الولايات المتحدة، ولكن أيضًا مع جميع الدول الأخرى، بعضها حلفاء أمريكيون، فيمكنها أن تؤذي دولًا أخرى، ولكن التعريفات الأمريكية في أماكن أخرى قد تدفع الحلفاء الأمريكيين في موقف هش إلى أحضان الصين.
وفي حروب التعريفات يمكن للصين ببساطة أن تحل محل الولايات المتحدة في التجارة، لأن لديها نمط تجارة غير متوازن. فهي أكبر شريك تجاري للعديد من الدول. وذلك لأن العديد من الدول تستورد الكثير من الصين. فقد كانت شريكًا تجاريًا ضخما لأوروبا في السنوات الأخيرة، حيث ارتفع عجز أوروبا مع الصين بشكل كبير. كما كانت شريكًا تجاريًا كبيرا مع كوريا، اذ ضغطت على هيونداي حتى أخرجتها من السوق الصينية للسيارات. ومن حيث الحجم، ارتفعت صادرات الصين العام الماضي بنحو 15%، بينما كانت الواردات تنمو فقط بنسبة 2-3% فقط، وهو تباين هائل.
وقال سيتسر "إذا كنت لا تصنع سلعًا أساسية فلن تصدر شيئًا تقريبًا إلى الصين. واردات الصين من السلع المصنعة كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي للصين كانت تتناقص منذ عام 2005، وإذا استثنينا واردات الأجزاء، فإن واردات الصين من السلع المصنعة أقل من 4% من ناتجها المحلي الإجمالي، وهي بالتالي تضغط على السلع المصنعة في اقتصادها".
aXA6IDMuMTQxLjE5MC4yNDcg جزيرة ام اند امز