ضغوط ترامب «التجارية» على أوروبا فرصة لتحرير اقتصادها (تحليل)
لم يعف الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب حتى أقرب حلفاء بلاده من خطر خوض حرب تجارية أمام الولايات المتحدة.
وهو ما كان واقعا جليا في التوترات التجارية التي سادت إبان فترة رئاسته الأولى بين عامي ٢٠١٦-٢٠٢٠.
ومع تجدد احتمالات الدخول في فترة من التوتر التجاري البالغ مرة أخرى، أسهب تحليل نشرته مجلة فورين بوليسي في تناول كيف يمكن للأوروبيين تحويل الضغط التجاري الأمريكي المحتمل لفرصة لتحرير اقتصاداتها من الاعتماد المتبادل "المضر".
- حرب التجارة تشتعل.. الصين تفرض قيودا على تصدير مكوّنات الرقائق إلى أمريكا
- ترامب ينقلب على شركاء أمريكا الكبار.. رسوم جمركية ضخمة تهدد التجارة العالمية
تهديد قادم
وقال التحليل إن الدول في أوروبا تواجه بالفعل بعض السيناريوهات الأكثر رعبا في الأمد القريب، وتستعد الدول الأعضاء السبع والعشرون في الاتحاد الأوروبي لفرض تعريفات جمركية أمريكية إضافية تتراوح بين 10 و20 في المائة على جميع الصادرات من الكتلة، أو ربما بعضها فقط، في بعض القطاعات، من بعض البلدان، ولا يزال النطاق الكامل لخطط ترامب التجارية غير واضح، لكن خبراء الاقتصاد الذين يعملون على وضع السيناريوهات القاتمة يتوقعون الألم للمصدرين الكبار مثل ألمانيا وفرنسا وهولندا.
وعلى النقيض من الصين، التي تعد أيضا واحدة من أهداف ترامب التجارية، فإن أوروبا ليست متجانسة سياسيا، وتزداد تفتتها يوما بعد يوم، وهو ما قد يعوق أي استجابة موحدة للحرب التجارية المقبلة التي يشنها ترامب. وعلى النقيض من الصين فإن أوروبا ليست سوقا مطلقا من مشتريات السلع الأمريكية، مثل الغاز الطبيعي وفول الصويا، التي قد تهدئ البيت الأبيض.
فرصة للتحرر
لكن الحرب التجارية المتجددة التي يشنها ترامب ربما تحمل بصيصا من الأمل لأكبر كتلة اقتصادية في العالم، فعلى مدى ربع قرن من الزمان كان الاتحاد الأوروبي يكافح من أجل جعل اتحاده أكثر اكتمالا، إن لم يكن مثاليا، وتوسيع نطاق تجارته بشكل أكبر، ولديه قائمة مهام ضخمة عندما يتعلق الأمر بسد الفجوة الإنتاجية والتغلب على نقاط الضعف الاستراتيجية والاقتصادية، مثل تلك التي حددها رئيس الوزراء الإيطالي السابق ورئيس البنك المركزي الأوروبي ماريو دراجي بإسهاب.
وكما فعل ترامب والرئيس جو بايدن بالنسبة للصين بحربهما الاقتصادية، فإن الجولة الأخيرة من المعارك التجارية مع أوروبا قد تدفع القارة العجوز أخيرا إلى تحقيق مخطط اقتصادي جديد، وضمان قدرتها على الصمود والاعتماد على الذات وشيء يشبه السيادة الاقتصادية.
ونقل التحليل عن ألبرتو ريزي، الخبير في التجارة والجيواقتصاد في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية "إن الجانب المشرق -تنفيذ توصيات تقرير دراجي- سيكون أفضل نتيجة لهذا الوضع، ولكن هذا لن يتم بين عشية وضحاها، وسوف يتطلب قدرا كبيرا من التماسك السياسي والاستعداد من جانب الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي للعمل معا".
والحل الأول لأوروبا في المرة السابقة كان "شراء ترامب بوعود غامضة بزيادة مشتريات السلع الأمريكية، خاصة الغاز الطبيعي" بحسب تحليل الفورين بوليسي.
وكانت هذه بالضبط الاستراتيجية التي انتهجها رئيس المفوضية الأوروبية السابق جان كلود يونكر في المرة الأولى، التي اضطرت فيها بروكسل إلى المرور بهذا، ودخلت رئيستها الحالية أورسولا فون دير لاين المسرح بنفس السيناريو، متعهدة بزيادة مشتريات الغاز الأمريكي.
تحديات زيادة التبادل التجاري
لكن هناك مشكلتان في هذا النهج.. فأوروبا لا تتمتع بنفس شهية الصين للمواد الخام الأمريكية، وينطبق نفس الشيء على الغاز الطبيعي، على الرغم من رغبة أوروبا في إنهاء اعتمادها على الجزيئات الروسية. فشركات الطاقة الأوروبية -على عكس معظم الشركات الصينية- تتخذ قراراتها على أساس اعتبارات السوق، وليس على أساس تصريحات المفوضية الأوروبية.
والشراء الآخر الذي يلجأ إليه لاسترضاء ترامب السلع الزراعية الأمريكية، وهي أيضا تشكل مشكلة بالنسبة لأوروبا، التي لديها لوائح صحية نباتية راسخة لحماية المطبخ الأوروبي وجماعات الضغط الزراعية الأوروبية الممولة تمويلاً جيداً، وقد أدى ارتفاع طفيف في الواردات الزراعية إلى أوروبا من مناطق أقل تنظيماً مثل شمال أفريقيا إلى إطلاق العنان لأصوات غاضبة هذا العام
وأشار الخبير الاقتصادي المحافظ أورين كاس إلى أن ترامب يريد أيضا بيع المزيد من السيارات والطائرات الأمريكية إلى أوروبا. ومن المؤسف بالنسبة لأوروبا أن هذه مشكلة أيضا، فصناعة السيارات الأوروبية على أجهزة الإنعاش، والشيء الوحيد الذي قد يجعل الفرنسيين أكثر غضبا من المزيد من لحوم البقر الأمريكية هو زيادة قدرة شركة بوينغ على الوصول إلى السوق، وهو ما قد يقوض تراكم الطلبات الضخمة لشركة إيرباص العملاقة في مجال الطيران والفضاء.
وقد تكون المشتريات الدفاعية هي الحل، فقد ربط فريق ترامب صراحة بين انفتاح السوق الأكبر وزيادة الإنفاق الدفاعي، وقد أمضت دول حلف شمال الأطلسي، التي ينتمي العديد منها إلى الاتحاد الأوروبي، سنوات في محاولة كسب رضا ترامب، لكن إذا كان لدى أوروبا بالفعل صيغة لتمويل المزيد من الأسلحة دون تفجير السياسة الهشة بالفعل في الاتحاد الأوروبي، فقد ينجح ذلك.
فرص كامنة
لكن إذا لم تنجح مساعي استرضاء ترامب بمشتريات جديدة، فماذا عن اتخاذ جراء في اتجاه آخر؟ ووفقا للتحليل ففي المرة الأولى رد الاتحاد الأوروبي على تعريفات ترامب بتعريفات مستهدفة خاصة به، ليس على المدخلات الأساسية ولكن على سلع مختارة بعناية تهدف إلى التسبب في أقصى قدر من الضغط السياسي على البيت الأبيض. لكن في الوقت نفسه هذه التعريفات الجمركية لا تضع في الواقع الكثير من الضغوط على الاقتصاد الأمريكي، وقد تفادى ترامب الضربة السياسية في المرة الأخيرة ببساطة من خلال دعم أي قطاعات عالقة في تداعيات حروبه التجارية.
من ناحية أخرى، فإن أوروبا لديها أداة لمكافحة الإكراه مصممة لمحاربة الخنق الاقتصادي، لكن ليس من الواضح تماما ما إذا كانت هذه الأداة الجديدة توجد بعد على رأس قائمة الاستجابات الأوروبية المحتملة للتهديدات الأمريكية.
كون أوروبا بالفعل قد يكون لديها خيارات أخرى، وقد يبرم الاتحاد الأوروبي، بعد صراع دام عقودا من الزمان، اتفاقية للتجارة الحرة مع ما يسمى بدول ميركوسور في أمريكا اللاتينية بشكل وشيك، ويرجع ذلك جزئيا إلى الشلل السياسي في فرنسا، والذي قد يمنع باريس من عرقلة الصفقة.
وهناك صفقات أخرى في مراحل مختلفة من المفاوضات لتعميق العلاقات التجارية مع دول مثل المكسيك والهند وإندونيسيا، ولكن إذا نظرنا إلى هذه الاقتصادات مجتمعة فإنها تعادل تقريباً ما تمثله الولايات المتحدة بالنسبة لأوروبا، وهذا من شأنه أن يرسل رسالة إلى واشنطن مفادها "أننا نضاعف جهودنا مع بقية العالم، وكذلك رسالة إلى البلدان التي تكافح بمفردها مفادها أن الاتحاد الأوروبي شريك موثوق به".
ومع ذلك فالطريق ليس هينا، فجماعات الضغط الزراعية لا تريد المنافسة، والخضر غير راغبين في استيراد الوقود الأحفوري الذي قد يعالج عيب الطاقة في أوروبا، ونصف أوروبا لا يبدو حتى مؤمنا بأوروبا على أية حال، ولن يكون الأمر سريعاً ولن يكون سهلاً، ولكنه سيكون مساراً للابتعاد عن الاعتماد على شريك أصبح غير موثوق به.
وفي سياق متصل، فإن بناء سلسلة توريد من المناجم إلى المغناطيس مع موردين موثوقين إلى حد ما قد يستغرق سنوات، ولكن هذا هو بالضبط ما يفترض أن تفعله إجابة البوابة الذهبية الأوروبية لمبادرة الحزام والطريق الصينية.
وعلى الرغم من كل الاضطرابات في أوروبا بشأن الولاية المقبلة لترامب، فقد يتبين أنها نعمة مقنعة، وليس فقط من خلال الدفع نحو زيادة الإنفاق الدفاعي الذي سيكون ضروريا بشكل مضاعف بعد إجبار أوكرانيا على الاستسلام.
aXA6IDE4LjExNy45Mi44NiA= جزيرة ام اند امز