نتمنى أن تستمر الاستنارة الشعبية والوعي من الانتخابات الرئاسية إلى الانتخابات التشريعية التي تشهدها تونس خلال شهر نوفمبر المقبل
سقطت عباءة الإخوان أرضا ليتعثّر فيها "رجال النهضة"، فقد وقع ما لم يكن في الحسبان بعد تصدّر رجل القانون قيس سعيد يليه نبيل القروي استطلاعات الرأي الأولية لنتائج الانتخابات الرئاسية التونسية التي جاءت سابقة لأوانها بعد وفاة الرئيس الراحل السابق الباجي قايد السبسي.
وجاءت النتائج الأولية بتقدم سعيد بنسبة ١٩٪ على القروي القابع في السجن بتهمة التهرّب الضريبي وتبييض الأموال، لتعكس تعطّش الشعب التونسي للعدالة واستعادة قوة الاقتصاد.
تعكس نتائج هذه الانتخابات بداية استفاقة الشعب التونسي من "صدمة الثورة"، واستعادة توازنه. التونسيون الذين حافظ عليهم الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة من رياح الأيديولوجيات وعواصفها التي هبت من الغرب والشرق على الأمة العربية
فقد رأى التونسيون العدالة في رجل القانون قيس سعيد والذي ظهر في المشهد السياسي، وكان واحدا من "لجنة الحكماء" التي أسهمت وأشرفت على إعادة كتابة الدستور التونسي في مراحله الأولى بعد ٢٠١١.
ورأوا إمكانية انتعاش الاقتصاد وعودة المستثمرين الأجانب مع رجل الأعمال نبيل القروي، الذي تربطه علاقات قوية مع حكومات ومؤسسات دولية وخاصة أوروبية. ويعرف التونسيون جيدا نبيل القروي مؤسس قناة نسمة، فهو وجه إعلامي شهير في تونس، كما لعبت مؤسسته الخيرية والتي أطلقها منذ ثلاث سنوات دورا مهما في تقريبه أكثر من عمق البلاد والمناطق الداخلية.
كما تعكس نتائج هذه الانتخابات بداية استفاقة الشعب التونسي من "صدمة الثورة"، واستعادة توازنه. التونسيون الذين حافظ عليهم الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة من رياح الأيديولوجيات وعواصفها التي هبت من الغرب والشرق على الأمة العربية.
ورغم تقدم حركة "الإخوان" التونسية بثلاثة مرشحين للرّئاسة؛ واحد يمثل حركتهم "النهضة"، ورئيس الحكومة السابق يوسف الشّاهد - الذي بايعهم في السّر، وانعكس هذا بتحالفهم معه ظنا أن هذا هو طريقه الوحيد نحو قصر قرطاج وكرسي الرئاسة- ورئيس الحكومة الأسبق حمادي الجبالي وهو من مؤسسي الحركة الإخوانية ويتبنى فكرها، لكن خلافاته داخل الحزب الإسلامي جعلته ينشق عنها، لم تتمكن "النهضة" هذه المرة من الفوز.
وما يخشاه المتابعون للشأن التونسي هو أن تتبع الجماعة الإسلامية في تونس نفس الأسلوب الذي بدأت ممارسته من سنوات وهو أن تحاول الضغط عبر مقاعدها في البرلمان، وتمكنها ميدانيا بعد فوزها العام الماضي في الانتخابات البلدية، على من سيفوز بالرئاسة رسميا بعد الجولة الثانية ليكون حليفا لها وأن تواصل إدارة البلاد من وراء السّتار كما فعلت منذ ٢٠١١.
ورغم هذه المخاوف فإن النتائج الأولية للانتخابات تبشر بأن الشعب التونسي، بمجتمعه المدني ومؤسساته، لم تكن الحركة الإسلامية خياره الحقيقي بعد "ثورة ٢٠١١"، بل نجحت في السيطرة لغياب البدائل، فبعد سقوط الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي غير المتوقع، عاد الهاربون من ملاجئهم في الخارج ليخرجوا سجناءهم في الداخل وينقضوا على مفاصل الحكم باسم الدين.
كما نتمنى أن تستمر الاستنارة الشعبية والوعي إلى الانتخابات التشريعية التي ستشهدها تونس خلال شهر نوفمبر المقبل.
وأخيرا تنفس الشعب التونسي وعاد الأمل، مع تمنياتنا باكتمال الوعي ورحيل الأيديولوجيات الدينية عن القرارات السياسية والسيادية، وتعود تونس واقتصادها نحو طريق التنمية وركب الحضارة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة