التونسيون ضحايا زمن الاستبداد الإخواني.. رسالة سعيد للأوروبيين
أعاد الرئيس التونسي قيس سعيد توصيف المشهد الراهن في بلاده خلال لقاء مع وفد أوروبي رفيع، محملا تنظيم الإخوان مسؤولية تدهور الأوضاع.
والتقى سعيد اليوم رئيسة المفوضية الأوروبية ورئيسي وزراء إيطاليا وهولندا بقصر قرطاج، في زيارة تستهدف تقديم الدعم للبلد الواقع في شمال أفريقيا.
وشدّد الرئيس التونسي على أنه إذا كانت بلاده تعيش أوضاعا مالية واقتصادية واجتماعية صعبة فأغلبية التونسيين هم ضحايا سياسات سابقة لا في الداخل فقط ولكن أيضا في الخارج.
وأكد خلال اللقاء بأورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، وجورجيا ميلوني، رئيسة مجلس الوزراء الإيطالية، ومارك روته، الوزير الأول الهولندي، أن الشعب التونسي الذي ثار في أواخر سنة 2010 ضد الاستبداد والفساد لن يتخلى عن مطالبه المشروعة في الحرية وحقه المشروع في الشغل وفي الكرامة الوطنية.
وبيّن سعيد أن الحرية ليست حرية شكلية يتخفى وراءها المفسدون وليست نصا في الدستور أو في عدد من النصوص القانونية الأخرى بل هي ممارسة حقيقية مادية في أرض الواقع.
وأضاف أن الحرية التي كانت في الظاهر قائمة كانت استبدادا وانحرافا بالثورة، استبدادا مقنّعا يلتحف جبّة الحرية الشكلية، وأن العدل المنشود لم يتحقق منه شيء بل زادت الأوضاع تفاقما.
ويوجه سعيد أصبع الاتهام إلى حركة النهضة الإخوانية التي سيطرت على البلاد خلال العقد الماضي، سواء في المجلس التشريعي أو السلطة التنفيذية.
وحل سعيد خلال الشهور الماضية البرلمان وأجرى انتخابات جديدة في ظل دستور جديد مر في استفتاء شعبي، منهيا بدعم التونسيين حكم الجماعة المصنفة إرهابية في عدد من الأقطار العربية.
وأشار سعيد إلى "مليارات المليارات التي تم تهريبها للخارج ولم تسترجع تونس أموالها المنهوبة قبل سنة 2011 أو إثرها، هذا إلى جانب عديد القروض التي تم تحويل وجهتها والاستيلاء عليها والعالم كله يعرف هذا الوضع".
وبعد 2011، حصلت تونس على عشرات المليارات من الدنانير من هبات وقروض تبخرت زمن حكم الإخوان في أموال ضائعة سحبها التنظيم من رصيد الشعب إلى جيوبه. وبحسب جرد لوزارة المالية التونسية، يفوق حجم القروض والهبات التي حصلت عليها تونس بعد 2011، مبلغ 100 ألف مليار دينار.
ودعا سعيد خلال اللقاء إلى تحويل القروض إلى استثمارات يستفيد منها الشعب التونسي والمستثمرون.
وأكّد سعيد من جديد على أنه لا يمكن إيجاد حلول للوضع في تونس إلا انطلاقا من إرادة الشعب وحده، فتونس ليست ملفا دوليا بل هي قضية وطنية خالصة وأي حلّ يجب أن يكون على أساس هذه القاعدة مع الشركاء.
وأوضح خلال اللقاء، أنه توجد جملة من القضايا التي لا يمكن حلّها إلا بصفة مشتركة تضمن مصالح الجميع، مشيرا إلى أنه "يجمعنا تاريخ مشترك وحاضر مشترك ومستقبل مشترك (مع الأوروبيين) ودعا إلى العمل اليد في اليد والندّ للندّ حتى يكون مستقبلنا أفضل من تاريخنا وأشرق من حاضرنا."
وبالنسبة لملف الهجرة غير الشرعية، دعا الرئيس التونسي إلى مقاربة هذه الظاهرة مقاربة واقعية وجماعية "فكثيرة هي القرائن التي تدلّ على أنها غير طبيعية "متسائلا عن "كيفية وصول هؤلاء البؤساء إلى تونس بعد أن قطعوا آلاف الكيلومترات على الأقدام."
وأوضح أن" قيمنا تقتضي أن نعامل المهاجرين غير النظاميين معاملة إنسانية وهو ما يحصل في كل مكان حيث توجد تجمعات هؤلاء المهاجرين"، مضيفا بأن" تونس لم تعد نقطة عبور بل تحولت إلى مكان للإقامة التي يجب أن تكون قانونية ويحترم الجميع تونس وتشريعها."
كما أشار الرئيس التونسي إلى أن" الحلّ الذي يدعو إليه البعض في الخفاء إلى توطين هؤلاء المهاجرين مقابل مبالغ مالية حل لا هو إنساني ولا هو مقبول، فضلا عن أن الحلول الأمنية أثبتت قصورها بل زادت من معاناة ضحايا الفقر والحروب، فلو تم توفير الحدّ الأدنى من مقومات العيش الكريم لهؤلاء الضحايا التي تتقاذف أجسامهم أمواج البحر ورمال الصحراء لما كانوا لقمة سائغة للشبكات الإجرامية التي تتاجر بالأجساد والأعضاء سواء في جنوب المتوسط أو شماله".
أما عن المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، أوضح قيس سعيد أن الحلول لا يمكن أن تكون في شكل إملاءات وأن الحلول التقليدية لن تؤدي إلا إلى مزيد تأزيم الأوضاع الاجتماعية وستعود بالضرر على تونس وعلى المنطقة كلها.
ودعا إلى العمل سويا من أجل قلب الساعة الرملية فلا تسقط علينا شروط أو إملاءات بل يصغي إلينا من سيمنحنا قرضا لن يجني منه التونسيون سوى مزيد الفقر، مضيفا بأن على الصندوق مراجعة وصفاته وبعدها يمكن التوصّل إلى حلّ.
وتفاوض تونس من أجل الحصول على تمويل بقيمة 1.9 مليار دولار من صندوق النقد الدولي، الذي يفرض شروطا تتمثل في رفع الدعم وخصخصة المؤسسات الحكومية، في حين يرى الرئيس التونسي قيس سعيد أن هذه الشروط إملاءات تهدد السلم الاجتماعي.