أوراق الغنوشي.. "الذباب الأزرق" ينبش دفاتر الطابق الخامس
بمخالب مسمومة أدار أبواق الإخوان في تونس وصوّب مدافعه لتشويه الخصوم و"تأديب" المتمردين، في بروباغندا خبيثة أربكت مسار بلد.
راشد الغنوشي، زعيم إخوان تونس، الرجل الذي قضى حياته يحرّك خيوط مؤامرات الفرع الإرهابي في تونس، يراكم عقودا سوداء في مسيرة أكثر زعماء التنظيم دهاء وأشدهم مكرا وخطرا.
سيرة تعود عليها "العين الإخبارية" ضمن سلسلة تقارير تتناول السجل الأسود لقيادات حركة النهضة الإخوانية في تونس.
سيرة ملغومة
اعتنق الغنوشي، منذ سنوات شبابه الأولى، التطرف عقيدة، قبل أن يحول أفكاره إلى تنظيم حظرته الأنظمة التونسية، وزُج به في السجن ونال حكم الإعدام بسبب تورطه في الإرهاب.
لكنه خرج لاحقا في صفقة سلم بموجبها أعضاء حركته للنظام، مقابل تأمين هروبه للخارج قبل أن يصل بريطانيا التي حصل فيها على لجوء سياسي.
بعد سقوط نظام الرئيس التونسي الراحل زين العابدين بن علي في 2011، عاد الغنوشي إلى تونس متعهدا فور وصوله بعدم المشاركة في الحياة السياسية.
لكنه سرعان ما نقض عهده واستغل مناخ الحريات ليعود مجددا ويزرع مخالبه في كامل أركان الدولة ويعيث فسادا في البلاد انتقاما للسنوات التي قضاها بالمنفى.
امتدت يداه الخبيثة للسيطرة على كل مفاصل الدولة اعتمادا على خطة خبيثة جعلته يقبع في السلطة عشر سنوات كاملة عن طريق تشويه جميع منافسيه.
قصة الطابق الخامس
وكانت عمليات تشويه الخصوم تدار في الطابق الخامس بمقر حركة النهضة الذي يقع بمنطقة مونبليزير وسط العاصمة تونس.
ومن هذا المقر المركزي لحركة النهضة التي يتزعمها، تدار العملية بالتعاون مع شركات متخصصة في إنتاج وتطوير المحتوى الرقمي، لعل أبرزها شركة "أنستالينغو" التي تواجه قضايا تآمر على أمن الدولة والجوسسة.
وهذه الشركة ملك الإخواني هيثم الكحيلي الذي صدرت بحقه مذكرة جلب دولية، وهو الفار حاليا إلى فرنسا.
"أنستالينغو"
وفي 9 مايو/أيار الجاري، أصدر القضاء التونسي مذكرة إيداع بالسجن بحق الغنوشي، باعتباره متورطا في قضية "شركة أنستالينغو" المختصة في صناعة المحتوى والاتصال الرقمي.
وتواجه الشركة تهم التخابر لصالح قوى إقليمية وأجنبية وارتكاب أمر موحش ضد رئيس الدولة، والتآمر على أمن الدولة الداخلي والجوسسة.
و"أنستالينغو" هي شركة متخصصة في إنتاج وتطوير المحتوى الرقمي، ومتهمة بالسعي للتلاعب بالرأي العام وزعزعة الأمن القومي لصالح حركة النهضة.
وتعود أحداث القضية إلى أكتوبر/تشرين الأول 2021، حين تم توقيف عدد من موظفي الشركة بتهم بينها "ارتكاب أمر جسيم ضد رئيس الدولة التونسية"، والتآمر ضد أمن الدولة الداخلي والقيام بأعمال الجاسوسية.
وشملت التحقيقات عددا من الصحفيين والمدوّنين وأصحاب أعمال حرة وسياسيين، بينهم الغنوشي، وابنته، وصهره رفيق عبدالسلام والمتحدث الرسمي باسم وزارة الداخلية السابق محمد علي العروي.
وكانت معلومات وردت إلى فرقة أمنية بمحافظة سوسة، مفادها حصول شركة خاصة مختصة في صناعة المحتوى والاتصال الرقمي، على تمويلات مشبوهة وقيامها بعمليات تبييض أموال.
ولدى مداهمة مقر الشركة، تمت مصادرة 23 وحدة مركزية تتكوّن من حواسيب وأدوات تسجيل وأدوات تكنولوجيا عالية الجودة.
وإثر عرضها على المعامل الجنائية، تم توقيف 7 أشخاص يعملون بالشركة بتهمة الاشتباه في تلقيهم أموالاً مشبوهة من دولتين أجنبيتين بهدف الاعتداء على أمن الدولة والإساءة إلى الغير عبر شبكات التواصل الاجتماعي.
كما تقرّر سجن مدير المخابرات التونسي السابق لزهر لونقو ورئيس تحرير الصحيفة الإلكترونية الإخوانية "الشاهد" لطفي الحيدوري، والمتحدث الرسمي الأسبق باسم وزارة الداخلية محمد علي العروي.
كما تم حبس المدون سليم الجبالي، والملحق السابق برئاسة الحكومة أشرف بربوش، والقيادي بحركة النهضة عادل الدعداع، والناشط السياسي البشير اليوسفي، وأمنية معزولة، ومتهمين اثنين آخرين وذلك على ذمة القضية المتعلقة بشركة "أنستالينغو".
وفي 27 فبراير/شباط الماضي، اعتقلت قوات الأمن التونسي الإخواني سيد الفرجاني الذي يوصف برجل المهمات الخاصة، ورجل التنظيم السري للحركة الإخوانية. على خلفية تورطه في قضية "أنستالينغو" .
"الذباب الأزرق" في الطابق الخامس
في الطابق الخامس من مقر حزب النهضة، كان راشد الغنوشي يعتمد على مجموعة من الأفراد المتخفين وراء هويات مزيفة عملت على استغلال شبكات التواصل الاجتماعي لخلق جيوشٍ إلكترونية، ضمن حسابات وصفحات تعتمد الذكاء البشري، وخوارزميات الذكاء الاصطناعي، بهدف تأليب الرأي العام والتأثير السلبي على الاستقرار الوطني، وتعرف هذه التقنية عادة باسم "الذباب الإلكتروني".
ويستخدم مصطلح "الذباب الأزرق" في توصيف المليشيات الرقمية النشطة على الإنترنت لتشويه الخصوم، والتابعة لحركة النهضة.
وتعليقا على الموضوع، يقول المحلل السياسي التونسي، عبدالمجيد العدواني، إن حركة النهضة بقيادة الغنوشي خصصت منذ صعودها للحكم وتأسيس مقرها المركزي بمنطقة مونبليزير مكاتب إعلامية لها في الطابق الخامس والأخير للمبنى.
وأضاف العدواني، في حديث لـ"العين الإخبارية"، أن الحركة عينت أنصارها وكلفتهم بمهمة شن حملات على الخصوم وتشويه كل من يواجه الحركة أو ينتقدها.
ولفت إلى أن راشد الغنوشي تعاون مع شركات أجنبية للقيام بهذه المهام، ما يؤكد الاتهامات التي تواجهها النهضة بتلقي تمويلات أجنبية والارتباط بتنظيمات خارج تونس.
وبحسب الخبير، فإن عمليات تشويه الخصوم تمت عن طريق استعمال حسابات وهمية وصفحات موجهة يتم اعتمادها في أثناء الحملات الانتخابية للتنكيل بالخصوم وتشويه المنافسين عبر الأخبار الزائفة وفبركة الفيديوهات والتصريحات.
وأكد أنه تم إصدار مذكرة إيداع ثانية بالسجن بحق الغنوشي بعد التأكد من ممارساته غير الأخلاقية، إثر جرد مفصل للحواسيب الموجودة بمقر شركة أنستالينغو وبمقر حركة النهضة الإخوانية.
وسبق أن قال القيادي المنشق عن حركة النهضة والوزير الأسبق عماد الحمامي، إن الغنوشي كان يموّل هذا الذباب للقدح في ذمة كل من يعارضه وكل سياسي وطني.
وبالنسبة للعدواني، فإن "هناك أشياء غير مفهومة وضبابية كبيرة، حيث يتعذر حتى لقادة الحركة الوصول إلى الطابق الخامس بمقر الحزب في منطقة مونبليزير وسط العاصمة".
وتابع: "كانت هناك غرفة عمليات أخرى مقرها يقع بالقرب من منزل الغنوشي"، لافتا إلى أن "النهضة بعيدة كل البعد عن كونها حزبا سياسيا ولم يكن منصب الأمين العام سوى واجهة سياسية للحزب".
وختم بالقول: "لدى راشد الغنوشي خلية مسؤولة عن تشويه سمعة خصومه السياسيين خارج الحزب وداخله".
aXA6IDMuMTIuMzQuMTkyIA== جزيرة ام اند امز