مرحلة جديدة تدخلها تونس بمحاكمة أيادٍ عبثت لسنوات بأمنها، معلنة بذلك حلول خريف ينفض أوراق الإخوان المتساقطة عقب موسم طويل من التطرف.
محاكمات تحاصر قيادات إخوانية ضمن مسار انتقالي تشهده تونس منذ فترة، ويضع التنظيم الإرهابي أمام مسؤولية سجل قاتم بتداعيات وخيمة على المواطنين.
ولأنهم كانوا يعتقدون أن حكمهم سيدوم، لم تفلح محاولات الإخوان بإخفاء أدلة جرائمهم على مدى أكثر من عقد، في طمس بصماتهم بملفات خطيرة تتفرع لتتقاطع عند الإرهاب والتطرف والعبث بقوت التونسيين.
وحكمت حركة النهضة الإخوانية تونس، في عشرية سوداء لم تضع أوزارها إلا بقرارات رئاسية استثنائية في عام 2021، لتدشن تونس منذ ذلك الحين عهدا جديدا بمسار إصلاحي يقوم على المحاسبة غير الانتقائية.
محاكمات
يواصل القضاء التونسي التحقيق مع عدد من القيادات البارزة في تنظيم الإخوان حول عدد من الملفات المرتبطة بالإرهاب وتبييض الأموال.
ومن أبرز القضايا ملف تسفير شباب تونسي إلى بؤر توتر، وقضية "اللوبينغ" المتعلقة بتلقي دعم خارجي خلال المحطات الانتخابية السابقة، إضافة للاغتيالات السياسية والجهاز السري للإخوان وقضايا التجسس والتآمر على أمن الدولة الخارجي.
كمل شملت التحقيقات أيضا عددا من المنتمين لذراعها السياسي العنيفة "ائتلاف الكرامة".
وبعد تحرير جانب كبير من جهاز القضاء الذي كان في قبضة الإخوان، تمكن المحققون والقضاة من فتح ملفات استعصت سابقا بعد إفراغها من محتواها، ولذلك تمت إعادة التحقيق والاستنطاقات من جديد.
وفي 19 ديسمبر/ كانون أول الماضي، أصدر القضاء التونسي بطاقة إيداع بالسجن بحق علي العريض، نائب رئيس حركة النهضة ورئيس الحكومة الأسبق، في قضية التسفير إلى بؤر الإرهاب.
ويومها، مثل العريض أمام قاضي التحقيق بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب واستمع إليه بصفته متهماً، باعتبار أنه كان وزيراً للداخلية، ثم رئيساً للحكومة التونسية، ودامت عملية استنطاقه أكثر من 12 ساعة تقريباً، قرر بعدها القاضي إصدار مذكرة إيداع بالسجن في حقه.
والجمعة، أصدر القضاء التونسي أحكاما بالسجن بحق 4 برلمانيين سابقين ومحام تابعين للإخوان.
وشملت الأحكام سجن البرلماني الإخواني عن حزب ائتلاف الكرامة سيف الدين مخلوف سنة وشهرين مع النفاذ العاجل في القضية المعروفة باسم "واقعة المطار"، والسجن لمدة 11 شهرا بحق محامي الإخوان مهدي زقروبة مع النفاذ العاجل و5 سنوات حرمانا من ممارسة مهنة المحاماة.
وحكم بالسجن بحق البرلماني الإخواني نضال سعودي 7 أشهر، والبرلماني ماهر زيد 5 أشهر مع النفاذ العاجل، كما حكم على البرلماني محمد العفاس بالسجن 5 أشهر.
وجاءت الأحكام على خلفية إدانة المتهمين بـ"إهدار حق موظف عمومي" والاعتداء على مؤسسة دولة وبث الفوضى في مطار تونس قرطاج الدولي".
وفي 15 مارس/آذار 2021، تهجم مخلوف على أفراد الأمن بمطار تونس قرطاج رفقة نواب من حزبه من "ائتلاف الكرامة"، من أجل السماح لامرأة تونسية متورطة بقضايا إرهابية ممنوعة من السفر، للهروب خارج البلاد.
وأوقف مخلوف عمل السلطات الأمنية العاملة ببوابة العبور، وتوعد الأمن العاملين فيها بعد أن منعوه من تهريب المرأة.
أحكام بالأفق
كما أرجأ قاضي التحقيق النظر في قضية حمادي الجبالي رئيس الحكومة الأسبق والقيادي السابق في حركة النهضة، في قضية منح جوازات السفر والجنسية التونسية لإرهابيين.
وكان من المنتظر أن يمثل الجبالي، أمس الثلاثاء، أمام قاضي التحقيق، غير أن هيئة الدفاع عنه طلبت التأخير إلى حين البت في مسائل أولية تتعلق "بقضية تجاوز السلطة المنشورة لدى المحكمة الإدارية التونسية".
يذكر أن هذه القضية تشمل أيضاً نور الدين البحيري وزير العدل الأسبق ونائب رئيس حركة النهضة الإخوانية، وقاضيين معفيين من قبل الرئيس التونسي قيس سعيد، ومسؤولين حكوميين في وزارة العدل.
وفي الأثناء، أذنت النيابة العامة بالقطب الاقتصادي والمالي في تونس، بتجميد حسابات بنكية وأرصدة مالية لعدّة أشخاص وشركات، من بينهم قيادات بحركة النهضة، وذلك في إطار قضية شبهة تبييض الأموال التي تلاحق جمعية "نماء تونس".
فيما تأجلت قضايا زعيم الإخوان راشد الغنوشي إلى فبراير/شباط القادم للتحقيق معه في قضايا الجهاز السري لحركة النهضة، والجهاز يعتبر الذراع العسكرية للتنظيم، والمشتبه بوقوفه وراء اغتيال القياديين شكري بلعيد ومحمد البراهمي في 2013.
خريف الإخوان
يرى مراقبون للمشهد السياسي التونسي أن إخوان تونس يواجهون مرحلة السقوط والانهيار بعد فتح ملفات متعلقة بهم ويجري التحقيق فيها مع قيادات الصف الأول.
وفي حديث لـ"العين الإخبارية"، يرى الناشط والمحلل السياسي التونسي، حسن التميمي، أن بلاده دخلت مرحلة جديدة في تاريخها بمحاسبة كل من أجرم في حقها دون تشف أو انتقام بل عن طريق القانون وبمحاكمات عادلة وشفافة.
وتوقع التميمي أن تطول جلسات المحاكمات لأن الملفات معقدة ومتشعبة، وتشمل "أطرافا وجهات عدة من تونس وخارجها".
وأكد أن "القضاء التونسي يسير في الطريق الصحيح بعد أن تحرر من قبضة جماعة الإخوان التي كانت تهيمن على مقاليد الحكم في البلاد قبل التدابير الاستثنائية التي اتخذها الرئيس قيس سعيد في 25 يوليو (تموز) 2021.