تفاقم أزمة تونس "يربك" أوروبا.. ارتفاع قياسي للهجرة غير الشرعية
ارتباك غربي يتزايد في ظل تفاقم الأزمة الاقتصادية في تونس التي توصف بأنها حارسة حدود أوروبا مع تصاعد موجات الهجرة غير النظامية.
تونس التي تبعد أجزاء من سواحلها أقل من 150 كيلومترا عن جزيرة لامبيدوزا الإيطالية تسجل بانتظام محاولات لمهاجرين، ومعظمهم من دول أفريقيا جنوب الصحراء، للمغادرة بشكل غير قانوني في اتجاه السواحل الإيطالية.
توتر فرنسي إيطالي
وتسببت تصريحات أدلى بها وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان، الخميس، هاجم فيها رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني بسبب طريقة تعاملها مع قضية الهجرة غير النظامية، في توتر الأجواء بين البلدين من جديد.
وألغى وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاجاني زيارة كانت مقررة إلى باريس بعدما وصف تصريحات وزير الداخلية الفرنسي بأنها "غير مقبولة" لاعتباره أن رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني "عاجزة عن حل مشاكل الهجرة" في بلادها.
وفي محاولة لوقف التصعيد، أصدرت وزارة الخارجية الفرنسية توضيحا قالت فيه إنها “تأمل” أن يُحدَّد موعد جديد لزيارة وزير الخارجية الإيطالي.
وأكدت أن "الحكومة الفرنسية تريد العمل مع إيطاليا لمواجهة التحدي المشترك المتمثل في الزيادة السريعة في تدفق المهاجرين".
وتدعم ايطاليا بشدة الملف الاقتصادي التونسي في محاولة لمنع أي تدفق للمهاجرين غير النظاميين إلى ترابها عبر تونس، حيث تسعى روما لحشد الدعم الغربي لمساندة تونس اقتصاديًا عن طريق الدفع من أجل حصول تونس على قرض بقيمة 1.9 مليار دولار من صندوق النقد الدولي.
وسبق أن صرّحت رئيسة وزراء إيطاليا بأنه "ربما لا يدرك الجميع المخاطر التي يتعرضون لها فيما يتعلق بالشأن التونسي، فهناك حاجة قوية لدعم الاستقرار في بلد يعاني من مشاكل مالية حادة". قائلة "إذا لم نعالج تلك المشاكل، فهناك مخاطر كبيرة قد تؤدي إلى موجة هجرة غير مسبوقة".
ليست المرة الأولى
وتعليقا على الأزمة الحالية، قال أستاذ العلوم السياسية التونسي كمال الهادفي، إنها ليست المرة الأولى التي يحدث فيها سوء تفاهم أو توتر بين الحكومة اليمينية الإيطالية وفرنسا منذ تولي ميلوني السلطة في أكتوبر/تشرين الثاني الماضي، حيث سبق أن رفضت إيطاليا السماح لقارب إنقاذ تابع لمنظمة غير حكومية على متنه ما يزيد على 230 مهاجرا بالرسو، مما دفع فرنسا إلى السماح للقارب بدخول مينائها.
وأكد، في تصريحات لـ"العين الاخبارية"، أن الوضع الصعب الذي تعيشه إيطاليا بسبب التدفق الكبير للمهاجرين غير النظاميين، مقابل سلبية شركائها في الاتحاد الأوروبي وعدم اهتمامهم بهذا الموضوع الذي يؤرقها، قد أعاد تفجير الخلاف بين البلدين.
وأشار إلى أن الخلاف بين روما وباريس تفجر مع صعود رئيسة الوزراء الإيطالية الحالية إلى السلطة متزعمة تيار اليمين الإيطالي المتطرف.
ووفق المحلل السياسي فإن الزيادة الحادة في أعداد المهاجرين تمثل انتكاسة لحزب "أخوة إيطاليا" اليميني، والذي فاز بالانتخابات العام الماضي بفضل وعوده بالتصدي للهجرة غير النظامية.
وأوضح أن حكومة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تعاني أيضا من انتقادات بشأن طريقة تعاملها مع الهجرة عبر جبال الألب الإيطالية.
تخوفات إيطاليا من تدفق المهاجرين عبر تونس دفعت ميلوني إلى محاولتها لإيجاد الحلول للمشاكل الاقتصادية التونسية عن طريق الدفع من أجل حصول تونس على القرض من صندوق النقد الدولي، بحسب الهادفي.
في المقابل، رجّح أن يكون "لهذا الدعم مقابل من بينه تحويل تونس إلى منطقة حدودية متقدمة، وهو مشروع سبق أن أثارته رئيسة الحكومة الإيطالية"، على حد قوله.
ولفت إلى زيارة مرتقبة لوزير الداخلية الإيطالي إلى تونس خلال أيام لإجراء محادثات مع المسؤولين التونسيين بهدف وضع خطة للهجرة.
وتنتظر تونس، التي تعاني أزمة اقتصادية حادة، بشدة موافقة مجلس إدارة الصندوق لقرض بقيمة 1.9 مليار دولار، يأتي على 4 دفعات لمدة 4 سنوات، مقابل الالتزام بحزمة إصلاحات لإنعاش المالية العامة ودفع النمو الاقتصادي.
وتشمل الإصلاحات نظام الدعم والمؤسسات العمومية المتعثرة والتحكم في كتلة الأجور وغيرها من الإصلاحات الأخرى، وهي إجراءات قوبلت بتحفظ كبير من الاتحاد العام التونسي للشغل، المنظمة النقابية الأكبر في البلاد وبرفض من الرئيس التونسي قيس سعيد.
وقال الرئيس سعيد في شهر أبريل/نيسان الماضي، إن "الإملاءات التي تأتي من الخارج وتؤدي إلى مزيد التفقير مرفوضة".
دعم إيطالي فرنسي لتونس
وخلال الأشهر الأخيرة في تونس تزايدت ظاهرة الهجرة غير النظامية ووصفت منظمة الهجرة التابعة للأمم المتحدة الأشهر الثلاثة الأولى من 2023 بأنها "الأكثر قتامة خلال السنوات الست الماضية، بالنسبة للمهاجرين الذين يعبرون البحر الأبيض المتوسط في قوارب المهربين".
والخميس، أعلنت وزارة الخارجية الإيطالية في بيان عن تخصيص ما قدره 10 ملايين يورو لمكافحة الهجرة غير النظامية في تونس منها 6.5 مليون يورو لاستيراد المزيد من المعدات في هذا المجال.
ووفق البيان تمثل هذه المساعدة بادرة ملموسة جديدة تهدف إلى ضمان موارد إضافية للتعاون في مجال الهجرة ولمرافقة السلطات التونسية في إدارة ظاهرة ترى إيطاليا أن دورها ضروري في مكافحة شبكات الاتجار بالبشر.
وفي 22 مارس/آذار الماضي، عبرت فرنسا عن استعدادها لتغطية احتياجات تونس الإضافية من التمويلات، معلنة أن تمويلات بقيمة 250 مليون يورو متوفرة حالياً بانتظار صرفها لتغطية الفجوة الحاصلة على مستوى موازنة تونس، شريطة التنفيذ الفعلي لمخطط الإصلاحات الاقتصادية، الذي تمّ تقديمه إلى صندوق النقد الدولي، وفي مقدمتها المصادقة على القانون الخاص بحوكمة المؤسسات العمومية ورفع الدعم تدريجياً عن المحروقات.
وفي هذا الشأن، أعلن أندريه باران، سفير فرنسا بتونس، عن استعداد بلاده «لتحفيز المموّلين الدوليين بهدف دعم تونس ومساعدتها على سداد حاجياتها من التمويلات الإضافية»، معتبراً أن موازنة تونس معرّضة إلى تعقيدات جمّة في غياب اتفاق مع صندوق النقد، على حد تعبيره.
وفي مقابل هذا الجدل الأوروبي بين إيطاليا التي تكتوي بنار موجات اللاجئين، لم تتوقف تونس عن تحذير شركائها من أنها قد تعجز عن لعب دورها المعهود.
والإثنين، قال وزير الخارجية التونسي نبيل عمار إن تونس لا يمكنها التصدي للهجرة غير النظامية بوسائلها المحدودة. ودعا عمار إلى دعم حقيقي لاقتصاد بلاده في سبيل الحد من هذه المعضلة، محذرا من آثار الإشارات السلبية والضغوطات المتزايدة من قبل الشركاء الأوروبيين.
أكثر من 30 ألف مهاجر غير نظامي
وتشهد تونس موجات هجرة قياسية عبر سواحلها هذا العام، حيث تحولت إلى منطقة العبور الأولى إلى الأراضي الإيطالية القريبة والتي شهدت توافد حوالي 30 ألف مهاجر في الربع الأول من العام الجاري، وفق بيانات رسمية تونسية.
ويعلن الحرس البحري التونسي يوميا عن ضبط أو إنقاذ المئات من المهاجرين غير النظاميين على طول السواحل، كما يجري بشكل متواتر انتشال جثث غرقى أغلبهم من دول أفريقيا جنوب الصحراء.
وتقول وزارة الداخلية الإيطالية إنّ أكثر من 42 ألف شخص وصلوا إلى إيطاليا هذا العام عبر البحر المتوسط، مقابل نحو 11 ألفا خلال الفترة نفسها من العام 2022.
وجرت في تونس قبل أيام مباحثات لتعميق الشراكة في مجال مكافحة الهجرة غير النظامية والاتجار بالبشر، خلال لقاء جمع المفوضة الأوروبية للشؤون الداخلية إيفا جوهانسون، مع وزراء الخارجية نبيل عمار، والداخلية كمال الفقيه، والشؤون الاجتماعية مالك الزاهي.
aXA6IDE4LjIyMS42OC4xOTYg
جزيرة ام اند امز