جامع "الهواء" في تونس.. شاهد على مآثر الأميرة عطف "أم الخلفاء" (صور)
تزخر المدينة العتيقة وسط العاصمة تونس، بالمعالم التاريخية الضاربة في القدم لتدل على تتالي الحضارات في البلاد.
هذه المدينة التي بنيت فوق ربوة تطلّ على البحر وتمتدّ على نحو ثلاث كيلومترات، من باب الفلة وباب عليوة من الجهة الجنوبية، إلى باب سعدون في الجهة الشمالية، وباب العلوج من الجهة الغربية، وباب البحر من الجهة الجنوبية، تأسّست سنة 698 ميلادياً حول جامع الزيتونة، الذي يعد أقدم المعالم الدّينية بالعاصمة تونس.
في كل زقاق أو شارع، توجد معالم تاريخية تروي تاريخ الأجداد فبقيت شاهدة وصامدة لتخلد ذكراهم. وليست كل المعالم معروفة أسرارها لدى التونسيين، فجامع "الهواء"، الذي يتوسط هذه المدينة ويصلي فيه أهالي المدينة لا يعرف تاريخه الكثيرون.
ويقصد الجامع، العديد من التونسيين خصوصا في شهر رمضان لأداء الصلاة فيه نظراً لقيمته التاريخية وجماله وموقعه الساحر.
الأميرة عطف
بني جامع "الهواء" بأمر من الأميرة عَطْف، زوجة السلطان الحفصي أبو زكرياء الأول، في عهد ابنها السلطان أبي عبد الله محمد المستنصر، في أواسط القرن السابع الهجري (القرن الثالث عشر الميلادي).
وأبو زكريا الحفصي كان من أبرز رجال القرن السابع الهجري، فقد أنشأ دولة قوية، ونشر الأمن في ربوعها، وقضى على حالة الاضطراب والفتن المزمنة التي لازمت تونس خاصة والمغرب العربي وسواحل المتوسط بشكل عام، وتوالى على حكمها أبناؤه وأحفاده أكثر من ثلاثة قرون، وظل أبو زكريا قائما على شؤون الدولة حتى توفي سنة 1249 ميلادياً.
والدولة الحفصية (1228 – 1574) هي الدولة الإسلامية الرابعة بالبلاد التونسية بعد الدولة الأغلبية، الفاطمية والزيرية وقد دامت 347 سنة.
جامع "الهواء"، كان يُسمَّى في العهد الحفصي باسم جامع "التوفيق"، وهي كلمة مستمدة من كتاب الله من سورة "هود "، "وما توفيقي إلا بالله.
يقع جامع "الهواء" بتونس العاصمة، غير بعيد عن زاوية "سيدي قاسم الجليزي" وهو من مآثر الأميرة الحفصية "عطف" زوجة أبي زكرياء وأم الخليفة المستنصر.
وقد أقيم هذا الجامع الحفصي في الحي السلطاني الذي كان يقطنه عدد من الأعيان والشيوخ وخدمة البلاط الحفصي.
وأنشئ على ربوة جنوب القصبة، واشتهر هذا المعلم الديني بروّاده من المتصوّفة والمرابطين والمتعبّدين الباحثين عن الخلوة والدّرس. وكان سبب تسميته بجامع "الهواء" لحسن مناخه وارتفاع موقعه.
هذا الجامع لا يتضمن الصحن التقليدي الذي يوجد عادة أمام بيت الصلاة بل يوجد حيز واسع على شكل معين منحرف يلتصق بالزاوية الجنوبية الغربية مكونا فضاء مكشوفا يحيط ببيت الصلاة من ثلاث جهات.
بيت الصلاة شكله مستطيل وينقسم إلى سبع بلاطات وستة أروقة وجميعها مسقوفة بأقبية متصالبة مدعمة بعقود رافدة.
تختلف السواري من حيث الطول والقطر ونوعية الحجارة فنجد المرمر والحجر الكلسي كما أن أغلب التيجان تعود إلى عصور عتيقة وهي أعمدة جُلب أكثرها من المواقع الأثرية الرومانية، إضافة إلى بعض التيجان التركية وهي شاهدة على التجديدات في العهد العثماني.
في هذا الجامع ،كان المستنصر يرتّب فيه دروساً في العلوم الشرعية ومختلف الفنون خصّ بها عددًا من العلماء الوافدين من بلاد الأندلس، كما درّس به، بعد المستنصر، علماء من إفريقيّة مثل العالم الفقيه ابن عرفة وكذلك بعض تلاميذه.
وأنشأت الأميرة "عطف" التي كانت ذات صيت كبير، بجوار هذا الجامع مدرسة اشتهرت بنفس تسمية الجامع الأولى وهي المدرسة التّوفيقية. وأرادت والدة السلطان إنشاء هذين المعلمين أسوة بزوجها السلطان أبي زكريا الحفصي للفوز بالثواب والرحمة.
وكانت لهذا الجامع ومدرسته أوقاف كثيرة لتمويل النشاط الروحي والعلمي لهذا المُركّب الروحي والعلمي.
وقال المنوبي الشابي، الباحث والمتخصص في الحضارة الإسلامية، إنّ هذا الجامع لم يكن دوره ديني وروحاني فقط بل اضطلع بوظيفة عسكرية نظراً لموقعه الاستراتيجي المهم، حيث كان به منارة تقوم بدور برج المراقبة ولا يزال هذا الجامع يحتفظ بآثار بُرجيْن أسطوانيين في الزوايا.
وأكد الشابي لـ"العين الإخبارية" أن الجامع يطلّ على الجهتين الغربية نحو الأراضي الغربية المنخفضة في اتّجاه الشمال الغربي والجزائر، والشمالية باتّجاه القصبة وما يليها من الأراضي المنخفضة في الهضاب الشمالية المؤدّية إلى بنزرت.
وأشار إلى أن الأميرة الحفصية عطف، كانت أم الخلفاء، زوجة أبى زكرياء الأول ووالدة المستنصر بالله وللسلالة التي حكمت إفريقية لثلاثة قرون،وقد كانت من أصل إسباني وقد ساهمت في مسار الازدهار العمراني خلال الحكم الحفصي بتأسيسها لهذين المعلمين اللذين يعدان من أجمل نماذج العمارة التونسية.
وأكد أن مدينة تونس العتيقة كانت تعد مدينة كبيرة في عهد الحفصيين وكان يبلغ عدد سكّانها في تلك الفترة عما يناهز 100 ألف شخص. وكان العيش يطيب فيها وتحميها أسوارها وقلعتها المعروفة بالقصبة حيث كان يقيم السّلطان.
aXA6IDMuMTQzLjIxNC4yMjYg جزيرة ام اند امز