"تحت الشجرة".. فيلم تونسي يحتفي بنساء الريف والمزارعات
عرضت الدورة الثالثة والثلاثين من مهرجان أيام قرطاج السينمائية الفيلم الروائي الطويل "تحت الشجرة" لمخرجته التونسية أريج السحيري.
تحت الشجرة" هو إنتاج تونسي فرنسي سويسري مشترك، وهو العمل الروائي الأول لمخرجته أريج السحيري.
تدور أحداث الفيلم اثناء فصل الصيف في موسم جني التين في منطقة "كسرى" من محافظة سليانة شمال غربي تونس حيث تعمل مجموعة من الشبان والفتيات رفقة عمال زراعة كبار في السن، ويختبرون بعض الأحاسيس للمرة الأولى ويحاولون فهم بعضهم البعض ويسعون نحو تشكيل روابط جديدة.
وبالرغم من جمال هذه القرية الغنية بالخيرات، الا أن الفيلم سلط الضوء على واقع طبقة الفقراء والمهمشين في هذه المنطقة، والذين لا يجدون عملا إلا في قطاع الزراعة الذي يعاني بدوره الكثير من الصعوبات.
ويحاكي الفيلم واقع الحياة الصعبة في "كسرى" والأرياف والقرى التونسية الأخرى حيث يكابد أهلها من أجل أجور زهيدة يتقاضوها لإعالة أنفسهم وللإنفاق على أسرهم.
تناول الفيلم عديد القضايا مثل التحرش وصعوبات العمل والاضطهاد في العمل وغياب مقومات السلامة ..هذه الظروف المرة تدفع أهالي الجهة المهمشين للخروج للعمل بالرغم مما يواجهونه من معاملة مهينة واستغلالاً في قيمة الأجر المحدد المدفوع لهم والذي لا يتجاوز 5 دولارات وساعات العمل الطويلة في هذه المهنة.
كما أعاد الفيلم للأذهان وقائع صادمة وعدة مآسي لحوادث طرقات متكرّرة تعرضت لها عاملات الزراعة باعتبار أن وجود 40 امرأة في شاحنة مغامرة وأمر محفوف بالمخاطر، كما يكشف الفيلم من خلال مقاطع مصورة ظروف نقل العاملات في هذا القطاع لتضفي بعدا دراميا على أحداث الفيلم.
وبحسب إحصاءات أجراها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية "غير حكومي" بين عامي 2015 و2022، فقد جرى تسجيل 54 حادثاً خلّفت 50 وفاة و710 جرحى.
قصة غير عادية
قالت أريج السحيري مخرجة العمل إنه تم تصوير الفيلم في منطقة "كسرى" من محافظة سليانة شمال غربي البلاد واختارت أشخاصا بعيدين عن ميدان التمثيل لتضفي مصداقية أكثر على أحداث الفيلم لتجعل منه توثيقا لوقائع تحدث كل يوم لهذه الفئة من التونسيين.
وتابعت في تصريحات لـ"العين الإخبارية" اخترت هذه المنطقة لأنني أحمل الكثير من الحنين اليها وهي مسقط رأس والدي رغم أنني تربيت وترعرعت في فرنسا إلا أن والدي يحدثني دائما عن قريته ما جعلني أعود إليها بفكرة هذا الفيلم ."
وتعتبر السحيري أن قصة هذا الفيلم غير عادية بل هي ذات طابع خاص حيث تتابع يوم عمل واحد لعمال وعاملات زراعة كبار في السن وشباب يعملون في العطل وبطريقة موسمية في جمع التين حيث يجتمعون كلهم تحت شجرة واحدة لرواية مصاعب حياتهم.
وتابعت "هؤلاء المزارعين الفقراء نستمع إلى أخبارهم الدرامية في نشرات الأنباء حيث يواجهون عديد الصعوبات مثل التنقل حيث يموتون في الطرقات لأنهم ينتقلون إلى الحقول عبر شاحنات وبطريقة غير إنسانية."
وأكدت أنها أرادت أن تكرم من خلال هذا الفيلم النساء الريفيات العاملات في الفلاحة واللاتي يتنقلن من بيوتهن إلى مكان العمل في ظروف تنقل غير آمنة لا على صحتهن ولا حياتهن.
وتشارك في بطولة الفيلم مجموعة من الأشخاص تظهر للمرة الأولى أمام عدسة الكاميرا هم فداء فضيلي وعبد الحق مرابطي وأماني فضيلي وفاتن فضيلي وفادي بن عاشور وفراس عمري وغيث منداسي وهنية بن الهادي وليلى وهابي وسمر سيفي.
وسبق للفيلم المشاركة في مهرجانات سينمائية دولية خلال الشهور القليلة الماضية منها مهرجان تورونتو في كندا ومهرجان ملبورن في أستراليا ومهرجان ميونيخ في ألمانيا كما عرض في مهرجان كان بفرنسا.
واختارت وزارة الشؤون الثقافية، فيلم "تحت الشجرة" للمنافسة على جائزة "أوسكار" أفضل فيلم دولي باعتباره يستجيب لجميع معايير الأهلية كما هو مذكور في قواعد الترشح التي نشرتها أكاديمية الأوسكار.
معاناة المزارعات
يعتبر التّين والذي يطلق عليه بالعامية التونسية "الكرموس" من أهمّ الموارد المحليّة لمنطقة "كسرى" حيث تمتد بساتين التّين على مساحات واسعة، وتسقى بالأساس من مياه العيون الجارية.
ويبدأ موسم التّين في أواخر شهر يوليو/ تموز وينتهي في أواخر شهر سبتمبر/ أيلول ويحتفي الأهالي احتفاء بالغا بموسم جني التّين.
ومنطقة كسرى بالرغم من قساوة العيش بداخلها الا أنها تسحر زائريها من أوّل وهلة بهوائها الجبليّ العبق والحلّة الخضراء الّتي تكسو البلاد وكذلك العيون المنبثقة في كل مكان إضافة إلى الجبال العالية الّتي تنبع من سفحها العيون والقطع الحجريّة العملاقة.
الفيلم قدم صورة عن حياة الشباب العاطل عن العمل والشباب المنقطع عن الدراسة في منطقة داخلية جبلية منغلقة حيث تنعدم فيها فرص العمل والتشغيل وتفتقر للنوادي الثقافية ومراكز الترفيه لتدفع بهم نحو الحقول لجني ثمار الأشجار وجمع القليل من المال.
aXA6IDMuMTQ0LjM4LjE4NCA= جزيرة ام اند امز