تونس تختار رئيسها.. "خروقات" تزيد من ضبابية المشهد
التونسيون يختارون اليوم رئيسهم في انتخابات مبكرة دُعي إليها أكثر من 7 ملايين ناخب, في استحقاق يشهد منافسة غير مسبوقة.
26 مرشحا يتنافسون، اليوم الأحد، من أجل اقتطاع تذكرة العبور نحو قصر قرطاج، خلفا للرئيس الراحل الباجي قايد السبسي، وسط حالة ترقب وضباببية تسود المشهد السياسي بالبلاد.
انتخابات مبكرة يخوضها مرشحون من تيارات ومشارب سياسية مختلفة، مسؤولون حاليون وسابقون، ومستقلون ومرشحون عن أحزاب، في دورة أولى قد تليها أخرى.
سباقٌ يعد من أكثر انتخابات تونس التي لا يمكن التنبؤ بنتيجتها على مدى تجربتها القصيرة مع الديمقراطية، فهي منافسة يغيب عنها مرشح أوفر حظا بفارق كبير عن غيره في وقت تواجه فيه البلاد أزمة اقتصادية.
وحسب أرقام الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، بلغ العدد الإجمالي للناخبين في الاقتراع الرئاسي (الدورتان الأولى والثانية) 7 ملايين و 74 ألفا و566 ناخبا، بينهم 6 ملايين و888 ألفا و513 داخل البلاد، و386 ألفا و53 خارجها.
أما عدد مكاتب الاقتراع، فبلغت 30 ألفا موزعة على 4567 مركز اقتراع في الداخل و303 مكاتب بالخارج.
مئات الإخلالات
فدوى العوني، منسقة مشروع ملاحظة الحملات الانتخابية بمنظمة "أنا يقظ" المحلية (مستقلة)، أعلنت رصد 241 من الإخلالات شابت الحملة الانتخابية للاقتراع الرئاسي.
وخلال مؤتمر صحفي عقدته المنظمة، السبت، بالعاصمة تونس، قالت العوني إن هذه الإخلالات تمثلت في الإشهار السياسي (25 بالمائة) والعنف الانتخابي (24 بالمائة) و جمع أرقام الهواتف (14 بالمائة).
كما تعلقت أيضا بشراء الأصوات (10 بالمائة) وجمع بطاقات الهوية (7 بالمائة) علاوة على حضور أو مشاركة وجوه دينية معروفة، في إشارة ضمنية إلى الخروقات المرتكبة من قبل حركة "النهضة" الإخوانية، والتي توظف المساجد وبعض الأئمة وغيرهم من أجل حث المصلين على التصويت لمرشحها.
ومن الإخلالات أيضا تحريض مرشح على الكراهية وارتكاب أعمال عنف (6 بالمائة)، إضافة للقيام بالحملة الانتخابية داخل المؤسسات الحكومية (6 بالمائة) وتوظيف خطبة الجمعة (1 بالمائة).
ولفتت العوني إلى أن المنظمة رصدت عدة مظاهر تكررت في مختلف المناطق والدوائر الانتخابية ولم تكن حكرا على مرشحين بعينهم، مشيرة إلى أن هذه المظاهر تتعلق بالخصوص باستغلال الأطفال والقصَر بصفة عامة في جل أنشطة المرشحين بكامل أنحاء الجمهورية، وتأجير الشباب والمراهقين لارتداء زي المرشحين والحضور في الاجتماعات العامة، والاعتداء على المعلقات الانتخابية للخصوم.
وأمام هذه الخروقات، تسود مخاوف في أوساط الشارع التونسي من أن تؤثر على نتائج الانتخابات الرئاسية.
وفي خطوة يبدو لكثيرين أنها تبديد لتلك المخاوف، أمنت السلطات 70 ألفا من عناصر الأمن لتأمين العملية الانتخابية.
الأوفر حظا
3 مرشحين برزت أسماؤهم ضمن القائمة المرشحة لعبور اثنين منهم للجولة الثانية من الانتخابات، وهم نبيل القروي، مرشح حزب قلب تونس، والموقوف بتهم الفساد وتبييض الأموال منذ 23 أغسطس/ آب الماضي، ووزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي، المرشح المستقل المدعوم من حركة نداء تونس وحزب آفاق تونس.
يضاف إليهما رئيس الحكومة يوسف الشاهد، مرشح حزب تحيا تونس.
القروي والفقير
نبيل القروي (56 عاما) رجل إعلام يمتلك مجموعة "قروي آند قروي" للإعلام والإعلان، وأطلق قناة "نسمة" في 2007.
انضم إلى حزب "نداء تونس"، واستمر فيه ثلاث سنوات، قبل أن يغادره، وينشط في العمل الخيري، وهو ما أمَن له قواعد شعبية هامة استثمرها فيما بعد "خزانا" انتخابيا، وهذا ما جعله يتصدر استطلاعات الرأي حتى قبل توقيفه.
لعب على وتر الفقر والفاقة، فقدم المساعدات عبر جمعيته الخيرية، وتماهت صورته في أذهان الكثيرين بصورة الرجل الساعي لمقاومة الفقر ومد يد العون للمحتاجين.
الزبيدي .. دعم قد يُدخله قرطاج
عبد الكريم الزبيدي ( 69 عامًا) هو وزير الدفاع الحالي، وسبق أن تولى مناصب وزارية قبل احتجاجات 2011 وبعدها.
يحظى الزبيدي بدعم كل من "نداء تونس"، بقيادة حافظ السبسي، وحزب "آفاق تونس" وأطراف أخرى تقول تقارير إعلامية إنها نافذة وتمثل لوبيات سياسية ومالية، ويرى فيه أنصاره اليد القادرة على فرض النظام والالتزام، وتجنب الفوضى.
كان محل ثقة الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي، والبعض يرى أنه الوريث الشرعي له، كما أنه يحظى بدعم منطقة الساحل التي تضم محافظات سوسة والمنستير والمهدية/ شرق)، وهي المنطقة التي انحدر منها الرئيسان السابقان الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي.
الشاهد والرسائل السلبية
قبل دخوله حزب "نداء تونس" (ليبرالي)، وتكليف السبسي له بحل نزاعات نشبت داخل الحزب في 2015، لم يكن يوسف الشاهد معروفا بين السياسيين في تونس ولا حتى لدى الرأي العام.
إلا أن خلافا نشب بينه وبين نجل السبسي حافظ عام 2018، ما دفع الشاهد إلى مغادرة الحزب، وتأسيس حزب "تحيا تونس"، الربيع الماضي.
طالب السبسي علنا بإقالته، لكنه لجأ إلى الإخوان وحصل على دعمهم ليستمر على رأس الحكومة حتى اليوم، وهذا ما يفاقم مخاوف التونسيين من توظيفه لأجهزة الدولة لصالحه، والضغط بطرقه من أجل التأثير على الاقتراع بشكل أو بآخر.
لكن على الأرض، ورغم جهوده الخرافية لاستمالة الشعب بالمحافظات الداخلية، إلا أنه فشل، وهو الذي تنقل إلى سكانها بمواكب سيارات رباعية الدفع، في إطار حملة وضحت معالم ثراء صاحبها، في مناطق فقيرة يعاني فيها الناس الفقر والتهميش، ما بعث برسائل سلبية.
ورغم تداول هذه الأسماء، إلا أن هذه الانتخابات تبدو مفتوحة على كل الاحتمالات، وهو ما زاد ضبابية المشهد بين ناخبين لم يحسم جزء كبير منهم قراره، ومراقبين اختلفت توقعاتهم، علما أن القانون يحظر نشر نتائج عمليات سبر الآراء خلال الفترة الانتخابية.