الخط العربي في تونس.. فن يبعث بتوقيع الرئيس
تونس تقدم لليونسكو مبادرة لإدراج الخط العربي على قائمة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة لصون التراث غير المادي لعام 2021
تسعى تونس إلى إعادة إحياء فن الخط العربي الذي بات مهمشا ونادر الاستعمال، وتشارك في مبادرة عربية طموحة تهدف إلى إدراج هذا الفن على قائمة اليونسكو للتراث غير المادي.
وبرز اهتمام السلطات التونسية الشديد بفن الخط العربي منذ وصول الرئيس الحالي قيس سعيد إلى سدة الحكم في تشرين الأول/أكتوبر 2019، حيث لجأ الرئيس في بيان تعيين رئيس الحكومة ولائحة الوزراء التي أرسلها إلى البرلمان، إلى الكتابة بالحبر على ورقة سميكة تحمل شعار الرئاسة.
ويحرص الرئيس التونسي على إهداء ضيوفه الرسميين الأجانب لوحات فنية تحمل تعابير بالأحرف العربية، حيث أهدى الأمينة العامة للمنظمة الدولية للفرنكوفونية لويز موشيكيوابو خلال زيارتها لتونس مطلع 2020، لوحة فنية تحمل حروفا عربية من إنجاز الخطاط التونسي عمر الجمني تحمل عنوان "النقطة الزرقاء".
ويقول الخطاط عمر الجمني "يعدّ التخطيط فنّا وثيق الصلة بالإسلام، وقد انتقل إلى شمال أفريقيا منذ القرن السابع ميلادي في سياق الفتوحات الإسلامية. وظهرت منه ستة أنواع أساسية، بينها خط "الديواني" المعتمد في مراسلات السلاطين العثمانيين، و"الكوفي" الذي استعمل في نسخ المصاحف وتغيرت تسميته بحسب المدينة التي انتشر فيها على غرار الخط المغربي، نسبة لمنطقة المغرب العربي.
وتوجد في تونس حاليا هيئة رسمية مرجعية واحدة للخط العربي هي "المركز الوطني لفنون الخط" التي أنشئت العام 1994، ومن أهدافها حماية وتطوير فن الخط العربي وترويج أساليبه في العالم العربي والإسلامي، غير أن مصير هذه المؤسسة العمومية بات على المحك.
ويعبر مدير المركز لطفي عبد الجواد عن "الغضب والصدمة" من قرار تحويل المركز إلى متحف للمسرح الوطني التونسي الذي أعلنته وزارة الثقافة في نهاية 2019، لكنه يقول إن "الدروس توقفت خلال الموسم الدراسي 2019-2020 نهائيا بسبب عزوف المدرسين".
وأوضح الجمني أن "عدد الخطاطين الأصليين في تونس غير كاف ويعدّ على أصابع اليد ويعملون في ظروف قاسية" في فن لا يدر المال.
مبادرة عربية
وساهمت تونس مؤخرا في مبادرة عربية تسعى إلى الحفاظ على هذه المهارة، وقدمت مجموعة من الخبراء من هذه الدول ملفا إلى اليونسكو يطالب بإدراج الخط العربي على قائمة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة لصون التراث غير المادي لعام 2021، على ما أفاد الباحث التونسي عماد صولة، المشرف على ملف بلاده، لوكالة الأنباء الفرنسية.
ويعتبر صولة ترشيح فن الخط العربي "حافزا" للاهتمام به "كعنوان أساسي للهوية الثقافية وعنصر مهم لوحدة المجتمع واستمراريته (...) إزاء تهديدات العولمة للتنوع اللساني".
وبين الدول المشاركة في المبادرة إلى جانب تونس، فلسطين ولبنان ومصر والجزائر والأردن والمغرب والعراق...كما تحظى المبادرة بدعم من السعودية التي تحتفي في العام 2020 "بفن الخط العربي" وكذلك من المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو).
ويرى الجمني في المبادرة "ردا للاعتبار للهوية ورفعا لمعنويات أهل الاختصاص".
ويرجع الباحث عماد صولة تقلص استخدام فن الخط العربي إلى حدّ بعيد إلى "بعض التطبيقات الإعلامية التي تحدّ من طابعه الفني والجمالي وتحوّله إلى كائن افتراضي، والحال أنه أساسا ممارسة مفعمة بالحياة" تعتمد على أشكال مختلفة كالنقوش والنقود والأواني الفخارية والمنسوجات والمعادن.
التراث بعيون معاصرة
ويعزو عمر الجمني أسباب "انتكاسة" هذا الفنّ إلى "استبعاد الثقافة الإسلامية بطريقة عنيفة وغير مدروسة منذ ستينات القرن الماضي".
وحدث في تلك الفترة صدام شديد بين الرئيس الراحل حبيب بورقيبة (1956-1987) وعلماء جامع الزيتونة انتهى بتعليق نظام "التعليم الإسلامي" ومصادرة ممتلكاته ومن بينها آلاف المجلدات والمخطوطات التي تحمل بصمات فنّية.
وجامع الزيتونة هو ثاني جامع يبنى في شمال إفريقيا بعد جامع عقبة بن نافع في القيروان في وسط غرب تونس، وانبثقت عنه "جامعة الزيتونة" التي كانت أول جامعة علمية في العالم الإسلامي.
ومن خريجي جامع الزيتونة العريق العام 1932، عميد الخطاطين التونسيين محمد الصالح الخماسي الذي ساهم في وضع ركائز المدرسة الخطية في تونس وتتلمذت على يديه أجيال من الخطاطين التونسيين.
ويشدّد الخطاطون الشباب على "ضرورة البحث عن أساليب فنية جديدة تتماشى وروح العصر لكي لا يطالنا الصدأ ويفوتنا الركب".
ويعدّ الخطاط الثلاثيني بين الأوائل في العالم العربي الذين قاموا بتطويع الضوء عوض القلم الخشبي، كأداة لكتابة الأحرف العربية في الفضاء ووسط الظلام.