إحداثيات «الإرهاب».. الوضع السوري يفرض استنفارا أمنيا في تونس
رغم آلاف الكيلومترات بين تونس وسوريا فرضت المتغيرات السياسية في الأخيرة نفسها على المشهد الأمني للبلد الأفريقي.
كانت تونس من البلدان التي شهدت تدفقا لمجموعات فيها على سوريا خلال سنوات الحرب الأهلية التي امتدت من 2011 حتى 2024، حينما نجحت فصائل مسلحة في إسقاط نظام بشار الأسد الشهر الجاري.
وكانت سوريا ميدانا لنشاط تنظيمات إرهابية وعلى رأسها داعش، وسهلت جماعة الإخوان في تونس تدفق المسلحين إلى سوريا وهو ملف تنظره الآن محاكم الإرهاب فيها.
ويخشى التونسيون من أن الوضع الأمني الهش في سوريا قد يدفع العناصر المسلحة التونسية في العودة إلى البلاد وبدء نشاط إرهابي.
ويرى مراقبون للمشهد السياسي التونسي المخاوف الأمنية في تونس لها ما يبررها، خاصة في ظل رغبة جماعة الإخوان في إثارة الفوضى في البلاد.
وتعاونت السلطات التونسية مع نظيرتها في سوريا خلال السنوات الماضية من أجل وضع قاعدة بيانات للعناصر التونسية النشطة في الميدان السوري، ويعتقد المراقبون أن ضياع قاعدة البيانات تلك أمر يثير قلق الأمن التونسي.
وفي كلمة نشرتها الرئاسة التونسية، اليوم الجمعة، قال الرئيس قيس سعيد خلال اجتماع مجلس الوزراء إن "التحديات كثيرة لكن أهم سدّ في مواجهة كل أشكال التحديات في ظل هذه الأوضاع المتسارعة وغير المسبوقة التي يشهدها العالم اليوم، هو وحدة وطنية صمّاء تتكسّر على جدارها كل المحاولات اليائسة لضرب الاستقرار".
وتعكس كلمات سعيد قلقا من استغلال العناصر المسلحة التونسية في إثارة الفوضى.
وسبق أن وثقت لجنة مكافحة الإرهاب بتونس وجود أكثر من 3 آلاف عنصر في سوريا وليبيا والعراق حتى عام 2018، عاد منهم قرابة الألف.
إثارة الفوضى
وقال الناشط والمحلل السياسي التونسي عبدالكريم المحمودي لـ"العين الإخبارية" إن السلطات التونسية تشدد حاليا إجراءاتها الأمنية بهدف السيطرة على الوضع الأمني، موضحا أن محاولات ضرب الاستقرار التي تحدث عنها قيس سعيد تعني وجود تهديدات تمس بالأمن في تونس".
ودعا السلطات التونسية بالتحرك دبلوماسيا وأمنيا لتحصين البلاد من عودة "هؤلاء الإرهابيين" من سوريا.
وأفاد بأن يقظة السلطات التونسية وقوات الأمن والجيش لن تسمح بتحقيق هذه المخططات الإجرامية التي تهدف إلى تدمير الدولة.
وأكد إمكانية استغلالهم من قبل تنظيم الإخوان لإثارة الفوضى في البلاد في حال عودتهم إلى تونس خاصة بارتباط حركة النهضة مع تنظيم أنصار الشريعة المحظور.
وأشار إلى أن "زعيم إخوان تونس راشد الغنوشي وأبوعياض زعيم تنظيم أنصار الشريعة قاما في عام 2012 بخلق شبكة علاقات إرهابية، وأسفر ذلك عن الاغتيالات السياسية وقتل الجنود، إضافة إلى أن عملية تسفير الإرهابيين إلى سوريا تمت تحت اشراف حركة النهضة".
وأكد أن هناك تخوفات عديدة في تونس خاصة من الخلايا النائمة لتنظيم الإخوان في تونس ما زالت موجودة".
خطر حقيقي
من جهته، أكد الخبير الأمني التونسي علي الزرمديني وجود خطر حقيقي قائم، يتطلب إجراءات استثنائية وقراءة استباقية لواقع الجماعات الإرهابية وإمكانية عودتها إلى تونس.
واعتبر الخبير الأمني أن الإرهاب هزم ميدانيا في تونس، لكنه کفكر وأيديولوجيا لم ينته، والخلايا النائمة مُتحفزة.
ويحيل موضوع المقاتلين التونسيين في سوريا إلى ما يعرف بقضية التسفير، التي نشطت في السنوات الأولى مما يعرف بـ"الربيع العربي" عندما كانت حركة النهضة في الحكم، وإلى حد الآن لا تزال هذه القضية مثار جدل سياسي وقضائي، خاصة بعد اتهام قادة بارزين من حركة النهضة بتسهيل عملية التسفير وعلى رأسهم نائب رئيس حركة النهضة ورئيس الحكومة الأسبق وزير الداخلية الأسبق علي العريض.
وكثفت السلطات التونسية عمليات التفتيش وتعقب العناصر الإرهابية في الفترة الأخيرة، بهدف السيطرة على الوضع الأمني في البلاد خاصة في الفترة الراهنة.
وفي 12 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، قال وزير الدفاع التونسي خالد السهيلي إن الجيش التونسي نفذ منذ بداية العام الجاري حتى 31 أكتوبر/تشرين الأول الماضي 990 عملية في مجال مكافحة الإرهاب بالمناطق المشبوهة شارك فيها أكثر من 19 ألفا و500 عسكري.
تحركات على الأرض
وفي غضون ذلك، ألقت السلطات التونسية القبض على 3 إرهابيين مطلوبين للعدالة.
وأكدت الإدارة العامة للحرس (الدرك) الوطني في بيان لها الجمعة أن أجهزتها "أوقفت 3 عناصر تكفيرية (..) وذلك في إطار الجهود المتواصلة للتصدي للعناصر المتطرفة".
وأفاد نص الييان بأن "هؤلاء التكفيريين ملاحقون بموجب مناشير تفتيش (إذن تفتيش) لفائدة وحدات أمنية وهياكل قضائية مختلفة بتهمة الاشتباه في الانتماء إلى تنظيم إرهابي، وصادرة في شأنهم أحكام سجنية".
ودعت الإدارة العامة للحرس الوطني المواطنين إلى التعاون مع الوحدات الأمنية والإبلاغ عن أي معلومات، لتعزيز الأمن العام والحفاظ على سلامة الوطن والمواطنين.
ويرى مراقبون للمشهد السياسي التونسي أن السلطات التونسية تشدد حاليا إجراءاتها الأمنية بهدف السيطرة على الوضع الأمني، للتصدي لأي محاولات للمساس بالأمن والاستقرار في البلاد مع اقتراب احتفالات رأس السنة.
وأمس الخميس، تعرض أمني تونسي للطعن خلال عملية للقبض على إرهابي مطلوب للعدالة بمحافظة المنستير الساحلية شرقي البلاد.
منذ 2011، واجهت تونس العديد من الهجمات الإرهابية ما أسفر عن مقتل عشرات الجنود وعناصر الشرطة وأيضا عدد كبير من المدنيين و59 سائحاً أجنبياً.