مؤلف كتاب "كنت في الرقة": النهضة التونسية تتبنى ثقافة الإرهاب
حوار مفتوح أجرته "العين الإخبارية" مع الكاتب التونسي الشهير الهادي يحمد، صاحب الكتاب الأشهر "كنت في الرقة" حول الإرهاب وحركة النهضة.
الإرهاب وجذوره ومنابته في تونس ظاهرة خطيرة أوهنت أركان الدولة وأربكت عملها، وفرضت منطق عنف ودموية وتخويفا عاما يعاني التونسيون تردداته وتبعاته بمستويات عدة فكرية واجتماعية وأمنية.
"العين الإخبارية" تحدثت إلى الكاتب التونسي المقيم بباريس هادي يحمد، صاحب مؤلَّف "كنت في الرّقّة"، فأكد أن الجماعات الإرهابية التي تتخذ الدين الإسلامي ذريعة وشماعة تعيش حالة انحدار وتراجعا بعد تجربة داعش، وأن تراجعها وقتي وظرفي ميدانيا وعسكريا بالعديد من المناطق مثل العراق وسوريا وليبيا، مع استثناء منطقة الساحل الأفريقي.
"يحمد" أكد أن هذه التراجعات ليست من قبيل المراجعات الفكرية والعقائدية، وأن فكرة "الجهادية" ما زالت تتّقد جذوتها في ذهنية الشباب العربي والإسلامي لأن المنظومة الاجتماعية والثقافية والتربوية كلها تشجع عليها وترعاها.
الكاتب يعتقد أننا في فترة انتقالية ما بعد داعش ستعود بعدها هذه الجماعات إلى النشاط مجددا وبأشكال أخرى كلما توفرت الظروف السياسية والجغرافيا الملائمة.
"يحمد" أكد أن هزيمة التنظيمات الإرهابية في الوقت الحالي مؤقتة وستعود بعدها قوية، إذ البنية الذهنية الراعية لهذه التيارات ما زالت قوية، إما في شكل جماعات إسلامية تدّعي رفع شعار "السلمية" و"الديمقراطية" وإما حتى دول تموِّل مشروع "الأسلمة".
"تونس لم تحسن التعامل مع الظاهرة الإرهابية"
حول مدى استثمار تونس حكومات وشعبا تجارب مثل تجربة محمد الفاهم في كتابه "كنت في الرقة" للتيقظ والتوقي من تورط مزيد أبنائها في المد الظلامي، قال الكاتب التونسي قال في حديثه لـ"العين الإخبارية" إن ما وقع في تونس في التعاطي مع الظاهرة الإرهابية لا يختلف عن تعاطي بقية الدول العربية مع الظاهرة، وإن محاصرتها أمنيا وعسكريا وإحباط المخططات والعمليات الإرهابية على أهمّيته لا يمكن أن ينهي المشكلة على المدى الطويل.
صاحب "كنت في الرقة" يرى أن التعاطي مع ظاهرة الإرهاب في تونس اقتصر على الجانب الأمني والعسكري، خاصة بعد عمليات باردو ومدينة بن قردان والهجوم على إحدى المنشآت السياحية في سوسة، موضحا أن تونس لم تتخلص بعد ولن تتخلص في تقديره من الخطر الإرهابي لأن الخطاب الإرهابي والعنيف ما زال قويا، يحظى بحاضنة ثقافية ودينية وحتى سياسية تسنده.
الكاتب المهاجر أكد أن مشكلة الإرهاب تضاعف في تونس، باعتبار أن البلاد تعيش على وقع تهديد حقيقي هو عودة المئات من أبنائها الذين التحقوا ببؤر التوتر طوال السنوات الماضية.
"النهضة تتحمل مسؤولية العنف"
أما بخصوص تقييمه للسنوات العشر الأخيرة التي أدارت وتدير تونس فيها حركة النهضة الإخوانية فأشار الهادي يحمد إلى أنه لا يمكن أن يختلف اثنان حول المسؤولية السياسية لحركة النهضة الإخوانية عن تفشي خطاب الكراهية والعنف السائد في الساحة السياسية، ومسؤوليتها عن الاغتيالات السياسية التي استهدفت الشهداء شكري بالعيد ومحمد البراهمي، والعمليات التي استهدفت رجال الأمن والجيش من قبل الجماعات المسلحة التي تتركز في الجبال الغربية للبلاد.
"يحمد" لاحظ أن المسؤولية السياسية للحركة الإخوانية مبنية على تحملها مسؤولية خطاب الكراهية والعنف والإقصاء السائد في تونس بتركها أنصارها يروجون له على المواقع الاجتماعية ويشجعون عليه، مؤكدا انتهاء إدارة الحركة الإخوانية للبلاد طوال السنوات العشر الماضية إلى فشل كامل في جميع الميادين تقريبا، وإلى فشل محاولاتها الخروج من ورطتها السياسية اعتمادا على سياسة "التوافق" مع حزب نداء تونس وزعيمه الراحل الباجي قايد السبسي.
الكاتب التونسي يرى أن هذا الأمر لم يُعفها من حالة الوصم العامة التي تعتبرها المسؤولة الرئيسية عن الفوضى السياسية وشبه الإفلاس الاقتصادي والإحباط النفسي العام السائد في البلاد، مضيفا أنها لم تكتف سياسيا بإنتاج فشلها بل فرّخت تنظيما آخر أكثر تشدّدا وكراهية وعنفا سياسيا هو "ائتلاف الكرامة"، الذي يُجمع الكل على أنه ليس إلا عصا أكثر تطرّفا وعنفا بيد الحركة الإخوانية.
"خطاب الكراهية الإخواني"
وبشأن عودة الخطاب التكفيري إلى الساحة التونسية مؤخرا على لسان نواب وشخصيات ذات نفوذ سياسي بينها محمد العفاس قال الكاتب إن خطاب محمد العفاس النائب عن كتلة "ائتلاف الكرامة" هو نموذج لخطاب فرع الإخوانية-السلفية الأكثر تشددا، والذي جاء من رحم حركة النهضة، في نموذج لعملية التلاعب السياسي بالتونسيين من قبل الحركة الإخوانية التي تحاول أن توهم الرأي العام أنها تحولت إلى حركة "مدنية" تفصل بين الدعوي والسياسي.
"يحمد" قال إن الحركة الإخوانية أعطت خلال الانتخابات الأخيرة الضوء الأخضر لإنتاج كتلة من رحمها أكثر عنفا وتشددا منها، ممثلة في هذا الائتلاف، كتلة جمعت فيها شتات المتشددين والسلفيين الخارجين عنها.
واعتبر أن نموذج العفاس وكتلته البرلمانية هو عملية رسكلة قامت فيها حركة النهضة بإدماج التيار الإخواني الأكثر تشددا وسلفية في العملية السياسية وأدخلته البرلمان.
"عندما نعلم أن بعض نواب ائتلاف الكرامة كانوا نشطاء في تنظيم أنصار الشريعة الإرهابي نفهم كيف تمت هذه الرسلكة وكيف وقع إدماجها، لتكون سندا سياسيا للحركة الإخوانية في البرلمان"، هكذا تحدث يحمد متسائلا عن إمكانية اندماج هذا التيار في اللعبة الديمقراطية بما يعنيه من قبول بقواعدها ومع ما يتطلبه ذلك من القبول بمبادئ "المدنية" و"التسامح" والتداول السياسي.. ليجيب سؤاله بقوله إنه يعتقد أنه مستحيل لطبيعة في فكر هذه الجماعات العقائدية الرافضة أصلا العملية الديمقراطية واستعمالها إياها فقط وسيلة للهمينة والسيطرة.
"كنت في الرقة" هو كتاب يروي فيه الكاتب التونسي الهادي يحمد قصة عضو سابق في تنظيم داعش يدعى محمد فاهم يقول إنه أحد التونسيين الجهاديين الذين انضموا إلى داعش بحلول نوفمبر/تشرين الثاني 2015.
وفي الكتاب يصفُ فاهم تجربته هو وأصدقاؤه خلال مذكراته، حيث قضى معظم وقته في الرقة بسوريا ثم عادَ في وقت لاحق إلى بلده.
أثار الكتاب الكثير من الجدل وأصبحَ في وقت ما من أكثر الكتب مبيعا في تونس وإيران.