أسبوع عصيب بتونس.. الإرهاب يضرب وسط العاصمة ويختتم بمرض السبسي
عاود الإرهاب ضرب تونس مجددا بعد فترة من الهدوء بتفجيرين وإحباط عملية إرهابية ثالثة بالتزامن مع شائعات حول وفاة الرئيس التونسي.
شهدت تونس، الأسبوع الماضي، أحداثاً سياسية بارزة كان أبرزها الجدل حول إمكانية تأجيل الانتخابات وتفجيران انتحاريان متتاليان هزا قلب العاصمة التونسية، ومرض الرئيس الباجي قايد السبسي.
ففي الوقت الذي تفرض فيه الآجال الدستورية احترام موعد 6 أكتوبر/تشرين الأول، فإن قوى خفية داخل المنظومة الحزبية الحاكمة تدفع إلى ترويج فرضية تأجيل الانتخابات.
كما عاود الإرهاب ضرب تونس مجدداً بعد فترة من الهدوء بتفجيرين وسط العاصمة، وإحباط عملية إرهابية ثالثة جنوبي البلاد.
جاء ذلك بالتزامن مع شائعات حول وفاة الرئيس التونسي، وسط نفي قاطع من قبل سعيدة قراش، المتحدثة باسم الرئاسة، التي أكدت أنه يتلقى العلاج بالمستشفى العسكري بالعاصمة.
فيما سادت البلاد حالة غضب جراء وفاة 7 رضع بظروف غامضة في حالة هي الثانية خلال 3 شهور، وسط استياء من المنظومة الصحية بالبلاد.
** رفض قطعي
الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، المشرفة على تنظيم العملية الانتخابية في تونس، أكدت في بيان لها، رفضها بشكل قطعي أي دعوة لإرجاء الانتخابات.
وأكدت أن الجميع مطالب باحترام موعد الاستحقاق التشريعي والرئاسي، وفقاً للدستور.
واتهم عادل البرينسي، المكلف بالإعلام في هيئة الانتخابات، بعض الأطراف السياسية (لم يسمها) بالسعي إلى إرباك المسار الانتخابي، من خلال ترويجها لفرضية تأجيل الانتخابات.
وأضاف البرينسي في تصريحات إعلامية أن الهيئة استوفت جميع الاستعدادات اللوجستية، وهي بصدد فتح باب الترشح لخوض الامتحان الانتخابي.
وأشار إلى أن الدستور التونسي يطرح فرضية وحيدة لتأجيل الانتخابات، وهي وجود خطر داهم يهدد الأمن القومي ويحول دون إتمام العملية الانتخابية.
ويرى الداعون بشكل غير مباشر للتأجيل أن الوضع السياسي المحتقن في البلاد، فضلاً عن حالة الصراع والانشقاق التي تعيشها القوى السياسية بما فيها حركة النهضة الإخوانية يجعل منها غير مستعدة الآن للمجازفة والمقامرة بخوض اختبار الفوز بالسلطة لما بعد 2019.
**انهيار الأحزاب الحاكمة
الناشطة السياسية التونسية، وفاء الشادلي، قالت إن دعوات تأجيل الانتخابات تحركها كل من حركة النهضة الإخوانية وحزب "تحيا تونس"؛ نظراً لانهيار أوزانهم السياسية في سلم استطلاعات الرأي للفترة الماضية.
وتأخر الإخوان ورئيس الحكومة، يوسف الشاهد، في نتائج شركتي "سيغما كونساي" و"امرود كونسيلتينغ" لاستطلاعات الرأي لصالح صعود رجل الأعمال نبيل القروي ورئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسى.
وأضافت الشادلي لـ"العين الإخبارية" أن الحصيلة الكارثية للحكم وانهيار شعبية منظومة الحكم جعلت بعض القيادات الإخوانية تحبذ تأجيل الموعد الانتخابي.
من جانبه، حذر اتحاد الشغل التونسي (أكبر منظمة نقابية تونسية)، في بيان له، من مغبة تأخير موعد الانتخابات.
واعتبر أن تونس لا تحتمل الدخول في مرحلة "اللاشرعية السياسية" وأنه من الضروري أن يتوجه التونسيون إلى صناديق الاقتراع لتغيير واقعهم السياسي والاقتصادي عبر الصندوق.
واعتبر المحلل السياسي التونسي محمد بوعود أن التعقيدات الإجرائية التي ستخلقها التعديلات الطارئة على القانون الانتخابي تغذي فرضيات تأجيل الانتخابات.
وقال بوعود لـ"العين الإخبارية" إن الأغلبية البرلمانية المكونة من كتلة حركة النهضة و"الائتلاف الوطني" التابعة ليوسف الشاهد تعمدوا طرح هذه التعديلات في هذا الوقت بالذات من أجل التشويش على المسار الانتخابي.
وصادق البرلمان، الأسبوع الماضي، على إقصاء رؤساء الجمعيات الخيرية ووسائل الإعلام من الترشح للانتخابات الرئاسية؛ نظراً لتمتعهم بالإشهار السياسي، حسب نص القانون الجديد.
كما أقرت الأغلبية البرلمانية عتبة انتخابية بنسبة 3 في المائة، أي حذف القوائم المرشحة التي لا تحصل على هذه النسبة من إجمالي المصوتين يوم الاقتراع، إضافة إلى وضع فصل قانوني كامل يقصي كل الأشخاص الذين لا يؤمنون بمبادئ حقوق الإنسان.
واعتبر العديد من القانونيين أن هذه الفصول "فضفاضة" ويمكن تأويلها في أكثر من اتجاه، وبالإمكان استعمالها من قبل السلطة التنفيذية لإقصاء كل الأصوات التي تعارضها.
** طعون برلمانية
وقدم 51 برلمانياً طعناً على القانون الانتخابي الجديد لدى الهيئة التونسية لمراقبة دستورية القوانين (الهيئة العليا).
وينتظر أن تعلن الهيئة قرارها سواء بالقبول أو الرفض في ظرف 10 أيام، ثم يبقى قرارها رهن موافقة رئيس الجمهورية، حسب نص الدستور.
ويملك رئيس البلاد صلاحيات دعوة المواطنين للانتخابات، والتي من المقرر أن تبدأ إجراءاتها في بداية شهر يوليو/تموز.
ويبرر النواب طعنهم في القانون الجديد بكونه قانوناً إقصائياً ويخدم فقط الفريق الحاكم المتكون من الشاهد والإخوان لتزوير اللعبة السياسية قبل أربعة أشهر من الانتخابات.
**وفاة رضع بظروف غامضة
استفاق الرأي العام التونسي، الثلاثاء، على وفاة 7 رضع في ظروف غامضة بالمستشفى الجهوي بمحافظة نابل شرق العاصمة.
وتعد هذه الحادثة الثانية في ظرف ثلاثة أشهر بعد حادثة وفاة 15 رضيعاً في المستشفى الجامعي بالرابطة (وسط العاصمة) خلال يومي 7 و8 مارس/آذار الماضي بسبب الإهمال والتقصير، حسب ما أعلنت عنه عائلات الرضع.
واعتبر العديد من الخبراء في المجال الصحي أنها ناتجة عن فشل السياسات الصحية لحكومة الشاهد والإخوان، خاصة في ظل انهيار الخدمات الاجتماعية التي تقدمها الدولة خلال السنوات الثماني الأخيرة.
حسني القروي، المسؤول السابق عن قسم الرضع بمستشفى شارل نيكول بتونس، قال إن مستشفيات تونس تنقصها الإمكانيات التقنية.
وأشار إلى أن الحكومة لم توفر خلال السنوات الفارطة الكميات اللازمة من الدواء والإطار الطبي وشبه الطبي، من أجل تقديم خدمات صحية لائقة للمواطنين.
وأوضح في تصريحات لـ"العين الإخبارية" أن وفاة 21 رضيعاً في فترة لا تتجاوز الثلاثة أشهر يعتبر "كارثة" إنسانية ودليلاً لفشل المنظومة الصحية.
ورغم أن وزيرة الصحة التونسية أعلنت، اليوم، أن أسباب الوفاة ناتجة عن ولادة مبكرة، فإن هيثم شبشروس رئيس قسم الأطفال المستقيل من منصبه من مستشفى "محمد التلاتلي" بمحافظة نابل، قال في تصريحات إعلامية إن الإطار الطبي بقسم الأطفال يعمل في ظروف سيئة جداً، مؤكداً تجاهل السلطة المحلية ووزارة الإشراف (وزارة الصحة) لمطالبه بتعزيز وحدة طب الأطفال والرضع بالطاقم الطبي والمعدات اللوجستية اللازمة.
** تفجيران وإحباط ثالث
وشهدت وسط العاصمة تونس، الخميس، تفجيرين أسفرا عن مقتل شرطي وإصابة آخرين، فيما أحبطت قوات الجيش عملية إرهابية ثالثة جنوبي البلاد.
واستهدف التفجير الأول سيارة تابعة للأمن التونسي في شارع الحبيب بورقيبة قرب السفارة الفرنسية.
كما وقع تفجير ثانٍ قرب مقر مكافحة الإرهاب بمنطقة القرجاني في تونس العاصمة، دون الإعلان عن ضحايا حتى الساعة 10:40ت.غ.
وقال مسؤول بوزارة الدفاع التونسية إن الجيش تصدى لمحاولة إرهابية ثالثة كانت تستهدف محطة الإرسال بجبل عرباطة في محافظة قفصة جنوبي البلاد.
وقالت الداخلية التونسية إن شرطياً تونسياً قتل بأحد التفجيرات وأصيب 6 آخرون بينهم 3 شرطيين في حصيلة أولية للعمليات الإرهابية في تفجير شارع الحبيب بورقيبة ومنطقة القرجاني.
** مظاهرات غاضبة ضد الإخوان
وشهد مكان واقعة التفجير الانتحاري بشارع الحبيب بورقيبة، مظاهرة غاضبة من التونسيين، للتنديد بحركة النهضة الإخوانية وتحمل زعيمها راشد الغنوشي، مسؤولية العمليات الإرهابية.
ردد الموجودون بالمنطقة التي وقع بها التفجير قرب السفارة الفرنسية هتافات منددة بالحركة ودورها المشبوه والمساند للإرهاب.
ومن أبرز الشعارات التي جرى ترديدها "يا غنوشي يا سفاح يا قتّال الأرواح"، و"تونس تونس حرة حرة والإرهاب على بره".
كما هتفوا "لا لتأجيل الانتخابات"، في إشارة إلى تورط حركة النهضة في مثل هذه الممارسات الإرهابية لاستثمارها في تأجيل الانتخابات، وفق قانون الطوارئ، بعد انحدار شعبيتها إلى أدنى المستويات.
شعارات التونسيين تلقي بمسؤولية الإرهاب على الإخوان الذين فتحوا البلاد، أيام حكمهم عقب احتجاجات 2011، أمام دعاة التطرف والتشدد، وفتحوا الحدود أمام شبكات تسفير الشباب للقتال في ليبيا وسوريا.
التونسيون، أو سوادهم الأعظم، يدركون أن الانتحاري الذي فجر نفسه قرب دورية أمنية بقلب العاصمة، أو الثاني الذي فجر نفسه بمدخل ثكنة عسكرية غير بعيد منها، قد يكون أحد الإرهابيين العائدين من القتال في بؤر التوتر، ممن لم يجدوا أي قانون لمحاسبتهم أو على الأقل لمراقبتهم.
قد يكون الانتحاريان من هؤلاء الذين عادوا لنفث سموم تطرفهم في بلدهم الذي يشارك الإخوان في حكمه، ويهيمنون فيه على البرلمان، فيصادقون على ما يخدم مصالحهم الحزبية، ويجهضون ما لا يتماشى مع أجندتهم الإرهابية.
** السبسي وشائعات الوفاة
تقرير إعلامي أشعل فتيل شائعات هائلة التهمت مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام حول وفاة السبسي.
وبتداول الخبر على نطاق واسع، بدأت التكهنات والتحليلات الخاطئة، وأطلق الفضوليون العنان لسيناريوهات، بينها ما يؤكد وفاة الرئيس قبل يومين، وبينها ما يتحدث عن انقلاب محتمل.
غير أن المتحدثة باسم الرئاسة التونسية، سعيدة قراش، سرعان ما حسمت موجة الشائعات، مؤكدة أن السبسي يتلقى العلاج بالمستشفى العسكري بالعاصمة، وأن صحته "مستقرة".
**جلسة طارئة للبرلمان
من جانبه، عقد البرلمان جلسة طارئة على خلفية التفجيرين، وسط أنباء تفيد بأن نوابا معارضين اقترحوا إدراج موضوع صحة السبسي وشغور منصب الرئيس بأجندة الاجتماع، وهو ما تم رفضه من مكتب البرلمان الذي اعتبر ألا مبرر لمناقشة الموضوع طالما أن الرئيس تعرض لوعكة صحية لا غير.
وأكد محمد الناصر، رئيس البرلمان التونسي، بمناسبة الاجتماع، أن الحالة الصحية للرئيس السبسي مستقرة، وذلك حسب الاتصالات التي أجراها للاطمئنان على صحته.
ودعا الناصر إلى "مزيد من اليقظة للتصدي لهذه الآفة ودحر كل ما يُهدد أمن البلاد واستقرارها"، مؤكداً أن العمليات الإرهابية لن تزيد التونسيين إلا وحدة والتفافاً حول الراية الوطنية، ولن تثنيهم عن العزم على مواصلة مسار البناء الديمقراطي.
aXA6IDMuMTUuNi4xNDAg جزيرة ام اند امز