الشاشية التونسية.. رحلة صناعة عريقة تزين لباس الرجال والنساء
بين "ساقسلي" و"كتافي" و"عريضي" و"مجيدي" وغيرها، تتنوع صنوف الشاشية التونسية، أو قبعة الرأس الشهيرة عبر العالم.
وتتميز الشاشية التونسية بلونها الأحمر القاني الذي يزين لباس نسائها ورجالها.
والشاشية هي قبعة تقليدية يلبسها الرجال في تونس منذ قرون، وتتعدد صنوفها وأحجامها، ومثلت حتى وقت قريب قيمة تراثية وفنية وتاريخية في اللباس التونسي الأصيل.
ومنذ سنوات باتت الشاشية جزءا من اكسسوارات التونسيات اليومية ببساطتها وصوفها الجيّد وزينتها المستحدثة مختلفة الألوان والأشكال.
تاريخ عريق
يبدأ تاريخ الشاشية في تونس مع حلول المورسكيين الفارين خصوصا من محاكم تفتيش الملك الإسباني "فيليب الأول" ملك قشتالة (1478- 1506 ميلادية) وإقامتهم بمنطقة تستور من محافظة باجة، عند هضبة سهل مجردة الخصب.
وبإدخالهم صناعة الشاشية إلى أرض أفريقية (اسم تونس القديم) أدخل أهل قشتالة وغرناطة كثيرا من الألفاظ المستعملة إلى اليوم في حرفة صناعة الشاشية.
جذور هذه الكلمات المستعملة في حرفة تصنيع الشاشية إذن إسبانية، وإن شوّهت بدرجات متفاوتة.
وينتمي الحرفيّون الذين يزاولون هذه الصناعة منذ القرنين الـ18 والـ19 ميلادية إلى جمعيّة مهنية تتمتّع بسمعة رفيعة جدّا في تونس.
تخضع مراحل صنع الشّاشية في تونس إلى نظام دقيق، يشرف "أمين" "الشواشين" وهو رئيس الجمعيّة التي تضم صناع الشاشية على تطبيق قواعد تصنيعها المرسومة بصرامة عالية.
وقد مثلت صناعة الشّاشية خلال القرنين الـ18 والـ19 ميلادية إحدى دعائم الاقتصاد التونسي، فقد نجحت في غزو الأسواق العالمية عبر أوروبا وأفريقيا وبعض البلدان الآسيوية.
ويعود صيت الشاشية التونسية إلى جودتها وخصوصيّة عملية تصنيعها التي لا تتوفّر في أي من أغطية الرأس الأخرى.
كذلك اعتبر صانعو الشاشية أو "الشوّاشون" من أعيان البلاد، باعتبار ما تدرّه عليهم حرفتهم من مداخيل واسعة.
وكان أمين الشّاشية يعتبر أحد "أهل الحلّ والعقد" وأحد مستشاري أصحاب السّلطة السياسية في تونس.
سوق الشوّاشين كان هو الآخر بين أنشط الأسواق وأكثرها حركيّة، إذ يقبل عليه التونسيّون والمسلمون وغيرهم، ممن يفدون على تونس ويقبلون بشغف على هذه البضاعة التي تعتبر "علامة" تونسية مميزة
الحرب العالمية الأولى أثرت سلبا على صناعة الشاشية التونسية ما سبّب وهنها باعتبار صعوبة التزوّد بالصّوف المغزول في تلك الفترة والظروف الصعبة.
وتعيش صناعة الشاشية في تونس ظروفا خانقة مؤخرا؛ إذ انخفض عدد المقبلين على تعلّم "الصّنعة" الدقيقة التي تتطلب تركيزا وانضباطا وحرفة عالية.
أنواع وأحجام ومواد متعددة
الشاشية "الساقسلي" بين أشهر أنواع القبعة التونسية العريقة، تحاك بخيط واحد رقيق من الصوف، وتعود التسمية إلى أن هذا النوع كان يصنع خصيصا لسلاطين وأمراء الدولة العثمانية، وكانت حمولة الشواشي (جمع شاشية) توجه من ميناء حلق الوادي إلى ميناء جزيرة "ساقس" التركية.
أما الشاشية "كتافي" فتحاك بخيطين من الصوف أغلظ نسبيا، فيما الشاشية "عرضاوي" تحاك بـ3 خيوط من الصوف وتكون أطول بقليل من الشاشية "الكتافي".
شاشية "الباشا" تشبه الشاشية "الإسطنبولي"، إلا أن محيط دائرتها العليا أكبر من محيط دائرتها السفلى، وقد اشتهر بلبسها خير الدين باشا (الوزير الأكبر بتونس بين 1873 و1877 ميلادية زمن الباي أحمد باشا باي)، ولم تعد شاشية الباشا تصنع إلا عند الطلب.
الشاشية "مجيدي" اشتهر بلبسها السلطان عبدالمجيد، والشاشية "إسطنبولي" اشتهر بلبسها أهل إسطنبول، طولها أكبر من الشاشية "المجيدي".
هاتان النوعيتان من الشاشية بدأ استعمالهما في تركيا والشرق الأوسط بداية من سنة 1824ميلادية، عندما استقبل السلطان محمود الثاني وفدا من تونس يضم جنودا كانوا يرتدون هذين النوعين من الشواشي اللذين أعجباه، فأصدر قانونا يوجب الجيش العثماني بارتداء الشاشية.
السلطان محمود الثاني اختار ناظرا لشراء الشاشية من تونس وكلّف مصطفى أفندي لشراء 50 ألف شاشية من تونس.
كذلك عيّنه مشرفا على تأسيس أول معمل شاشية في "الأستانة" (إسطنبول) واستعان لهذا الغرض ببعض المتخصصين من تونس.
"الطربوش" المصري أصوله تونسية هو الآخر، إذ أسّس أول مصنع شاشية في مصر في عهد محمد علي، تمّ جلب الصناعيين المتميزين من تونس للاستفادة من خبرتهم في صنع الشاشية أو ما يسمى في مصر بـ"الطربوش".