علي العريض و«تسفير الإرهابيين» في تونس.. «ظل» خذله الغنوشي
اعتقدوا أن تقديم علي العريض «قربانا» بملف تسفير الإرهابيين سيغلق عليهم أبوابا كثيرة، فكان أن نأوا بأنفسهم تاركين وزرهم على عاتق الرجل.
هذا ما فعله إخوان تونس بأحد أبرز قياداتهم ممن يعتبر الحلقة الأضعف في ملف كان فيه مجرد أداة تنسق على الأرض عبر استغلال منصبه الأمني الرفيع.
حقيقة مُرة بالنسبة لفرع يجد نفسه مطوقا بالاتهامات في العديد من القضايا الشائكة، ومدانا بسفك دماء التونسيين وإغراقهم في عشرية سوداء استمرت منذ وصولهم للسلطة إبان أحداث 2011 لحين إسقاطهم منها بداية من 2021.
أكثر من صورة
رغم التعتيم والمغالطات التي يحاول إخوان تونس نشرها حول الملفات الجدلية، مثل تسفير الإرهابيين إلى مناطق القتال في كل من ليبيا وسوريا قبل سنوات، إلا أن جزءا كبيرا -حتى من قواعدهم- تدرك حيزا هاما من الحقائق المغيبة.
وتعيد صورة القيادي الإخواني علي العريض، والتي رفعها محتجون من المعارضة التونسية، اليوم الثلاثاء، إلى الأذهان قصة هذا الرجل الذي انتهى به المطاف وراء القضبان بعد أن تخلى عنه رفقاء الأمس، وفي مقدمتهم زعيم الإخوان راشد الغنوشي.
فقبل سنوات، وتحديدا في سبتمبر/ أيلول 2022، أوقفت السلطات التونسية العريض من أجل التحقيق معه في ملف تسفير إرهابيين إلى مناطق القتال.
وبالنسبة للرجل، كان الإجراء متوقعا إلى حد كبير، بحكم منصبه الأمني الرفيع، فلقد كان وزيرا للداخلية في أول حكومة شكلتها حركة النهضة الإخوانية لدى صعودها للحكم بعد 2011، ثم رئيسا للحكومة الموالية.
وبينما كان العريض يخضع للتحقيق، كانت الحركة، بمن فيها رئيسها الغنوشي، تحبس أنفاسها، لإدراكها الكبير بأن نتيجة التحقيق إما ستبرئها من التهم، أو أنها ستفتح عليها أبوابا كثيرة.
ولذلك، فإنه وبغض النظر عما كان ما سيقوله العريض خلال التحقيق، فإن النتيجة بدت بديهية إلى حد كبير، وهو أنه سيكون المدان الأول والأخير، وأنه سيتحمل المسؤولية الجنائية والسياسية عن تدفق الإرهابيين الذين فتحت أمامهم المسالك للقتال في ليبيا وسوريا.
كان العريض الحلقة الأضعف في كل ذلك الملف، لأن أي شخص غيره كان بإمكانه أن ينفي علاقته بما حدث، حتى الغنوشي نفسه -وهذا ما يبدو أنه حصل بالفعل- لكنه هو لن يكون بإمكانه أن ينفي أو يقدم تفسيرا لما حدث بحكم موقعه الأمني.
وحينها، أجمع محللون على أن العريض سيكون القربان المقدم من الإخوان للنجاة من مسؤولية جماعية بالملف، والمسؤولية هنا لا تقتصر على طابعها القضائي فحسب، وإنما السياسي أيضا.
وبالفعل، وجد العريض نفسه، بالتوازي مع التحقيقات القضائية، موضوع جدل سياسي واسع، تقاطع في مجمله حول إدانته بشكل واضح، فهو وزير الداخلية الذي من المفترض أن تتجمع بين يديه الخيوط والمعلومات.
ومما منح الجدل بعدا أكبر هو أن ما حدث لم يكن مجرد وقائع معزولة وإنما عمليات منظمة وممنهجة فتحت الأبواب نحو الآلاف من الشباب للسفر إما نحو ليبيا أو باتجاه تركيا ومن بعدها سوريا، أو عبر رحلات جوية نحو تركيا ثم سوريا.
ولم تغفل النقاشات المحتدمة أيضا الوقوف عند أبرز الاستفهامات التي أثارها توقيف العريض، حيث اعتبر كثيرون أنه مدان سياسيا وقضائيا، لأنه في جميع الحالات يتحمل المسؤولية الكاملة عما حدث.
فإن كان على علم بما حدث -وهذا المرجح- ولم يتحرك، فإن صمته يدينه لأنه كان يمكن أن يتحرك لكشف الشبكات التي تحرك تلك الرحلات، وليس ذلك فقط، قد يكن ذلك دليلا إضافيا على تورطه.
«ظل» الغنوشي
تاريخيا، يعتبر العريض الرجل الثاني بعد الغنوشي في «النهضة» الإخوانية، ما يعني أنه على دراية تامة بجميع مخططات الحركة.
والعريض معروف أيضا بأنه «نائب الزعيم» لكن في الظل، فهو من غير المولعين بالأضواء، وحتى بعد أحداث 2011، كان يحاول تجنب الظهور الإعلامي، كما أنه كان من أشد الموالين للغنوشي حتى أنه كان يتجنب أي خلاف معه مهما حدث.
ولذلك، فإن توقيفه كان بمثابة «القربان الاضطراري» الذي كان على حركة النهضة أن تقدمه بأن تخسر أحد قياداتها مقابل حماية آخرين.
لكن، وبما أنه لا شيء مضمون حين يتعلق الأمر بقضايا من هذا الطراز، فإن توقيف العريض شكل تحديا حقيقيا لإخوان تونس، لأنه في حال قرر الرجل النجاة بنفسه، فستحل الكارثة على الحركة برمتها.
فالعريض يعد الرجل الأول في إدارة التنظيم، كما أن وجوده على رأس الداخلية في الوقت الذي جرت فيه عمليات التسفير، يمنحه الكثير من المعطيات التي قد تطيح بالحركة وأسماء بارزة فيها.
فالرجل وحده من يعرف حجم الدور الذي لعبته النهضة ورئيسها في ملف التسفير، والأدوار التي قد تكون تركت لبعض القيادات فيما يتعلق بالأزمة السورية وتسفير الإرهابيين.
وتولى العريض حقيبة وزارة الداخلية من ديسمبر/كانون الأول 2011 إلى حدود مارس/آذار 2013، وذلك خلال حكومة الائتلاف أو ما عرف بحكومة الترويكا بين حركة النهضة وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية والتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات.
كما تقلد أيضا مهام رئاسة الوزراء من مارس/آذار 2013 إلى يناير/كانون الثاني 2014.
aXA6IDMuMTI4LjMxLjE4NCA= جزيرة ام اند امز