ما حدث في محاكمة القس وتناقض روايات الشهود هي مسرحية وأمر مضحك، ومعروف كان الهدف منها تبرير إطلاق سراح القس.
أعتقد أن إطلاق سراح القس الأمريكي آندرو برانسون، بعد نحو عامين قضاهما بين السجن والإقامة الجبرية في تركيا، لم يكن حدثاً مفاجئاً لنا، وقد ذكرنا ذلك في حينه وكنا شبه جازمين بحكم معرفتنا لشخصية أردوغان (البراغماتية)، فهو أكبر سياسي متلون على مستوى العالم، فقد يرى البعض أن ذلك ذكاء منه ويستطيع أن يلعبها صح، ليبقى السؤال الأهم في الموضوع.. لماذا في هذا الوقت بالذات في ظل تصعيد الإعلام الموالي والإعلام القطري والإخواني لاختفاء خاشقجي؟
أخيرا بعد براءة القس الأمريكي وذهابه إلى بلده من المؤكد أن الإعلام الموالي وإعلام قطر والإخوان سينطلقون بحملات التبرير بعد صمت مطبق وبعد أن اتخذوا وضعية الميت، عبر أعذار واهية كما يفعلون دائماً بعدما انحنى الخليفة أردوغان
حين تطلق تركيا سراح القس الأمريكي برانسون وترفع عنه قيود منع السفر بعد اتهامه بتهم كيدية كالتجسس ودعم الإرهاب، وبعد أن دفعت تركيا ثمناً اقتصادياً باهظاً لسجنه، وحاول أردوغان كثيراً مقايضة برانسون بعدوه اللدود كولن الذي قوبل بالرفض، وإطلاقه بهذه السهولة ودون شروط من المؤكد أن يثير لدى الباحث الشك والريبة بعد خطب عصماء وشعبية، مثل لن نتراجع أمام العقوبات ولن نبرم صفقة بشأن القس، وسنتصدى للتهديدات الأمريكية، ولا تنازلات للعقلية الصهيونية الإنجيلية بأمريكا، وترامب لا يخيفنا، حينها تفاخر بها الإخوان والموالون للرئيس التركي كثيراً، وتحدثوا عن السيادة والقوة وعدم الخضوع والخنوع لترامب، وأن ما يحدث لتركيا هي حملة صليبية جديدة، وأعلنوا حينها النفير لدعم الليرة التركية التي تعرضت للسقوط نتيجة التهديدات الأمريكية، والذي لا يشاركهم هو عدو للإسلام، ويعتبر جزءا من حملة إسقاط الإسلام واضمحلاله.
ما حدث في محاكمة القس وتناقض روايات الشهود هي مسرحية وأمر مضحك، ومعروف كان الهدف منها تبرير إطلاق سراح القس، وكيف لأربعة شهود غيروا أقوالهم وبكل سهولة؟ لذا كان الحكم ببراءة القس الأمريكي قضية كشفت لنا عن أكذوبة القضاء التركي، وكذب نظام أردوغان الذي يتوعد بشعارات براقة وفي النهاية ينحني ويسلمه دون شروط، فهل هناك عاقل يثق أو يصدق هؤلاء أو حتى يطمئن لتحقيقاتهم وتصريحاتهم وتسريباتهم في قضية اختفاء خاشقجي؟ وكيف نثق في قضاء يتغير حسب الحاجة وحسب الطلب؟
ما حدث يوضح لنا أن أغلب الخطابات التي تصدر ليست إلا لعبا على الشعوب وجزءا يتنافى مع السياسيات المعلنة، وما يدور خلف الكواليس هو الفيصل في مجريات الأمور، ومن ثم نعود للسؤال.. لماذا في هذا الوقت بالذات تم إطلاق سراح القس؟
يبدو لي أن قضية اختفاء جمال خاشقجي على الأراضي التركية أسهم بشكل أو بآخر في جسر الهوة بين أنقرة وواشنطن، فعلى الرغم من أن قضية اختفاء خاشقجي طارئة، ولا علاقة مباشرة لها بعلاقات البلدين، إلا أنها على ما يبدو سرّعت في عودة الدفء إلى علاقات البلدين، بفضل الاتصالات الأمنية على خلفية اختفاء خاشقجي بعد دخوله لقنصلية بلاده في إسطنبول، كما ظهر في أنباء تداولتها وسائل الإعلام في أكثر من مناسبة.
يرى البعض أن تركيا كالعادة اختارت الوقت المناسب بعدما صعد إعلامها وإعلام الحمدين قضية اختفاء جمال خاشقجي لينشغل بها العامة، بعدما انحنى أردوغان لأمريكا كما انحنى لروسيا، كما أنهم أرادوا كسب صف الإعلام الأمريكي لتوحيد الجبهة الإعلامية مع الغرب ضد السعودية، فحين تجتمع قناة الجزيرة بقضها وقضيضها وتستنفر كل قواها وطاقاتها إلا لشيء خطير يخافون منه، أو أنهم يحاولون التشويش عليه، طبعاً بعد هدف الإساءة للسعودية تدويلها وجعلها قضية رأي عام عالمي، فمن صياحهم نكتشف أن الموضوع فيه فضيحة أو هدف أكبر، وصياحهم فقط للتضليل وهو ما حدث في براءة القس.
بينما يرى آخرون أن برانسون خرج بموجب مفاوضات سياسية، لا استناداً إلى أدلة قضائية قاطعة ببراءته، خاصة أن الحكم حفظ ماء وجه الجانب التركي في ظل الضغط الأمريكي.لذا استغلت تركيا الوقت المناسب لتكسب ما حصل على أراضيها، لتحسين اقتصادها وترتيب علاقاتها مع أمريكا بطريقة هادئة وبعيداً عن الأنظار المركزة حالياً على اختفاء خاشقجي.
أخيرا بعد براءة القس الأمريكي وذهابه إلى بلده من المؤكد أن الإعلام الموالي وإعلام قطر والإخوان سينطلقون بحملات التبرير بعد صمت مطبق وبعد أن اتخذوا وضعية الميت عبر أعذار واهية، كما يفعلون دائماً بعدما انحنى الخليفة أردوغان.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة