تهديد "داعش" لتركيا وقطر.. مؤامرة للتنصل من الإرهاب
تسجيل ظاهره الهجوم والوعيد وباطنه الدفاع عن الدوحة وأنقرة من تهمة دعم التنظيم الإرهابي، التي أصبحت إدانتهما بشأنها واضحة.
في وقت تتزايد فيه الأدلة بشأن العلاقة المباشرة بين تنظيم داعش الإرهابي من جانب وتركيا وقطر من جانب آخر، خرج المتحدّث باسم التنظيم في تسجيل صوتي يهدد الدولتين ويتوعدهما.
تسجيل ظاهره الهجوم والوعيد وباطنه الدفاع عن الدوحة وأنقرة من تهمة دعم التنظيم الإرهابي وتبرئتهما من اتهامات دعم وتمويل الإرهاب، التي أصبحت إدانتهما بشأنها واضحة.
لكن التنظيم الذي أراد أن يبرئ داعميه، قام من حيث لا يدري بتوريطهم أكثر، وفضح تلك المسرحية، فالإعلاميون الممولون من تنظيم "الحمدين"، وذبابه الإلكتروني، سرعان ما تلقفوا التسجيل ونشروه، واعتبره دليلا على براءة قطر من دعم الإرهاب.
وإضافة إلى هذا ثمة أمور لافتة في التسجيل سواء من حيث المحتوى أو التوقيت، تؤكد أنه تم الإيعاز للتنظيم لبثه في الوقت الحالي، لدعم الدولتان الداعمتان له، والتي سبق أن ظهرت أدلة ووثائق، تدينهما بذلك، تستعرضها "العين الإخبارية" في التحليل التالي:
تسجيل داعش
وجّه تنظيم "داعش"، في تسجيل نشر، الخميس، على تطبيق تلجرام تهديدا لقطر وتركيا، واصفا حكامهما بالطواغيت.
وشن هجوما ضد الدوحة على وجه الخصوص، متهما إياها بتقديم الدعم للتحالف الدولي لمكافحة الإرهاب، عبر قاعدة "العديد" الأمريكية الموجودة على أراضيها.
وقال المتحدّث باسم التنظيم أبو حمزة القرشي: "لم ننس يوما أنّ قاعدة العديد التي بناها طواغيت قطر ليستضيفوا فيها الجيش الأمريكي، كانت ومازالت مركز قيادة الحملة الصليبية على المسلمين في خراسان والعراق والشام واليمن"، في إشارة منه إلى التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب بقيادة واشنطن.
كما اتّهم القرشي قطر بـ"تمويل" فصائل منخرطة ضدّ المتطرفين في سوريا والعراق.
كما هاجم المتحدّث باسم التنظيم في التسجيل الذي استمرّ 39 دقيقة، قطر، لتمويلها الحرس الثوري الإيراني وميلشيات الحشد بأكثر من مليار دولار.
الذباب الإلكتروني.. حتى تكتمل المسرحية
ورغم أن التسجيل ظاهره الهجوم على قطر، إلا أنه ثمة عدة أمور يجب التدقيق فيه لمعرفة أهدافه الحقيقية، نذكرها فيما يلي:
- كان لافتا بمجرد بث التسجيل أن تلقفه الإعلاميون الممولون من تنظيم "الحمدين"، وذبابه الإلكتروني، ونشروه، معتبرين إياه دليلا على براءة قطر من دعم الإرهاب.
ومن أبرز هؤلاء ياسر أبوهلالة، مدير قناة "الجزيرة " السابق، الذي غرد قائلا: "الناطق باسم داعش في التسجيل الذي صدر اليوم يهاجم تركيا وقطر ويتوعدها ولا يأتي خلال 40 دقيقة على ذكر السعودية؟".
المعنى نفسه غرد به شاهين السليطي العميد المتقاعد في المخابرات القطرية عبر حسابه في "تويتر"، معتبرا التسجيل يثبت براءة تركيا وقطر.
نفس المعنى تلميحا وتصريحا غردت به الكثير من حسابات الذباب الإلكتروني التابعة لقطر، مروجين أن هذا هو الدليل الأعظم على براءة قطر، بل ويدين دول الرباعي العربي المقاطعة لقطر (السعودية والإمارات والبحرين ومصر)، وهو ما يدل بشكل واضح أن تلك المسرحية تم الإعداد لها في هذا التوقيت تحديدا.
لماذا في هذا التوقيت؟
- يأتي بث هذا التسجيل قبل أيام من ذكرى مرور 3 أعوام على قيام الدول الداعية لمكافحة الإرهاب (السعودية والإمارات والبحرين ومصر) في 5 يونيو/حزيران 2017 بمقاطعة قطر لدعمها الإرهاب، وهي الذكرى التي اعتادت الدوحة فيها تكثيف حملاتها الإعلامية، لتبرئتها من دعم الإرهاب، في مواجهة الغضب المتزايد على سياسات النظام القطري.
- أيضا يأتي بث التسجيل في وقت تزايدت فيه الأدلة على دعم تحالف الشر التركي القطري للإرهاب بشكل عام ولتنظيم داعش بشكل خاص، وخصوصا على خلفية تدخلهم في ليبيا، لدعم ميلشيات فايز السراج، ونقل عناصر "داعش" من سوريا إلى ليبيا بشكل علني ومرصود.
وكان اللواء أحمد المسماري المتحدث باسم الجيش الليبي قد أعلن، الإثنين، أن وحدات القوات المسلحة في محاور طرابلس، ألقت القبض على الداعشي السوري محمد الرويضاني.
وأوضح المسماري أن الرويضاني المكنى "أبوبكر"، هو أحد أخطر عناصر داعش في سوريا، وانتقل إلى ليبيا برعاية المخابرات التركية كأمير لما يعرف بـ"فيلق الشام".
وأشار إلى أن القيادي الداعشي ألقي القبض عليه وهو يقاتل مع مليشيات السراج التي يقودها ضباط أتراك، وشدد على أنه يعد دليلا آخر على العلاقة بين الرئيس التركي رجب أردوغان وتنظيم داعش الإرهابي.
ولطالما اتهم الجيش الليبي تركيا بنقل عناصر من "النصرة سابقاً" وداعش إلى ليبيا للقتال ضمن صفوف ميليشيات حكومة الوفاق.
بدوره، كشف المرصد السوري لحقوق الإنسان، الجمعة، عن استمرار النظام التركي في إغراق ليبيا بالمرتزقة عبر نقلهم من سوريا، مشيرا إلى أن عددهم بلغ 11200 حتى الآن.
وأشار المرصد إلى أن تركيا نقلت عناصر من تنظيم داعش الإرهابي من ريف حمص الشرقي إلى ليبيا للقتال هناك، حيث تحاول أنقرة الخلاص من عبء عناصر داعش في مناطق سيطرتها في سوريا عبر نقلهم إلى ليبيا.
محتوى الهجوم
- وكان لافتا أيضا محتوى الهجوم على قطر، فنص هجوم داعش في حد ذاته يحمل أدلة إدانة قطر، فهل تذكر تنظيم "داعش" فجأة في أول هجوم لفظي له على قطر، أن قاعدة العديد الأمريكية تقع في قطر، وأن قطر سبق وأن مولت غيرهم من الجماعات الإرهابية والطائفية.
وقيام التنظيم باستخدم نفس الأدلة التي تدين قطر بدعم الإرهاب مثل دعم جماعة الإخوان الإرهابية وفدية المليار دولار، في محاولة لتبرئته من دعم تنظيم "داعش" نفسه، فشل في تحقيق هذا الهدف، بل أثبت إدانة قطر.
وفي أبريل/نيسان 2017 أبرمت قطر صفقة مع "حزب الله" –الذي قام بدور الوسيط- للإفراج عن 26 صيادا، عدد منهم ينتمي للأسرة الحاكمة، تم اختطافهم أثناء رحلة صيد على الحدود السورية-العراقية في يناير/كانون الأول 2016، ودفعت أكبر فدية في التاريخ لجماعات إرهابية بلغت مليار دولار.
ومن بين هذه الجماعات والأفراد، كتائب حزب الله في العراق -التي قتلت عسكريين أمريكيين باستخدام عبوات ناسفة-، والجنرال الإيراني قاسم سليماني قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني الذي قتل في غارة أمريكية يناير الماضي، وكذلك هيئة تحرير الشام، التي كان يطلق عليها اسم جبهة النصرة عندما كانت فرعا لتنظيم القاعدة في سوريا.
دعم قطر وتركيا لداعش.. دلائل بالجملة
أما عن دلائل دعم قطر لتنظيم داعش الإرهابي، التي يحاول التنظيم تبرئتها منه، فهي كثيرة منها:
- دعم قناة "الجزيرة" القطرية للتنظيم، فسبق أن استضافت أحد أبرز المدافعين عن تنظيم داعش الإرهابي ويدعى "حسين محمد حسين" في مناظرة ببرنامج الاتجاه المعاكس، وفي سابقة قام بإعلان مبايعة تنظيم داعش على الهواء من قلب قطر داخل ومن داخل قناة "الجزيرة".
في الإطار نفسه، ومنذ ظهور التنظيم وحتى اليوم ترفض قناة الجزيرة تسميته باسم تنظيم داعش بل يتردد في نشراتها وبرامجها باسم "تنظيم الدولة الإسلامية" وتمتنع حتى من وصفه بكلمة الإرهابي، في محاولة واضحة لدعم التنظيم.
- الخسائر الكبيرة التي مني بها تنظيم "داعش" بالتزامن مع مقاطعة دول الرباعي العربي لقطر، أكبر دليل، على دعمه من قطر.
وبعدما سيطر "داعش" عام 2014 على ما يُقارب ثلث مساحة العراق ومساحات شاسعة من سوريا، تكبّد تنظيم داعش خسائر متتالية قبل هزيمته العام الماضي، جاء ذلك بالتزامن مع مقاطعة الدول الأربع لقطر لدعمها الإرهاب، وإجبارها على تقليص دعمها للإرهاب بضغوط دولية، لكنّ عناصر التنظيم يواصلون شنّ اعتداءات دمويّة، خصوصاً في سوريا والعراق.
- أيضا فإن العلاقة بين تنظيم "داعش" وقطر، سبق أن كشف عنها التنظيم الإرهابي ، عندما أصدر عقب مقاطعة دول الرباعي لقطر، بيانا مفضوحا بعنوان "بيان نصرة إخواننا المسلمين في قطر"، أكد فيه تضامنه مع دولة قطر ضد ما وصفه بـ"المحنة من دول الكفر"! ذلك البيان الداعشي الذي صدر عما يعرف بـ"ولاية خراسان" كشف للعالم بشكل جلي عن الارتباط العاطفي والتنظيمي بين قطر وأعتى الجماعات الإرهابية المتطرفة.
- أيضا من الدلائل الواضحة على العلاقة بين قطر والتنظيم، قصة الإرهابي التونسي طارق الحرزي، حيث كشفت وزارة الخزانة الأمريكية في العام 2014 عن حصوله على مليوني دولار من مؤسسة خيرية قطرية لنقلها إلى تنظيم داعش.
وكشفت صحيفة "دايلي ميل" البريطانية آنذاك عن أن مساعدة قطر لداعش تتم من خلال وسيط يدعى طارق الحرزي ويعد أبرز الوسطاء بين قيادة تنظيم داعش والممولين في قطر، بعد قيامه بجمع مليوني دولار من أحد المتبرعين القطريين، حيث سمحت الحكومة القطرية لمواطنيها بجمع الأموال للتنظيمات الإرهابية لتنفيذ عملياتهم في سبتمبر 2014.
- أيضا في إطار تلك الدلائل، تم الكشف في أبريل/نيسان 2019، عن وثيقة تم العثور عليها من بين عشرات الوثائق التي عثرت عليها قوات سوريا الديمقراطية من المناطق التي استعادتها من تنظيم داعش، تفضح علاقة قطر بالتنظيم.
وتظهر الوثائق بعض الجهات التي كانت تعمل مع التنظيم، ومن بين تلك الجهات الهلال الأحمر القطري التي تكشف الوثيقة عمله ضمن مناطق سيطرة تنظيم داعش.
كما أكدت سوريا الديمقراطية أن لديها وثائق تؤكد أن تركيا تستخدم العديد من عناصر داعش في غزوها لشمال سوريا.