زلزال تركيا.. المبنى الصامد ينكأ أنقاض الكارثة (خاص)
تحدى نواميس الجيولوجيا واختار الصمود في زمن الانهيار الكبير، وتشبث بالبقاء في وقت الاندثار، ليكون شاهدا على محنة شعب.
هكذا كتب مبنى غرفة المهندسين المدنيين في كهرمان مرعش، حكمة البقاء من بين ركام زلزالين متتاليين ضربا المقاطعة الإثنين الماضي، لم يسلم منهما البشر والحجر.
في صورة عابرة للمنطق، ظل المبنى صامدا لوحده من بين المئات من المباني، ولسان حاله يقول إن "الزلزال لا يقتل والبناء لا يُهدم".
استثناءٌ بدا كنشاز صارخ وسط الأنقاض، وكسر قاعدة الانهيار الجماعي لدي الطبيعة الغاضبة، لينتقل سريعا من واقعه المشحون بالمأساة إلى العالم الافتراضي، هناك حيث نصبت التحاليل تنشد رؤية منطقية لما حصل.
منتصب القامة ظل المبنى مكابرا رغم الزلزالين المتتاليين 7.7 و7.6 درجة، اللذين ضربا كهرمان مرعش و10 مقاطعات تركية أخرى، وتسببا في مقتل أكثر من 20 ألفا، وجرح نحو 90 ألفا، وتدمير مئات الآلاف من المباني.
زلزال مرّ مرور الكرام
وبينما انتشرت الصورة كالنار في الهشيم على مواقع التواصل الاجتماعي. تلقفها ماهر ألوتاش، رئيس مجلس إدارة غرفة المهندسين الكهربائيين (EMO) ، ليفسر لغز البقاء.
ألوتاش وعلى حسابه في "تويتر"، قال: "المبنى الظاهر في الصورة هو مبنى ممثل مقاطعة كهرمان مرعش التابع لغرفة المهندسين المدنيين".
مضيفا: "لا حاجة لمزيد من الكلمات. العِلم والهندسة كافيان لبناء الهياكل التي ستصمد حتى في مثل هذا الزلزال الكبير. ما دام العلم والتكنولوجيا مطبَّقين لمصلحة الجمهور!".
ألوتاش اكتفى بـ"العلم والهندسة" وترك التفاصيل للمتابعين.
في التفاصيل تكمن الأسرار
إيرول ديميربيك تورك، يرى في تعليقه على الصورة أن "مثل هذه الإنشاءات الصلبة تحدث عندما يتخذ المهندسون جميع القرارات الصحيحة".
ويقول: "سبب بقاء هذا المبنى على حاله هو جودة المواد والتصنيع، والخدمات الهندسية، والأهم من ذلك، عدم وجود نتوءات جانبية في المبنى".
متابع آخر يبدو أن كلام ألوتاش عن "العلم والهندسة" لم يقنعه، وقال: "أنا أتعجب؟ - تم تسجيلهم في غرفة المهندسين المدنيين هذه، والتي ترسم وتوافق على جميع المباني المبنية والمهدمة حديثا.. فأين الهندسة والعلوم؟".
وتابع: "أخطأوا، وأعطوا موافقتهم وجعلوا ذلك ممكناً بمشاريع علمية خاطئة متعددة الطوابق في المكان الخطأ وتسببوا في هدمها".
دروس من التسعينيات
في الزلزال الذي وقع في 17 أغسطس/آب 1999 قبل 24 سنة، وكان مركزه غولجوك، فقد أكثر من 18 ألف شخص حياتهم، فيما أصيب أكثر من 20 ألفا، وتضرر قرابة 300 ألف بناية في مرمرة كلها.
ومع ذلك، في بلدة تافشانجيل التي كانت في مركز الزلزال، لم تتضرر أي مبان ولم يُصب أي أحد.
ذلك الحدث، الذي بدا للوهلة الأولى وكأنه معجزة، كان في الواقع من رحم "العلم وحكمة مسؤولين"، كما تروي إحدى الناجيات لموقع "هابر تورك".
بحسب الموقع، لم تتعرض البلدة الصغيرة لأي ضرر من الدمار الكبير، فكيف حدث هذا؟
في الانتخابات المحلية لعام 1989، تم انتخاب سياسي يُدعى صالح غون رئيسا لبلدية تافشانجيل، البلدة التي كانت تقع على خط صدع شمال الأناضول.
كان عمدة تلك الفترة، صالح غون، على علم بأن البلدة كانت منطقة زلزال، وبالتالي، اتخذ إجراءات بعد فترة وجيزة من توليه منصبه وأعد خطة تقسيم المناطق.
تم تحديد المناطق الخطرة من خلال خطة تقسيم المناطق التي تم إعدادها بالاشتراك مع علماء من جامعة كوجالي، وتم تنفيذ خطة التقسيم بالدراسات التي أجريت مع التقارير المعدة.
مع خطة تقسيم المناطق، تم إدخال حد للطابق المرتفع، ولم يُسمح بالهياكل غير القانونية، ولم يتم التسامح مع أي مبنى لا يتوافق مع خطة تقسيم المناطق.
حتى إن صالح غون تحدى والده من أجل الامتثال لخطة تقسيم المناطق، حيث أراد الأب إضافة طابق إضافي لمنزله، لكنه منع ذلك.
وعلى الرغم من رد فعل سكان البلدة على سياسة تقسيم المناطق الصارمة في ذلك الوقت، إلا أن صالح غون لم يتراجع وفضل خسارة الأصوات بدلا من خسارة الناس.
aXA6IDMuMTUuMjExLjcxIA== جزيرة ام اند امز