انتخابات "قبرص".. "الجزيرة" تبتلع "أطماع" أردوغان
تدخل أنقرة بانتخابات الرئاسية بقبرص التركية يثير القلق بالشارع الذي يرفض بشدة سياسة أردوغان
"على أحر من الجمر" تترقب حكومة العدالة والتنمية بتركيا والرئيس رجب طيب أردوغان شخصيا، نتائج انتخابات الشطر التركي من قبرص خشية إعادة انتخاب مصطفى أكينجي، رئيسا لولاية جديدة.
وخلال معركة شرسة ما بين الارتماء في أحضان تركيا أو استقلال القرار القبرصي بالجزيرة، التي تضم منتجع "فاروشا" على الساحل الشرقي، والذي يوصف بأنه "لؤلؤة قبرص" بالمتوسط، واجه "الرئيس" المنتهية ولايته مصطفى أكينجي، منافسه المرشح المدعوم من تركيا إرسين تتار في دورة ثانية من الانتخابات الرئاسية في جمهورية شمال قبرص التركية المعلنة من جانب واحد.
وبحسب النتائج الأولية، حصل "تتار" على نسبة 32,46% من الأصوات، متقدماً على أكينجي الذي حصل على نسبة 29,73%، فيما حصل تورفان إرهورمان، على نحو 21,62% ، وذلك بعد فرز 723 صندوق اقتراع من أصل 738.
ويتواجه بذلك أكينجي وتتار في الدورة الثانية التي ستجري في 18 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، والتي من المتوقع أن يفوز بها أكينجي حيث يرجح ذاهب أصوات إرهورمان له، بحسب محللين.
وبدأ سكان "جمهورية شمال قبرص التركية" المعلنة من جانب واحد وغير المعترف بها دوليا، التصويت الأحد لانتخاب "رئيس" بعد ثلاثة أيام على إعادة فتح الجيش التركي لمدينة فاروشا المقفرة التي تشكل رمزا لتقسيم الجزيرة المتوسطية.
وفتحت مراكز الاقتراع البالغ عددها 738 أبوابها عند الساعة الثامنة (05.00 ت غ) واستمر التصويت حتى الساعة 18.00 (03.00 ت غ).
وجرت هذه الانتخابات وسط توتر شهده ملف التنقيب عن موارد الطاقة في شرق المتوسط خصوصا بين أنقرة وأثينا الحليفة الرئيسية لجمهورية قبرص التي تسيطر على ثلثي الجزيرة جنوباً والعضو في الاتحاد الأوروبي.
وذكر صحفيون من وكالة "فرانس برس" أن الناخبين الذين وضعوا كمامة ويرتدي بعضهم قفازات، بدأوا التصويت في مدرسة في شمال نيقوسيا.
وأجريت هذه الانتخابات في وقت تشهد العلاقات توتراً حاداً حول استغلال النفط والغاز في شرق البحر المتوسط بين تركيا، الدولة الوحيدة التي تعترف بـ"جمهورية شمال قبرص التركية"، واليونان الحليفة الرئيسية لجمهورية قبرص التي تمارس سلطاتها على ثلثي الجزيرة العضو في الاتحاد الأوروبي منذ 2004.
ورأت ماين يوسيل، مديرة مركز "برولوغ كونسيلتين" لاستطلاعات الرأي، بحسب موقع" أحوال" التركي المعارض، أنه "من المحتمل أن يفوز أكينجي في الدورة الثانية بأكثر من 55 % من الأصوات" بسبب تجيير الأصوات، لا سيما تلك التي حصل عليها إرهورمان.
دعم تركيا لتتار
وتُظهر السلطات التركية دعمها للمرشح إرسين تتار "رئيس وزراء" منطقة شمال قبرص التي يبلغ عدد سكانها أكثر من 300 ألف نسمة.
وأعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الثلاثاء وإلى جانبه تتار، إعادة فتح ساحل مدينة فاروشا المقفرة التي هجرها سكانها القبارصة اليونانيون بعد الغزو.
وأدان الرئيس مصطفى أكينجي ومرشحون آخرون القرار ورأوا فيه تدخلا تركيا في الانتخابات.
كما أدانت هذه الخطوة جمهورية قبرص والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة التي تراقب المنطقة العازلة بين شطري الجزيرة ويطلب أحد قراراتها نقل فاروشا إلى إدارة المنظمة الدولية.
أكينجي يرفض الغزو التركي
ويرفض الرئيس مصطفى أكينجي الاحتلال التركي للجزيرة، ولطالما أكد أن بلاده مستقلة في اتخاذ قرارها السياسي عن تركيا ونظامها بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان.
وعقب إدلائه بصوته قال أكينجي إنّ "هذه الانتخابات محورية لمصيرنا"، مضيفاً أنّ صحة القبارصة الأتراك تثير قلقه في ظل الأزمة الوبائية القائمة ولكن أيضاً "الصحة السياسية" لجمهورية شمال قبرص.
وندد من يؤيد توحيد الجزيرة وتخفيف روابط الشمال مع أنقرة بـ"التدخل التركي" في الانتخابات.
وفي تصريحاته، شدد أكينجي على أن بلاده "مكتفية ذاتيا ولا تتبع وطنا أما"، في رفض واضح لإصرار النظام التركي الدائم على ترديد عبارة "الوطن الأم (في إشارة لتركيا) وصغيرها (في إشارة لقبرص الشمالية)".
وطالب أكينجي النظام التركي بالتخلي عن ترديد هذه العبارة في سبيل تعزيز العلاقات بين الجانبين في المجالات كافة.
أما منافسه المدعوم من تركيا إرسين تتار، فقال بعد اقتراعه إنّ "جمهورية شمال قبرص التركية وشعبها يشكلان دولة (....) نستحق أن نعيش في ضوء سيادة متساوية"، ملمحاً في ذلك إلى دعمه لتقسيم الجزيرة بين دولتين نهائياً.
ومن جانبه يقول بيلج أزجين، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الشرق الأدنى في القسم الشمالي من نيقوسيا المحتلن لموقع " أحوال" التركي المعارض، إن "ناخبي أكينجي يقدرون له قدرته على التأكيد بوضوح على تمسك القبارصة الأتراك بتقرير مصيرهم بأنفسهم"، وهو ما يبدو أنه شعور مشترك في شوارع المدينة.
ويضيف أن تدخل أنقرة جعل من الانتخابات الرئاسية "استفتاء على احترام إرادة القبارصة الأتراك"، مشيرا إلى أن "كثيرين قلقون أيضًا من تدخلات الحكومة التركية في أسلوب حياتهم من خلال تشجيع فتح المدارس الدينية" على وجه الخصوص.
احتلال تركيا للجزيرة
وجمهورية شمال قبرص التركية المعلنة من جانب واحد، هي منطقة لا يعترف بها المجتمع الدولي، باستثناء تركيا التي تديرها بحكم الواقع.
وتبلور التوتر بين المجموعتين اليونانية والتركية في خمسينات القرن الماضي في الجزيرة التي كانت حينها مستعمرة بريطانية.
وكانت الأولى تريد إنشاء اتحاد مع اليونان "البلد الأم"، فيما تدعو الثانية إلى تقسيم الجزيرة وربط نصفها بتركيا والنصف الآخر باليونان.
ولم يضع استقلال الجزيرة المتوسطية في 1960 حداً للخلاف وتأسست قوة سلام تابعة للأمم المتحدة تمركزت فيها في عام 1964 بعد اشتباكات بين المجموعتين.
ففي صيف عام 1974، غزت القوات التركية شمال الجزيرة ثم ضمته، كرد فعل على انقلاب قومي كان يهدف إلى إعادة ربط البلاد باليونان، فيما خلف الصراع المئات من القتلى وحوالي ألفي مفقود وتسبب بنزوح أعداد كبيرة.
وفي 15 نوفمبر/تشرين الثاني 1983، أعلن القبارصة الأتراك بقيادة زعيمهم رؤوف دنكطاش من جانب واحد إنشاء "جمهورية شمال قبرص التركية" التي اعترفت بها تركيا.
وبات يقسم الجزيرة "خط أخضر" بطول نحو 180 كيلومتراً، وهي منطقة عازلة تراقبها بعثة الأمم المتحدة. ويمر هذا الخط بشكل خاص عبر نيقوسيا، آخر عاصمة مقسمة في العالم.
وخلال 1974، عندما فر القبارصة اليونانيون من منتجع فاروشا - ماراس بالتركية - على الساحل الشرقي، حاصرها الجيش التركي بالأسلاك الشائكة ومنع دخولها.
ويطالب قرار للأمم المتحدة، تم تبنيه في 1984 لكنه ظل حبرا على ورق، بتسليم المدينة إلى الأمم المتحدة والسماح بعودة سكانها الأصليين.
لكن "لؤلؤة" قبرص المقفرة المحاذية للمنطقة العازلة، هي مصدر دائم للتوتر بين قسمي الجزيرة.
وفي أبريل/نيسان 2004، طُرحت خطة أعدتها الأمم المتحدة لإعادة توحيد الجزيرة للاستفتاء، وافق الشمال على الخطة ورفضها القبارصة اليونانيون في الجنوب.
وفي مايو/أيار، انضمت جمهورية قبرص إلى الاتحاد الأوروبي.
والجمعة الماضي، أعرب مجلس الأمن الدولي، عن قلقه البالغ من إعلان تركيا فتح ساحل مدينة فاروشا القبرصية.
وفيما دعت الحكومة اليونانية، أنقرة إلى التراجع عن قرار إعادة فتح شاطئ "فاروشا" المهجور، حذرت اليونان من أن أثينا ونيقوسيا مستعدتان لطرح القضية أمام اجتماع لزعماء الاتحاد الأوروبي هذا الأسبوع.