إمام أوغلو.. رجل المعارضة التركية في اختبار السياسة والقضاء

بعد دخوله المؤثر للساحة السياسية عام 2019, حين اُنتخب رئيسا لبلدية إسطنبول، سرعان ما أصبح إمام أوغلو شخصية محورية، وبرز كأبرز مُنافس لأردوغان.
لكنه في بعض النواحي، يسير على خطى الزعيم التركي الذي أدار في التسعينيات، المدينة التي تعتبر "القوة الاقتصادية الكبرى" في البلاد.
إلى جانب قيادتهما لأكبر مدينة في البلاد، ينحدر كلاهما من أصول عائلية في منطقة شرق البحر الأسود، وقد أعاقت المحاكم التركية مسيرتهما السياسية.
في شبابهما، كان كلاهما شغوفا بكرة القدم أيضا.
وبينما يشتركان في قدرة قوية على جذب الناخبين، إلا أنهما يختلفان عندما يتعلق الأمر بالسياسة. وهو ما قالها إمام أوغلو سابقا "أفكارنا متعارضة إلى حد كبير".
وينتمي إمام أوغلو إلى حزب الشعب الجمهوري العلماني، وانضم إليه عام ٢٠٠٨ وأصبح رئيسا لبلدية بيليك دوزو في إسطنبول قبل ١٠ سنوات.
عقبات في مشوار النجاح
بيْد أن النجاح السياسي لأكرم إمام أوغلو، تقابله سلسلة من التحديات القانونية التي يصفها البعض بأنها محاولات لكبح طموحاته الرئاسية لعام 2028.
أحدث هذه التحديات كان توقيفه بتهم فساد، اليوم الأربعاء، في خطوة أثارت ردود فعل واسعة في تركيا، في مقدمتها حزب الشعب الجمهوري المعارض، الذي وصف الخطوة على لسان رئيسه أوزغور أوزيل، بأنها "محاولة انقلاب ضد رئيسنا القادم".
كما تحدثت تقارير إعلامية عن تحقيق ثان في مزاعم مساعدة حزب العمال الكردستاني المحظور والذي تصنفه تركيا منظمة "إرهابية".
وجاءت هذه الخطوة بعد يوم من إلغاء جامعة إسطنبول شهادته، في خطوة تعرقل مشواره للرئاسة، حيث يشترط على المرشحين للرئاسة في تركيا الحصول على شهادة تعليم عالٍ. ومن المتوقع أن يستأنف إمام أوغلو القرار.
وندد منصور يافاش، رئيس بلدية أنقرة والشخصية المحبوبة الأخرى في حزب الشعب الجمهوري، بهذه الخطوة ووصفها بأنها ضربة للديمقراطية، وأعلن تعليق ترشحه للرئاسة حتى يُحل ما وصفه بـ"الظلم" الذي تعرض له إمام أوغلو.
في غضون ذلك، نظم نواب حزب الشعب الجمهوري احتجاجا في البرلمان على القرار، الذي أدى أيضا إلى إلغاء شهادات 28 طالبا آخرين انتقلوا بالمثل إلى جامعة إسطنبول.
وفي تغريدة على إكس، كتب رئيس بلدية إسظنبول "مئات عناصر الشرطة وصلوا إلى منزلي. أسلّم نفسي إلى الشعب".
وأضاف "الشرطة تدهم منزلي، إنهم يطرقون باب منزلي.. أثق في أمتي".
ويقول مراقبون إن توقيفه أو اعتقاله من شأنه أن يعرقل خطط إمام أوغلو لمنافسة أردوغان في الانتخابات المقررة عام 2028، إذ يأتي قبل أيام من موعد تسميته رسميا مرشح حزب المعارضة الرئيسي "حزب الشعب الجمهوري".
ويردد منتقدو أردوغان أن القضاء والحقوق المدنية وحريات الصحافة في تركيا قد تآكلت تحت قيادة أردوغان، وهي اتهامات تنفيها الحكومة.
فمن هو أكرم إمام أوغلو؟
وُلد إمام أوغلو في أكشابات، وهي بلدة ساحلية على ساحل البحر الأسود في تركيا، وقضى هناك ما يصفه بطفولة سعيدة وسط طبيعتها الخضراء اليانعة وبحرها الهائج وشوارعها الحجرية، قبل أن ينتقل إلى إسطنبول في سن المراهقة.
درس في جامعة إسطنبول وتخرج في إدارة الأعمال عام ١٩٩٤، وهو العام الذي أصبح فيه أردوغان عمدة، قبل أن يتجه إلى العمل في مجال البناء الذي تملكه عائلته.
وأكرم إمام أوغلو متزوج ولديه ثلاثة أطفال.
لم يكن معروفا سياسيا حتى تمكن من إقصاء حزب "العدالة والتنمية" بزعامة أردوغان وحلفائه عام ٢٠١٩ من هيمنتهم التي استمرت ٢٥ عاما على المدينة التي يبلغ عدد سكانها ١٦ مليون نسمة، والتي كان الرئيس نفسه رئيسا لبلديتها.
وكما أظهر مسار أردوغان المهني، يقول مراقبون إن إدارة هذه المدينة الكبرى طريق مُجرّب ومختبر للوصول إلى السلطة الوطنية.
بعد أن جُرّد من الفوز في البداية عند إلغاء التصويت، فاز بفارق أكبر في جولة إعادة بعد ثلاثة أشهر.
قال لأتباعه المبتهجين آنذاك: "لقد فتحتم بابا لمستقبل جديد. من الآن فصاعدا، ستكون تركيا بلدا مختلفا".
تراكمت القضايا القانونية
في عام ٢٠٢٢، أُدين إمام أوغلو بتهمة التشهير لوصفه مسؤولي الانتخابات في إسطنبول بـ"الحمقى"، وحُكم عليه بالسجن لمدة عامين وسبعة أشهر.
استأنف الحكم، لكن النتيجة لا تزال معلقة، حيث دفع التهديد المستمر بالسجن حزب الشعب الجمهوري إلى عدم ترشيحه للانتخابات الرئاسية لعام ٢٠٢٣.
وُجهت إليه تهمة فساد أخرى في عام ٢٠٢٣، يقال إنها مرتبطة بتزوير مناقصات أثناء توليه منصب رئيس بلدية بيليك دوزو، إحدى مقاطعات إسطنبول.
في نوفمبر/تشرين الثاني، رفع أردوغان دعوى قضائية ضد إمام أوغلو بتهمة التشهير، مما أثار احتمال محاكمته بتهمة إهانة الرئيس - وهي جريمة تصل عقوبتها إلى السجن أربع سنوات.
في يناير/كانون الثاني، فتح الادعاء تحقيقين جديدين حول تصريحاته بشأن المدعي العام في إسطنبول وخبير عيّنته المحكمة في قضايا ضد بلديات يديرها حزب الشعب الجمهوري.
صاحب الكلام المعسول
وبصفته مسلما ملتزما دينيا في حزب علماني، حظي السياسي ذو الكلام المعسول بدعم طيف واسع من الناخبين.
ويعتقد مراقبون أن الرجل يمكنه جذب جميع شرائح ناخبي المعارضة، سواء كانوا أتراكا أو أكرادا، سُنة أو علويين، شبابا أو كبارا.
وقد اتبع نهجا حذرا في التعامل مع قضايا حساسة، مثل زواج المثليين المحظور في تركيا.
وقال في مقابلة تلفزيونية عام 2020: "أنا شخص يحترم الحريات... لكن مجتمعنا ليس مستعدا بعد للسماح بزواج المثليين".
شكري كوتشوك شاهين، الذي عمل معه في الحملة الانتخابية لعام ٢٠١٩، قال لوكالة فرانس برس: "يتواصل إمام أوغلو جيدا مع الجمهور، فهو يُقدم إجابات صادقة، ويستطيع التواصل بسهولة مع الناس".
لكنه، مثل أردوغان، يتمتع إمام أوغلو أيضا بـ"مزاج البحر الأسود"، بحسب شاهين. في إشارة إلى الأشخاص المعروفين بصراحتهم وعنادهم الشديد في كثير من الأحيان.
aXA6IDE4LjE5MS4xMzYuMTA5IA==
جزيرة ام اند امز