"عدوانية أردوغان".. هل يستخدم العراق أوراقه لكبح تركيا؟
واصلت أنقرة سياساتها العدوانية تجاه العراق دون الاكتراث لمواثيق حسن الجوار وحقوق سيادة البلدان على أراضيها.
فاليوم الأربعاء أعلنت وزارة الدفاع التركية إطلاق عملية عسكرية في شمال العراق بذريعة ملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني المعارض.
وحملت العملية اسم "مخلب النسر 2"، والتي تأتي استكمالاً للحملة العسكرية التي بدأتها في يونيو/حزيران من العام الماضي بتعقب عناصر حزب العمال الكردستاني، المناهضين لسياسات تركيا المحلية والخارجية.
ورغم الاحتجاجات المستمرة وأساليب التنديد التي أعلنتها بغداد بوجه حكومة أردوغان مراراً وتكراراً إلا أن الأخير لم يكترث لتلك المطالبات واستمر في توسيع نطاق عملياته العسكرية بعمق يصل لأكثر من 150 كليومترا داخل الأراضي العراقية.
وكان العراق سلم الجانب التركي مذكرتي احتجاج إلى السفير التركي ببغداد، في أوقات متفرقة من العام الماضي، وهدد بتدويل القضية واللجوء إلى مجلس الأمن الدولي.
وفي أغسطس/ أب الماضي، حاصر عشرات المتظاهرين مبنى السفارة التركية ببغداد، تنديداً بحادثة مقتل أربعة عناصر أمن من حرس الحدود بمنطقة سيدكان في محافظة أربيل بغارة جوية من طائرة تركية مسيرة.
وتصاعدت دعوات ومطالب في الأوساط العامة والشعبية بضرورة قطع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع تركيا وتعطيل جميع مصالحها في العراق. وطالبوا بوضع حد لعمليات انقرة العسكرية في شمال العراق.
وأسفرت العمليتان العسكريتان المتزامنتين التي أطلقتهما تركيا في شمال العراق، العام الماضي، واللتان حملا اسم "مخلب النمر"، ومخلب النسر"، عن مقتل نحو 20 شخص وجرح العشرات فضلاً عن التسبب بحركة نزوح لسكان أهل القرى الحدودية والحاق أضرار مادية بالممتلكات العامة والخاصة.
ورغم ذلك بقيت البضائع التركية تتدفق إلى العراق ولم تنقطع ممرات التصدير لتبقى متصدرة في حجم التبادل التجاري مع بغداد بنحو 12 مليار دولار سنويا، وفق إحصائيات شبه رسمية.
كما لم تفلح التحركات الدبلوماسية بين أنقرة وبغداد والتي توجت مؤخراً بزيارة رئيس وزراء العراق مصطفى الكاظمي إلى تركيا قبل نحو شهر ، من إثناء أردوغان عن مواصلة نزعته العدوانية تجاه العراق.
وبدلاً من التراجع عن سياساتها العسكرية داخل العمق العراق في الشريط الحدودي الممتد مع إقليم كردستان عقب تلك الاعتداءات السافرة طوال العام الماضي، باتت تركيا تُجهز لحملات عسكرية أكبر تحت ذرائع واهية، بحسب المراقبين للشأن السياسي.
وحتى كتابة التقرير، لم تصدر حكومة بغداد، أي موقف رسمي إزاء تلك العمليات العدوانية ماعدا تصريحات نيابية شحيحة وموجزة.
وفي أول رد فعل عراقي، قال النائب عن لجنة الأمن والدفاع النيابية، كاطع الركابي، في حديث لـ"العين الإخبارية"، إن "حجم الاعتداءات التركية وإصرار أنقرة على الإنغماس أكثر في عمق الأراضي العراقية يتطلب موقفاً موحداً وحازماً لا يقف عند حدود الاستنكار وبيانات التنديد"، لافتا إلى أن الهجوم التركي"انتهاكاً صارخاً لسيادة البلاد وأمنه".
واستدرك أن "البرلمان العراقي سيكون له موقف من تلك الاعتداءات، خلال مناقشة ذلك التطور مع الجهات الأمنية المسؤولة عن ذلك الملف بغرض اختيار الرد المناسب"، مرجحاً اللجوء إلى "المجتمع الدولي لرد تلك الاعتداءات المستمرة".
فيمايرى مراقبون للشأن السياسي العراقي، أن تركيا تستغل حالة التناحر السياسي في العراق ما بعد 2003، للقفز على الاتفاقية الموقعة بين بغداد وأنقرة إبان حكم صدام حسين والتي تخول أنقرة التدخل العسكري داخل الأراضي العراقية بعمق 15 كليو متر لملاحقة البككا المعارضين".
ويقول المحلل السياسي حمزة مصطفى، خلال حديث لـ"العين الإخبارية"، أن "إنقرة تستثمر حالة عدم الاستقرار في العراق واضطراب الأوضاع لتصل بعمق أكثر بقواتها العسكرية وهو ما يمثل انتهاكاً صريحاً لا يشوبه أي شك".
وبشأن حجم الرد العراقي توقع مصطفى أن "لا يكون هنالك تحرك عسكري لبغداد إزاء تلك العملية العسكرية وما سبقها لكون أن الأخيرة لا تريد فتح جبهة في ظل أزماتها المتناثرة هنا وهناك ".
واستدرك بقول إن "طبيعة المشهد معقد ومتراكب بين بغداد وأنقرة، خاصة أن تركيا تمتلك ورقة ضغط كبيرة تجاه العراق تتثمل في التهديد بتجفيف منابع مياه دجلة بعد استكمال سد "اليسو" وهو ما يخشاه العراقيون.
من جانبه قال الخبير الأمني، سرمد البياتي، إن "أنقرة تواصل انتهاكاتها العسكرية في العراق لأنها تنظر إلى إقليم كردستان جزءاً منفصلاً عن العراق وليس لحكومة بغداد وقواتها دور ومساحة للتحرك في ذلك الأمر".
ويتابع البياتي لـ "العين الإخبارية"، أن "إيقاف التدخلات التركية يحتاج إلى بنية سياسية عراقية صلبة تجتمع عندها جميع الرؤى الوطنية بغض النظر عن الهوية والقومية والمذهب".
إلا أن مؤيد الجحيشي، الخبير الأمني والمحلل السياسي، فقال إن بغداد لديها أوراق ضغط ومفاتيح حلول بالإمكان الاستفادة منها في كبح الجموح العسكري التركي ورغبته العارمة في التمدد على حساب خرائط الدول".
ويضيف خلال حديثه لـ"العين الإخبارية"، أن "العراق يشكل واحد من الأسواق الكبيرة للبضائع التركية فضلاً عن حجم الاستثمارات الكبيرة في البلاد وإذا ما توفر رجال دولة حقيقيون ستبرز تلك البطاقات على رقع التفاوض مع انقرة ".