تركيا بعد زلزال المحليات.. خبراء يستشرفون المستقبل لـ«العين الإخبارية»
زلزال سياسي كبير وأسوأ انتكاسة انتخابية، هكذا هي حالة حزب العدالة والتنمية الحاكم بتركيا بعد الهزيمة في انتخابات المحلية.
وليت الأمر يتوقف بالنسبة لحزب الرئيس رجب أردوغان عند هذا الحد، بل إن خبراء ومراقبين يرون أن التأثيرات السلبية لتلك الهزيمة ستمتد توابعها إلى استحقاقات انتخابية قادمة.
وأسفرت نتائج الانتخابات المحلية عن حلول حزب الشعب الجمهوري في المرتبة الأولى، لا سيما احتفاظه بالعاصمة أنقرة ومدينة إسطنبول، كما تمدد جغرافيا بالفوز ببعض مناطق الأناضول، بعد أن كان وجوده يقتصر بصفة رئيسية على المدن الساحلية.
- 4 حقائق كرستها نتائج الانتخابات المحلية في تركيا
- لأول مرة منذ 22 عاما.. «الأحمر» يكتسح تركيا على حساب حزب أردوغان
زلزال سياسي
وفي تعقيبه على النتائج وتداعياتها، وصف الكاتب والمحلل السياسي التركي محمود علوش تلك النتائج بالزلزال السياسي الكبير، إذ لم تكن متوقعة في أفضل السيناريوهات داخل حزب الشعب الجمهوري، وأسوأ السيناريوهات داخل حزب العدالة والتنمية الحاكم.
ورأى علوش، في تصريحات لـ"العين الإخبارية"، أن "النتيجة ستكون لها تداعيات كبيرة على الحالة السياسية داخل البلاد، وأيضا على حالة الحشد في صفوف المعارضة، لا سيما بعد فشل الحزب الحاكم في استرداد بلديتي أنقرة وإسطنبول.
وشرح المحلل السياسي التركي دلالات النتائج، إذ قال إن "حزب المعارضة الرئيسي نجح في الاحتفاظ ليس فقط بزعامته على أكبر مدينتين، إسطنبول وأنقرة، بل تصدر قائمة الأحزاب السياسية على مستوى التصويت الوطني للمرة الأولى منذ سبعينيات القرن الماضي".
وأشار إلى أن أكرم إمام أوغلو، رئيس بلدية إسطنبول الفائز بولاية جديدة، نجح في تعزيز زعامته وتطويرها من مستوى إسطنبول إلى مستوى قيادي داخل حزب الشعب الجمهوري، بل كزعيم جديد للمعارضة قادر على تهديد هيمنة حزب العدالة والتنمية.
إعادة تشكيل الخارطة السياسية
وقد حملت الانتخابات مفارقات بشأن نتائج الأحزاب، إذ استطاع حزب الرفاه الجديد الحصول على أصوات نحو 6.2 تقريبا على مستوى تركيا، وهي نسبة كبيرة، فيما جاءت النتائج مخيبة للآمال داخل حزب الجيد، وكذلك حزب الحركة القومية.
وعن وضع الأحزاب، قال علوش إن النتائج جاءت مخيبة للآمال بالنسبة لحزب "الجيد"، وتمثل تهديدا وجوديا له، ربما يؤدي إلى انهياره، كما حملت إشارة إلى صعود المحافظين الجدد، أي حزب "الرفاه الجديد".
واعتبر المحلل السياسي التركي أن هذا الصعود يعيد تشكيل الخارطة الحزبية بتركيا، لا سيما على صعيد الطبقة والأصوات المحافظة لها، مشيرا إلى أن تركيا دخلت حالة من الاستقطاب السياسي عقب انتخابات المحليات، ستكون أكثر شدة مقارنة بما كان عليه الوضع بعد انتخابات 2019.
ورقة "أردوغان" الأخيرة
وذهب المحلل السياسي التركي، في تقديره، إلى أن المعارضة ستسعى إلى التركيز على الترويج لفكرة إجراء انتخابات عامة مبكرة، وهي فكرة ليست في مصلحة أردوغان.
وأكد علوش أن أولويات الرئيس التركي أردوغان سترتكز على معالجة الأوضاع الاقتصادية، لأنها الورقة الوحيدة المتبقية أمامه، للتعويض النسبي للتحول الذي جرى في الانتخابات المحلية.
وقال إن "أردوغان سيعمل على إنجاح خطة التعافي الاقتصادي، كهدف قبل دخول ولايته الرئاسية الحالية (تنتهي في 2028) الربع الأخير لها".
وحصل حزب الشعب الجمهوري على 37% من الأصوات على مستوى البلاد، مقارنة بـ36% لحزب العدالة والتنمية، بما يمثل أكبر انتصار انتخابي للمعارضة منذ وصول أردوغان إلى السلطة قبل أكثر من عقدين من الزمن.
أسباب التراجع
أسباب التراجع لحزب العدالة والتنمية كانت موضع اهتمام كبير، إذ قال الكاتب بصحيفة "خبر تورك"التركية بولنت أيديمير إن الصعوبات الاقتصادية كانت عاملا بارزا في الخسارة، بنسبة تصل إلى نحو 70%، لأنها أحدثت تأثيرا كبيرا في العديد من شرائح المجتمع مثل المتقاعدين.
وقال إنه حتى اللحظة الأخيرة لم يكن من الممكن تلبية توقعات المتقاعدين بشأن زيادة الرواتب، ما دفعهم إلى أن يكون لهم رد فعل في هذه الانتخابات، والبحث عن بدائل.
وبشأن تقدم حزب "الرفاه الجديد"، يقول أيديمير إن جانبا كبيرا من الناخبين المستائين من حزب العدالة والتنمية ذهبوا إلى عدم التصويت، أما الشريحة الباقية اتجهت إلى حزب "الرفاه الجديد"، بدلا من التوجه لحزب "الشعب الجمهوري".
وعن تأثير الناخبين الأكراد، قال أيديمير إن التحالف بين حزب الحركة القومية والعدالة والتنمية أزعج الناخبين الأكراد، مشيرا إلى تصويت أعداد منهم لصالح المعارضة في أنقرة وإسطنبول.
موقف الحزب الحاكم
وحول موقف الحزب الحاكم بتركيا، قال الكاتب والباحث السياسي التركي الدكتور طه عودة أوغلو، لـ"العين الإخبارية" إن "فوز المعارضة يضع الحزب الحاكم في موقف حرج، بعد تعرضه لأكبر انتكاسة انتخابية منذ تأسيسه".
وأضاف أن "النتائج أحدثت تغييرا في المعادلة السياسية الحالية، ووضعت أيضا عنوانا جديدا أو مشهدا جديدا في السياسة التركية بعد عقدين من الزمن، سيطر خلالهما أردوغان" على المشهد بشكل كامل"، وفقا لأوغلو.
وإضافة للعامل الاقتصادي، كسبب في تراجع أصوات الحزب الحاكم في المحليات، نبه فراس رضوان الباحث السياسي التركي، في تصريحات لـ"العين الإخبارية"، إلى أن الرغبة في التغيير دفعت شريحة كبيرة، حتى من مؤيدي أردوغان، إلى التصويت للمعارضة، من أجل تغيير الوجوه في ظل الوضع الاقتصادي والمعيشي الحالي.
وفي هذا الصدد، أشار إلى أن النتائج لا تعكس تأييدا واضحا للشعب الجمهوري، بقدر الرفض لبعض السياسات الحالية والرغبة في التغيير، ورغبة الأتراك في إحداث التوازن اللازم في الحياة السياسية، حسب قوله.
واعترف أردوغان بالانتكاسة الانتخابية في خطاب ألقاه من شرفة القصر الرئاسي، ووعد بالاستماع إلى الرسالة التي يوجهها الناخبون الأتراك.