«العمال الكردستاني» والسلاح.. هل تكتب دعوة أوجلان الفصل الأخير؟

لطالما كانت العلاقة بين حزب العمال الكردستاني وتركيا محكومة بصراع ممتد لأكثر من أربعة عقود، حيث فشلت جميع المبادرات السابقة في تحقيق اختراق حقيقي نحو السلام.
لكن دعوة الزعيم الكردي عبد الله أوجلان الأخيرة، التي جاءت من داخل سجنه في إمرالي، تعيد طرح سؤال جوهري: هل نحن أمام منعطف تاريخي حقيقي أم مجرد محطة جديدة في لعبة التوازنات السياسية؟
وكان أوجلان دعا حزب العمال الكردستاني الذي أسسه إلى إلقاء السلاح وحل نفسه، في دعوة تأتي وسط مشهد إقليمي ودولي متغير، حيث تواجه القوى الكردية المسلحة ضغوطًا متزايدة من أطراف متعددة، بما في ذلك تركيا والولايات المتحدة. في المقابل، تبدو أنقرة أكثر حرصًا على إعادة صياغة المشهد الكردي بما يخدم استراتيجياتها السياسية والأمنية، خاصة في ظل المتغيرات الجيوسياسية في سوريا والعراق.
لكن السؤال الأهم يبقى: هل يملك أوجلان، الذي فقد الكثير من نفوذه المباشر داخل الحزب، القدرة على فرض رؤيته؟ وهل تتلاقى المصالح الدولية والإقليمية لتسهيل تنفيذ هذه الدعوة، أم أنها مجرد ورقة أخرى في لعبة معقدة تتداخل فيها الحسابات السياسية والعسكرية؟
مواقف إقليمية
يقول الدكتور سُرحات سُها تشوبوكشوأوغلو، الباحث الأول في TRENDS Research & Advisory وخبير الجيوبوليتيك، في حديث لـ«العين تركية»، إن القضية لا تقتصر على أوجلان وحزب العمال الكردستاني فقط، بل تشمل -أيضًا- الجهات الفاعلة في شمال العراق وسوريا، مما يجعل ردود الفعل على هذه الدعوة متعددة الأبعاد.
وتوقع تشوبوكشوأوغلو، ألا يستجيب حزب العمال الكردستاني لهذه الدعوة بشكل إيجابي، مشيرًا إلى أن قادة الحزب سبق وأن تعاملوا مع دعوات مماثلة بطريقة تبادل الرسائل، والمماطلة في اتخاذ قرارات حاسمة.
إلا أن هذه الدعوة يجب أن تؤخذ في سياق المواقف الإقليمية، وخاصة موقف قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، حيث إن رد فعلها سيكون له تأثير على مستقبل هذه المبادرة.
وقبل إعلان أوجلان دعوته، قام وفد من حزب DEM بزيارة إ شمال العراق، حيث التقى بقادة حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل، كما أجرى مناقشات مع زعيم إقليم كردستان مسعود بارزاني.
وتخضع قوات سوريا الديمقراطية بشكل مباشر للنفوذ الأمريكي، وقد تم تزويدها بالسلاح والتدريب على مدى سنوات، ما يعني أنه لا يمكن أن تتخلى عن أسلحتها لمجرد دعوة من أوجلان، دون الأخذ بعين الاعتبار مصالح الدول التي تدعمها، بحسب تشوبوكشوأوغلو.
وتساءل: حتى لو أعلن حزب العمال الكردستاني وقف إطلاق النار، فإلى أين سيذهب سلاحه؟ هل سيعود مقاتلوه إلى تركيا ويسلمون أنفسهم؟ هذا غير مرجح.
مرحلة جديدة؟
يرى تشوبوكشوأوغلو أن دعوة أوجلان لا تقتصر على حزب العمال الكردستاني، بل قد تؤدي -أيضًا- إلى تغييرات في العلاقات السياسية بين الأحزاب التركية، وخاصة بين حزب العدالة والتنمية وحزب DEM الكردي، مشيرًا إلى أنها قد تمثل محاولة لفصل حزب DEM عن «العمال الكردستاني»، مما يمنح الحزب الكردي مساحة أكبر للعمل السياسي المستقل.
وأشار تشوبوكشوأوغلو إلى أن حزب DEM قد يربط هذه العملية بمطالب سياسية مثل إنهاء تعيين الوصاة على البلديات الكردية، والاعتراف بالتعليم باللغة الكردية، وإجراء تعديلات في هيكل النظام الإداري في تركيا.
وأضاف أن دعوة أوجلان ليست نهاية للقضية، بل بداية لمفاوضات جديدة، حيث ستُطرح مطالب سياسية أخرى في المستقبل، وقد يتم استخدامها كأداة تفاوضية من قبل مختلف الأطراف.
ويرى تشوبوكشوأوغلو أن دعوة أوجلان هي خطوة سياسية وليست مبادرة نهائية لوضع حد للنزاع، فهناك العديد من العوامل التي ستحدد كيف سيتطور هذا الأمر، أبرزها:
- رد فعل حزب العمال الكردستاني: من غير المرجح أن يتخلى الحزب عن السلاح بالكامل.
- موقف قوات سوريا الديمقراطية: قد تتباين ردود أفعالها، وخاصة بسبب العلاقات مع الولايات المتحدة.
- العلاقة بين حزب DEM والحكومة التركية: قد تؤدي هذه الدعوة إلى إعادة تشكيل التحالفات السياسية.
- موقف الحكومة التركية: من المستبعد أن تقدم تنازلات كبرى، لكنها قد تستخدم هذه الدعوة لتعزيز سياساتها بالمنطقة.
بدوره، قال المحلل السياسي التركي بارين كايا أوغلو في حديث لـ«العين تركية»، إن وجود حزب العمال الكردستاني في سوريا مرتبط بشكل مباشر بالسياسات الأمريكية في المنطقة، مشيرًا إلى أنه إذا انسحبت الولايات المتحدة من سوريا، فقد يجد التنظيم نفسه في حالة من الفوضى.
وتوقع المحلل السياسي التركي بارين كايا أوغلو في حديث لـ«العين تركي»، أن يحاول حزب العمال الكردستاني المماطلة بدلًا من الالتزام بنزع السلاح، إلا أنه نظرًا لمخاوف تركيا الأمنية، فمن غير المحتمل أن تقدم الحكومة تنازلات كبيرة لمطالب حزب العمال الكردستاني.
وحتى لو بدأت عملية نزع السلاح، فإن حل الصراع يتطلب تسوية واضحة للوضع في كل من سوريا والعراق، بحسب كايا أوغلو الذي يرى أن إمكانية تخلي حزب العمال الكردستاني عن السلاح تظل غير مؤكدة، حيث يعتمد الأمر على التوازنات العسكرية والمواقف الدولية.
لاعب سياسي جديد؟
فيما يرى حسن طاشقين، رئيس المجلس العالمي للصحافة الإلكترونية، في تصريحات لـ«العين التركية»، أن أوجلان يسعى إلى تقديم نفسه كـ«مهندس التغيير من خلال التأكيد على الحوار بدلًا من الكفاح المسلح».
وأوضح أن دعوة أوجلان محاولة لإعادة دمجه سياسيا عبر التنظيمات القانونية في أوروبا، مشيرًا إلى أن التطورات الجيوسياسية في سوريا، لا سيما انسحاب روسيا المحتمل، تهدد وجود حزب العمال الكردستاني في روجافا.
«علاوة على ذلك، فإن هناك خلافا داخليا بين قيادة جبل قنديل والمجموعات في باكور وقامشلو، مما يعزز مكانة أوجلان كمفاوض سياسي، وبالتالي، يمكن تفسير الضوء الأخضر على أنه محاولة للحزب لإعادة التموضع في الساحة الدولية»، يقول طاشقين.
وفيما قال إن غياب التأكيد على التخلي عن السلاح يعكس استمرار حالة الغموض الاستراتيجي لدى حزب العمال الكردستاني، أشار إلى أن الجهود الأوروبية لإزالة الحزب من قائمة المنظمات الإرهابية تعطي الحزب مساحة أكبر للمناورة السياسية.
لكن في الوقت ذاته، هناك تناقض واضح؛ إذ إن وجود معسكرات التدريب المسلح في قنديل يتناقض مع أي نية حقيقية لإلقاء السلاح، كما أن خطاب «العالم سيتغير يشير إلى محاولة الحزب الاستفادة من إعادة تشكيل المشهد الجيوسياسي بعد هزيمة تنظيم داعش».
إضفاء للشرعية على مصادر تمويل الحزب؟
يقول حسن طاشقين، إن حزب العمال الكردستاني يعتمد على مصادر دخل غير قانونية، فهو يحقق وفقًا لتقرير الإنتربول لعام 2024، إيرادات سنوية تصل إلى 1.2 مليار يورو من أنشطة غير مشروعة في أوروبا، بما في ذلك تجارة المخدرات وعمليات الابتزاز.
إضافة إلى ذلك، فإن معاملاته باستخدام العملات الرقمية زادت بنسبة 40%، مما يشير إلى أن هناك جهودًا لشرعنة هذه الأنشطة عبر مؤسسات مسجلة في هولندا وبلجيكا، يضيف طاشقين.
وبحسب حسن طاشقين، فإنه كانت هناك محاولة مماثلة في عام 1999 لإٕعادة تشكيل المشهد السياسي بعد اعتقال أوجلان، وهو ما يعاد اليوم، إلا أن النتيجة النهائية ستعتمد على موقف الدولة التركية، مشيرًا إلى أن إنهاء نشاط حزب العمال الكردستاني لن يتحقق إلا عبر تفوق القوات المسلحة التركية في الميدان، والسياسات الصارمة لحزب الحركة القومية.
aXA6IDE4LjIxNi4xNi40NCA= جزيرة ام اند امز