تركيا وإسرائيل على خط التماس السوري.. «محادثات فنية» لتفادي الصدام

بينما تعزز تركيا من وجودها العسكري على خط التماس مع سوريا، تجد إسرائيل نفسها أمام واقع استراتيجي جديد يستدعي إعادة تقييم حدود نفوذها.
وفي هذا السياق، أعلنت أنقرة عن محادثات «فنية» مع إسرائيل لتفادي التصادم في المجال السوري، مع تشديد تركي على أن الأمر لا يعني بأي حال من الأحوال عودة إلى مسار تطبيع العلاقات.
التنسيق الأمني
أكد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان أن بلاده تجري محادثات على المستوى الفني مع إسرائيل، تتعلق بتفادي الاشتباك في المجال الجوي السوري، لا سيما في ظل العمليات التي تنفذها القوات التركية شمال البلاد.
وفي تصريحات تلفزيونية لقناة «سي إن إن تورك»، أوضح فيدان أن تركيا وإسرائيل تتحركان في فضاء عملياتي مشترك، شأنهما في ذلك شأن التنسيق القائم بين أنقرة من جهة والولايات المتحدة وروسيا من جهة أخرى، لتفادي وقوع حوادث أو مواجهات غير مقصودة.
وقال فيدان: «عندما تنفذ القوات التركية عمليات معينة في سوريا، فمن الطبيعي أن يكون هناك نوع من آليات تفادي الصدام، كما هو الحال مع الأميركيين والروس. لذلك فإن الاتصال على المستوى الفني أمر متوقع».
تُجمّد المسارات السياسية
لكن الوزير التركي حرص على التمييز بين التنسيق الأمني المؤقت وبين أي تقارب سياسي، مؤكدًا أن الظروف الحالية—خصوصًا في ظل الهجوم الإسرائيلي على غزة—لا تسمح على الإطلاق بعودة العلاقات إلى مسار التطبيع.
وأشار فيدان إلى أن تركيا لا تزال تعتبر إسرائيل مسؤولة عن ارتكاب «إبادة جماعية» في القطاع، وهو الموقف الذي صعّده الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال الأشهر الأخيرة، متهمًا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بممارسة «إرهاب الدولة».
وفي خطوة تصعيدية، علّقت تركيا تعاملاتها التجارية مع إسرائيل، في وقت تسعى فيه أنقرة إلى تعزيز حضورها الرمزي والسياسي في قضايا العالم الإسلامي، وتحديدًا في ملف غزة الذي يشكل نقطة إجماع نادرة في الداخل التركي.
معادلة جديدة في سوريا
ومع سقوط نظام الأسد في ديسمبر/كانون الأول الماضي، تُعيد تركيا ترسيم حدود نفوذها في شمال سوريا، مستندة إلى تحالف الفصائل التي دعمتها على مدار السنوات الماضية.
ويبدو أن أنقرة باتت تتعامل مع شمال سوريا بوصفه منطقة نفوذ مباشر، ما يستوجب ترتيبات أمنية مع الفاعلين الآخرين، حتى أولئك الذين تجمعها بهم خصومة سياسية كإسرائيل.
وبالرغم من الاختلافات الحادة بين الجانبين، فإن تركيا—بوصفها قوة ميدانية فاعلة على الأرض—تدرك أن التصادم مع إسرائيل في الأجواء السورية قد يؤدي إلى اشتباك إقليمي غير محسوب العواقب، خصوصًا أن الطرفين يتحركان في مساحات متقاربة.
ترامب يدخل على الخط
اللافت أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أبدى استعداده للوساطة بين إسرائيل وتركيا، خلال لقائه الأخير بنتنياهو في البيت الأبيض، مشيرًا إلى علاقته الشخصية «الرائعة» بالرئيس أردوغان.
وبالرغم من أن هذا العرض قد يبدو رمزيًا، إلا أنه يعكس رغبة أمريكية في احتواء أي تصعيد محتمل بين حليفين رئيسيين لواشنطن، كلٌ لأسبابه وظروفه.
لكن من غير المتوقع أن تنجح أي وساطة في هذه المرحلة، خاصة أن القضية الفلسطينية باتت حاضرة بقوة في الخطاب التركي، وأي تقارب علني مع تل أبيب سيُعد انتحارًا سياسيًا لأي طرف تركي يغامر به.
المحادثات «الفنية» بين أنقرة وتل أبيب لا تعبّر عن تحوّل استراتيجي بقدر ما تعكس واقعًا ميدانيًا تفرضه العمليات المتزامنة في الجبهة السورية.
وبينما تحرص تركيا على منع الاشتباك المباشر مع إسرائيل، فإنها في الوقت ذاته تشدد على الفصل التام بين الضرورات العسكرية المؤقتة وأي شكل من أشكال التطبيع السياسي.
في المقابل، تبقى إسرائيل حذرة من تمدد تركي لا يمكن التنبؤ بتداعياته، في وقت يتغير فيه المشهد السوري على نحو غير مسبوق.
وبين خطوط النار في الشمال السوري، يبدو أن حلفاء الأمس و«خصوم اليوم» مضطرون للتفاهم، ولو بالحدود الدنيا.
aXA6IDMuMTM4LjE4MS4xNTcg جزيرة ام اند امز