«نداء الإمارات» و«فظائع السودان».. رسائل ودلالات
دعوة إماراتية بمجلس حقوق الإنسان الأممي لمحاسبة مرتكبي «الفظائع» بالسودان من الطرفين، تحمل رسائل ودلالات مهمة.
رسائل ودلالات تكشف في مجملها انحياز دولة الإمارات المطلق للشعب السوداني، كما تدحض أي أكاذيب حول دعم أحد أطراف الصراع في تلك الحرب.
نداء إنساني
دعت دولة الإمارات العربية المتحدة، الجمعة، الجيش وقوات «الدعم السريع» في السودان إلى وقف الانتهاكات الفادحة للقانون الإنساني الدولي.
جاء ذلك في كلمة ألقاها السفير جمال المشرخ، المندوب الدائم لدولة الإمارات لدى الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى في جنيف، خلال جلسة عقدها مجلس حقوق الإنسان التابع للمنظمة الأممية، حول الأوضاع في مدينة الفاشر السودانية.
وقال المشرخ إن «الفظائع تؤكد أنه لا حل عسكريًا لهذه الحرب في السودان»، مشيرًا إلى أن المجموعة الرباعية (تضم الإمارات والسعودية ومصر وأمريكا) وفرت خارطة طريق لهذا النزاع، ترتكز على:
- هدنة إنسانية.
- وقف لإطلاق النار.
- مرحلة انتقالية لحكومة بقيادة مدنية.
وأعرب مندوب دولة الإمارات عن قلق الدولة حيال ما يحدث من قبل الطرفين المتنازعين في السودان، داعيًا الجانبين إلى وقف الانتهاكات الفادحة للقانون الإنساني الدولي.
وشدد على ضرورة أن توقف الأطراف المتنازعة عرقلة وصول المساعدات الإنسانية، مطالبًا في الوقت نفسه الأسرة الدولية بـ"ضرورة الحرص على أن يكون المسؤولون عن الفظائع خاضعين للمساءلة".
ولفت إلى أن "الأطراف المتنازعة تواصل خلال هذه الجلسة الاعتداءات على المستشفيات والأعيان المدنية بينما نحن ندعو إلى هدنة".
وأكد موقف دولة الإمارات الدائم تجاه السودان، قائلا: "لطالما وقفنا إلى جنب السودان في أحلك الظروف وقدمنا مساعدات مالية ومستعدون لبذل المزيد من الجهود لدعم المساعدات الإنسانية".

رؤية حكيمة
اندلعت الحرب في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع في أبريل/نيسان 2023، عندما اختلف الطرفان اللذان كانا يتقاسمان السلطة سابقا، حول خطط دمج قواتهما خلال فترة الانتقال إلى الديمقراطية.
وأدى القتال إلى مقتل عشرات الآلاف ونزوح الملايين ومعاناة نحو نصف سكان السودان من مستويات مختلفة من الجوع وانتشار الأمراض في أنحاء البلاد.
وفي تطور فارق بمسار الحرب، سقطت مدينة الفاشر في 26 أكتوبر/تشرين الأول الماضي بيد قوات "الدعم السريع"، بعد أكثر من 18 شهرا من الحصار، وكانت آخر معقل للجيش في إقليم دارفور، ما أتاح لقوات الدعم السريع بسط سيطرتها الكاملة على الإقليم الشاسع الذي يشكل نحو ثلث مساحة السودان.
ومع السيطرة على الفاشر، دخلت الحرب مرحلة جديدة، وسط تحذيرات من تداعيات استمرار الصراع، فيما شهدت المدينة وقوع انتهاكات عقب السيطرة عليها، أثارت انتقادات دولية واسعة.
وأقر محمد حمدان دقلو "حميدتي" قائد قوات الدعم السريع بوقوع تجاوزات في الفاشر، وتعهد بتشكيل لجنة تحقيق حول ما حدث.
التطورات في الفاشر على المسارين الإنساني والعسكري، أثبتت صواب الرؤية الإماراتية، التي لطالما أكدت منذ بدء الأزمة أن الحل السياسي وحده قادر على تحقيق السلام بالسودان.
كما أكدت الحاجة الماسة لهدنة إنسانية لطالما دعت دولة الإمارات إليها ومعها المجموعة الرباعية التي تقود جهود حل الأزمة في السودان.

تساؤلات
الرؤية ذاتها أعادت دولة الإمارات التأكيد عليها في كلمتها الجمعة خلال اجتماع مجلس حقوق الإنسان، والتي حملت رسائل ودلالات مهمة، من أبرزها:
- انحياز الإمارات المطلق للشعب السوداني:
دعوة دولة الإمارات للجيش وقوات الدعم السريع لوقف الانتهاكات الفادحة للقانون الإنساني الدولي، وتأكيدها ضرورة وقف الأطراف المتنازعة عرقلة وصول المساعدات الإنسانية، مع تمسك الإمارات بخارطة طريق لحل الأزمة سلميا، يؤكد مجددا انحيازها المطلق للشعب السوداني.
انحياز لطالما عبرت عنه بالأقوال والأفعال، حيث كانت ادولة لإمارات سباقة في الإعلان عن تقديم 50 مليون دولار كمساعدات إنسانية طارئة للسودان عقب اندلاع الأزمة، في سبق إنساني وجهت دولة الإمارات عبره أنظار العالم إلى ضرورة التركيز على البعد الإنساني للأزمة لتخفيف وطأتها على المدنيين.
كما كانت أيضا سباقة في الإعلان عن تقديم تبرع بقيمة 100 مليون دولار أمريكي لدعم العمليات الإنسانية المنقذة للحياة في الفاشر خلال الاجتماع الذي عقده مجلس الأمن الدولي في 30 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
بذلك يصل إجمالي مساعداتها إلى أكثر من 780 مليون دولار منذ اندلاع الأزمة قبل 31 شهرا، وترتفع إجمالي مساعداتها للسودان على مدار السنوات الـ10 الماضية إلى أكثر من 4.2 مليار دولار.
- دعوة الإمارات لمحاسبة المسؤولين عن الفظائع التي يتم ارتكابها من الطرفين، تدحض أي مزاعم حول دعم الإمارات لأحد أطراف الصراع.
فكيف لدولة أن تدعم أحد أطراف الصراع أن تدعو علنًا في مختلف المحافل الدولية إلى محاسبته عن أي انتهاكات أو فظائع قد ارتكبها.
- أيضا فإن دعوة الإمارات لمرحلة انتقالية لحكومة بقيادة مدنية ينسجم مع توجه الرباعية الدولية، ويؤكد بما لا يدع مجالا للشك عدم دعمها لأي من أطراف الصراع.
فكيف لدولة أن تدعم أحد أطراف الصراع أن تدعو إلى حكومة يقودها المدنيون وعدم مشاركته بها؟ وهذا التوجه يكشف أيضا حرصها على سلام مستدام في السودان.
- إيمان دولة الإمارات بالحل السلمي للصراع، لذلك تتمسك بدعوتها لهدنة إنسانية ووقف لإطلاق النار عبر خارطة طريق لطالما عبّرت عن دعمها مرارًا وتكرارًا.
وهذا أيضا يدحض أي افتراءات تتهم دولة الإمارات بتأجيج الصراع، فكيف لدولة تُتّهم بتأجيج الصراع تدعو في مختلف المحافل الدولية إلى وقف فوري للحرب والعمل على تحقيق ذلك بكل السبل.

حراك متواصل
تأتي تلك الدعوات ضمن دبلوماسية إماراتية، بدأت منذ اللحظات الأولى للأزمة وتتواصل حتى اليوم، في إطار حراك إماراتي عابر للحدود والقارات.
حراك يدعم أي حل سياسي سلمي في السودان، يسكت أزيز الرصاص ويحفظ وحدة البلد الأفريقي، ويعيد الاستقرار والأمن والسلام إلى أراضيه، ويحقق تطلعات شعبه في التنمية والرخاء.
لذلك كانت دولة الإمارات عضوا فعالا في مختلف الآليات الدولية التي تم تشكيلها لمعالجة الأزمة، بدءا من منصة «متحالفون لتعزيز إنقاذ الحياة والسلام في السودان»، وصولا إلى المجموعة الرباعية التي تعمل على إنهاء الصراع وتهيئة الظروف للحوار.
أيضا، أعلنت الإمارات دعم جميع مبادرات السلام التي قامت بها مختلف الدول والجهات، حيث رحبت بإعلان كل من السعودية وأمريكا في مايو/أيار 2023 عن توقيع ممثلي الجيش وقوات الدعم السريع في جدة على إعلان الالتزام بحماية المدنيين بموجب القانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان لتسهيل العمل الإغاثي وتلبية الاحتياجات الطارئة للمدنيين.
كما رحبت في يوليو/تموز 2023 بالبيان الختامي الصادر عن “قمة جوار السودان” في القاهرة والذي أكد أهمية حماية السودان والحفاظ على مقدراته ومنع تفككه، ودعا إلى الاحترام الكامل لسيادته وسلامة أراضيه، وعدم التدخل في شؤونه الداخلية.
وللإمارات أيضا مشاركة فعالة في المجموعة الرباعية التي تعمل على إنهاء الصراع وتهيئة الظروف للحوار.
وشكل البيان المشترك للرباعية حول السودان الصادر في 12 سبتمبر/أيلول الماضي خطوة تاريخية في مسار الجهود الرامية لإنهاء الأزمة.
وقدم البيان تشخيصاً دقيقاً لطبيعة تلك الخطوة ورسم خريطة طريق واضحة لمعالجتها، من خلال هدنة إنسانية تعقبها عملية انتقال مدني للسلطة.
ومن خلاله، جددت دولة الإمارات التأكيد على أنه لا حل عسكرياً للأزمة السودانية، وأن التوافق الإقليمي والدولي الذي عكسه البيان يمثل دعماً مهماً لمسار السلام ووحدة السودان.