ملتقى سفراء الإمارات.. فرسان الدبلوماسية في مهمة خاصة
تحمل الدورة الـ16 لملتقى السفراء وممثلي البعثات التمثيلية لدولة الإمارات الذي انطلق اليوم الإثنين، أهمية خاصة لأكثر من سبب.
أولى تلك الأسباب أن الملتقى الذي تنظمه وزارة الخارجية والتعاون الدولي الإماراتية برعاية الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي، تعقد دورته هذا العام في وقت تترأس فيه دولة الإمارات مجلس الأمن الدولي لشهر مارس/آذار الجاري، كما أنها عضو في المجلس على مدار عامي 2022-2023.
ومن خلال رئاستها وعضويتها لمجلس الأمن الدولي يقع على عاتق دولة الإمارات مسؤوليات هامة في تعزيز الأمن والسلم الدوليين، وهو ما يفرض بالتبعية مهام خاصة على سفرائها وممثلي بعثاتها حول العالم.
وفي هذا الصدد، يعد ملتقى السفراء ورؤساء البعثات التمثيلية الإماراتية في الخارج الذي يعقد سنوياً في العاصمة أبوظبي فرصة مهمة للتفاعل والحوار وتبادل الآراء والأفكار مع القيادة والمسؤولين في الدولة وسفراء وممثلي البعثات التمثيلية في الخارج على الساحتين الإقليمية والدولية بما يعزز من أداء السياسة الخارجية الإماراتية وفاعليتها.
مبادئ الخمسين
السبب الثاني أن دورة هذا العام، تعد الأولى بعد إطلاق مبادئ الخمسين التي اعتمدتها دولة الإمارات في أكتوبر/تشرين الأول الماضي لتكون خارطة استراتيجية تحدد توجهات البلاد في مختلف المجالات للخمسين عاما القادمة، والتي تضم 10 مبادئ، من بينها 6 مبادئ ركزت على سياسة دولة الإمارات الخارجية.
وتعد المبادئ العشرة بمثابة خارطة طريق استراتيجية لتحقيق الريادة الإماراتية بمختلف المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والعلمية خلال الخمسين عاما القادمة، وصولا لتحقيق هدفها في "مئوية الإمارات 2071" بأن تكون دولة الإمارات أفضل دولة في العالم، وأكثرها تقدماً.
وتفرض تلك المبادئ مهام عديدة على سفراء وممثلي البعثات الدبلوماسية الإماراتية في الخارج، فمثلا المبدأ الثالث ينص على أن "السياسة الخارجية لدولة الإمارات هي أداة لخدمة الأهداف الوطنية العليا، وعلى رأسها المصالح الاقتصادية. هدف السياسة هو خدمة الاقتصاد، وهدف الاقتصاد هو توفير أفضل حياة لشعب الاتحاد".
وانطلاقا من هذا المبدأ لا بد لسفارات الدولة في الخارج أن تصبح بوابات لجذب الاستثمار إلى دولة الإمارات وتعميق التجارة البينية مع الدول، وحماية مصالح شراكات الإمارات في الخارج.
أيضا على سفارات دولة الإمارات في الخارج العمل على تحقيق عدد من أهداف تلك المبادئ من بينها "ترسيخ السمعة العالمية لدولة الإمارات"، و"ترسيخ السلام والاستقرار الإقليمي والعالمي"، و"ترسيخ الأخوة الإنسانية".
ويتيح هذا اللقاء السنوي لممثلي دولة الإمارات العربية المتحدة في الخارج التفاعل المباشر والتعرف على قضايا الوطن وأولوياته التنموية عن كثب لخدمة هذه القضايا والأولويات، ما يجعله أحد الجسور التي تجمع بين السفراء ورؤساء البعثات التمثيلية ومؤسسات الدولة، وذلك بما يحقق الترابط المطلوب بين السياستين الداخلية والخارجية.
تطبيق عملي
السبب الثالث أن الملتقى سيكون شاهدا بالفعل على جني ثمار تطبيق مبادئ الخمسين، عبر مشاركة وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، في فعاليات الملتقى.
مشاركة تتوج مرحلة تقارب بين دولة الإمارات وتركيا وتعد تطبيقا عمليا لمبادئ الخمسين التي اعتمدتها دولة الإمارات في أكتوبر/تشرين الأول الماضي لتكون خارطة استراتيجية تحدد توجهات البلاد في مختلف المجالات للخمسين عاما القادمة، والتي تكرس قيم التسامح والحوار والسلام وتؤكد أن "تطوير علاقات سياسية واقتصادية وشعبية مستقرة وإيجابية يعتبر إحدى أهم أولويات السياسة الخارجية للدولة".
وتأتي زيارة جاويش أوغلو بعد نحو شهر من زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان دولة الإمارات، منتصف فبراير/شباط الماضي في خطوة وصفت بـ"التاريخية" وكانت الأولى له منذ نحو 9 أعوام، تعزيزا ودعما للعلاقات الاستراتيجية المتنامية بين البلدين.
مكانة دولية
السبب الرابع أن الملتقى يعقد في وقت تتعاظم فيه مكانة دولة الإمارات الإقليمية والدولية، وتتزايد ثقة العالم وتقديره لجهودها على مختلف الأصعدة.
ثقة جسدها العالم بانتخابه دولة الإمارات عضوا في مجلس الأمن الدولي للفترة "2022-2023"، تقديرا لجهودها في دعم الأمن والاستقرار ونشر السلام.
وأكد هذه الثقة انتخابها عضوا في مجلس حقوق الإنسان الأممي للفترة 2022-2024، في خطوة تعبر عن عمق الاحترام الدولي الذي تحظى به ودورها البارز في دعم حقوق الإنسان.
قبل أن تفوز باستضافة مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ "كوب 28" عام 2023، والذي يعد أهم وأكبر مؤتمر دولي للعمل المناخي، في خطوة جديدة تؤكد ريادة دولة الإمارات، وتقدير العالم لجهودها في استدامة المناخ.
توترات جيوسياسية
السبب الخامس أن الملتقى يعقد في توقيت هام، يشهد فيه العالم توترات جيوسياسية على خلفية الأزمة الأوكرانية، التي ألقت بتداعياتها على العالم بصفة عامة والعرب بشكل خاص، وبدأت تعيد تشكيل ملامح نظام عالمي جديد.
ويتناول الملتقى محاور رئيسية في المجال السياسي والاقتصادي والدبلوماسية العامة، إضافة إلى استعراض عدد من الأحداث والقضايا والتطورات الإقليمية والدولية الراهنة ورصد تأثيراتها وتداعياتها المختلفة.
السبب السادس أن الملتقى يعقد بعد أيام من قيام الرئيس السوري بشار الأسد بزيارة للإمارات الجمعة، هي الأولى له لدولة عربية منذ 11 عاما، وتتوج جهودا دبلوماسية إماراتية لإعادة سوريا لحاضنتها العربية والعمل على حل أزمتها، في وقت تتواصل فيها الجهود الإماراتية على أكثر من صعيد للدفع بحل سياسي سلمي أيضا لإنهاء الأزمة الأوكرانية التي تقض مضاجع العالم في الوقت الراهن.
ويأتي انعقاد الملتقى في إطار حرص وزارة الخارجية والتعاون الدولي على تعزيز التواصل والتفاعل بين الوزراء والمسؤولين مع سفراء الدولة في الخارج لتبادل الآراء والاطلاع على مختلف مستجدات القضايا الإقليمية والدولية.
إنجازات متزايدة
السبب السابع أن الملتقى يعقد بعد أيام من شهادة دولية، الثلاثاء، بقوة الدبلوماسية الإماراتية توجت باحتلال دولة الإمارات المرتبة العاشرة عالمياً والأولى إقليمياً في قوة التأثير وفق مؤشر القوة الناعمة العالمي لعام 2022، الذي تعده مؤسسة "براند فاينانس" البريطانية عبر استطلاع آراء أكثر من 100 ألف شخص من 101 دولة لتقييم مختلف محاور القوة الناعمة والتأثير الإيجابي.
ويعد الملتقى فرصة لإبراز إنجازات وزارة الخارجية والتعاون الدولي، وأهم المستجدات في عملها وبرامجها المختلفة، ولا سيما في القطاع القنصلي.
ويشهد الملتقى عادة مشاركة عدد من الوزراء ومجموعة من كبار المسؤولين ومدراء الإدارات في وزارة الخارجية والتعاون الدولي، وعدد من المؤسسات والهيئات الحكومية في الدولة من مختلف القطاعات، بالإضافة إلى سفراء الدولة ورؤساء البعثات التمثيلية للدولة في الخارج مما يساهم في تعزيز وتطوير أهداف الدبلوماسية الإماراتية.
ثمار السلام
السبب الثامن أن الملتقى يأتي في وقت يجني فيه العالم ثمار جهود دولة الإمارات في نشر السلام منذ توقيع اتفاق سلام تاريخي مع إسرائيل منتصف سبتمبر/أيلول 2020، ضمن مسيرة توجت بزيارة تاريخية لرئيس إسرائيل إسحاق هرتسوغ للإمارات نهاية يناير/كانون الثاني الماضي.
السبب التاسع أن الملتقى يعقد في الوقت التي تتواصل فيه جهود دولة الإمارات على قدم وساق لمد يد العون والمساعدة للدول الشقيقة والصديقة ضمن استراتيجية الأخوة الإنسانية التي تنتهجها الدولة وتضع في أولوياتها "الإنسان أولاً" من دون تمييز، بناء على أساس الجغرافيا أو العرق أو الدين.
وظهرت تلك الجهود جلية في مواقف كثيرة، من أحدثها جهودها الإنسانية في الأزمة الأوكرانية، ومبادراتها المتواصلة لدعم الجهود العالمية لمكافحة كورونا.
مبادرات تجسّد حرص دولة الإمارات الدائم على دعم ومساندة الدول الشقيقة والصديقة، الأمر الذي تُرجِم على أرض الواقع باحتلال الدولة لسنوات عديدة المركز الأول عالمياً كأكبر جهة مانحة للمساعدات الخارجية في العالم قياساً إلى دخلها القومي، فيما بلغت حجم المساعدات الإماراتية الخارجية منذ تأسيسها نحو 320 مليار درهم في 201 دولة.
وتلعب سفارات دولة الإمارات وبعثاتها التمثيلية في الخارج أدوارا إنسانية هامة في هذا الصدد من خلال رصد الدول المحتاجة ومتابعة توصيل تلك المساعدات الإغاثية والإشراف على المساعدات الإنمائية.
الأخوة الإنسانية
السبب العاشر أن الملتقى يعقد في وقت تتواصل فيه الجهود لإنشاء بيت العائلة الإبراهيمية في أبوظبي، الذي سيجمع بيوت العبادة المسيحية واليهودية والإسلامية تحت سقف واحد، مجسدا روح الأخوة الإنسانية في أسمى معانيها.
كل تلك الأسباب تجعل ملتقى هذا العام يحمل أهمية خاصة، كما يفرض مهام عديدة على فرسان الدبلوماسية الإماراتية، كما يتوج في الوقت ذاته نجاحاتهم وإنجازاتهم التي ترسم ملامح مستقبل إماراتي زاهر ومشرق.