الإمارات وفرنسا.. زيارات ومباحثات لدعم الاستقرار الدولي
تنسيق على أعلى مستوى، يربط الإمارات وفرنسا، تغذيه زيارات متبادلة ومباحثات متواصلة بين قادة ومسؤولي البلدين، لدعم علاقات تعد تاريخية.
علاقات استراتيجية ونموذجية في المنطقة، تدخل، اليوم الأربعاء، محطة هامة، بزيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية إلى فرنسا؛ حيث يبحث مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون علاقات الصداقة والتعاون المستمر، بين البلدين، وعددا من القضايا والمستجدات بالمنطقة.
وتأتي الزيارة في ظرف دولي حسّاس، كان التنسيق فيه بين الإمارات وفرنسا على أعلى مستوى، خاصة في أحدث تطور تشهده المنطقة، وهو التطورات في أفغانستان، حيث كانت الدولتان في مقدمة أعضاء المجتمع الدولي تقديما للدعم والمساعدة.
تنسيق وثيق
تأتي هذه الزيارة في وقت تشهد فيه المنطقة والعالم العديد من التطورات المتسارعة والمتشابكة التي تلقي بظلالها على الجميع، ما يتعين معها التشاور مع القوى الكبرى حول كيفية التعامل الفاعل معها، وعلى رأسها الأزمة الأفغانية.
وكانت فرنسا إحدى الدول التي وجهت الشكر لدولة الإمارات على جهودها في مساعدتها على إجلاء رعايا بلادها من أفغانستان في ظل الظروف الراهنة.
الزيارة تتزامن أيضا مع احتفال الإمارات باليوبيل الذهبي لتأسيسها عام 1971، وهو توقيت يتزامن أيضا مع مضي خمسة عقود على العلاقات الثنائية الشاملة والمتميزة، التي جمعت الإمارات وفرنسا تطورت خلالها، وأثمرت نجاحاً كبيراً في العديد من المجالات، وعلى وجه الخصوص السياسية والاقتصادية والثقافية.
حدث ثالث تزامن مع الزيارة هو مرور عام على ذكرى توقيع الاتفاق الإبراهيمي للسلام بين الإمارات وإسرائيل 15 سبتمبر/أيلول الماضي؛ الذي كانت فرنسا على رأس الدول المرحبة به، والمشيدة بالإمارات في دعم استقرار السلام والأمان في المنطقة عبر خطوتها ثاقبة النظر، وقرارها الشجاع.
ووصف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قرار دولة الإمارات العربية المتحدة إقامة علاقات ثنائية مع إسرائيل بالقرار "الشجاع"، مشيدا بالاتفاق الثلاثي بين الإمارات والولايات المتحدة وإسرائيل بشأن وقف الأخيرة ضم أراضي الضفة الغربية.
وقال ماكرون: "أحيي القرار الشجاع لدولة الإمارات العربية المتحدة وآمل أن يساهم في إقامة سلام عادل ودائم بين الإسرائيليين والفلسطينيين".
خارطة طريق لتطوير العلاقات
الزيارة تأتي بعد نحو شهرين من عقد لجنة الحوار الاستراتيجي الإماراتي - الفرنسي اجتماعها الثالث عشر في 29 يونيو/حزيران الماضي عبر الاتصال المرئي، برئاسة خلدون خليفة المبارك رئيس جهاز الشؤون التنفيذية لإمارة أبوظبي، وفرانسوا ديلاتر - الأمين العام لوزارة أوروبا والشؤون الخارجية للجمهورية الفرنسية.
وعُقد الاجتماع انسجامًا مع المبادئ التوجيهية التي وضعها الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
وشهد الاجتماع نقاشات حول قطاعات رئيسة في التعاون الثنائي كالاقتصاد والتجارة والاستثمار والنفط والغاز والهيدروجين والطاقة النووية والطاقة المتجددة والتعليم والثقافة والصحة والذكاء الاصطناعي والأمن الغذائي والتكنولوجيا المالية وحقوق الملكية الفكرية ومكافحة غسيل الأموال وسياسات مكافحة تمويل الإرهاب والفضاء والأمن.
وانطلاقًا من الإنجازات الكبرى التي حققتها الدولتان معًا خلال السنوات العشر الماضية – ومنها افتتاح متحف اللوفر أبوظبي وجامعة السوربون أبوظبي واتفاقية الدفاع المشترك عام 2009.
وخلال الاجتماع نفسه، أعربت فرنسا والإمارات عن عزمهما تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين وتحقيق المزيد من التطوير المتبادل عبر تحديد أهداف ومبادرات مشتركة جديدة.
ويعتبر ما تم الاتفاق عليه امتدادًا لخارطة الطريق الطموحة للسنوات العشر القادمة بين البلدين للشراكة الاستراتيجية الإماراتية الفرنسية 2020 - 2030، والتي اعتُمدت في يونيو/حزيران 2020.
وخلال الاجتماع الثاني عشر للجنة الحوار الاستراتيجي الإماراتي – الفرنسي، تم إقرار خطة عمل ثنائية طموحة للعقد المقبل؛ لتعزيز شراكتهما الاستراتيجية للأعوام (2020–2030).
وانطلق الحوار الاستراتيجي عام 2007؛ بهدف تعزيز فرص التعاون المشتركة في أكثر من 13 مجالاً أبرزها الاقتصاد والنفط والغاز والطاقة المتجددة والصحة والفضاء.
وتُعقد اجتماعات الحوار الاستراتيجي الإماراتي - الفرنسي سنويًا بهدف تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين وبحث فرص التعاون والتنسيق ومواصلة التعاون البنّاء في عدد من المشاريع والمبادرات.
زيارات متبادلة
على مستوى القادة، سبق أن زار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون دولة الإمارات العربية المتحدة يومي 8 و9 نوفمبر/تشرين الثاني 2017 بمناسبة افتتاح متحف اللوفر أبوظبي.
وشهدت زيارة ماكرون للإمارات إطلاق عدد من المشاريع وتوقيع العديد من الاتفاقيات تعزيزا لعلاقات التعاون والشراكة بين البلدين في مختلف المجالات وبما يخدم مصالح الشعبين الصديقين.
زيارة ماكرون جاءت بعد نحو 5 شهور من الزيارة التي قام بها الشيخ محمد بن زايد آل نهيان لباريس في يونيو/حزيران من العام نفسه ومباحثاته مع ماكرون.
كما أجرى الشيخ محمد بن زايد آل نهيان زيارة لفرنسا في 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، صدر في ختامها بيان مشترك أصدرته الدولتان جددت فيه دولة الإمارات العربية المتحدة والجمهورية الفرنسية التزامهما بتعزيز شراكتهما الاستراتيجية ورغبتهما في خلق مناخ مزدهر ومستقر ومواصلة المشاورات بينهما.
وخلال الزيارة، أكد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان أن دولة الإمارات العربية المتحدة والجمهورية الفرنسية شريكتان في الحرب على التطرف والإرهاب ودعم قيم التسامح وتعزيز الحوار والتفاعل والتعايش بين الشعوب والحضارات والثقافات ونبذ التعصب والكراهية والعمل من أجل السلام والاستقرار والتنمية في منطقة الشرق الأوسط والعالم.
علاقات شاملة
وتتميز العلاقات بين دولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية فرنسا منذ تأسيسها عام 1971 بأنها علاقات شاملة لا تتوقف عند حد التنسيق السياسي والدبلوماسي فقط وإنما تمتد إلى المجالات الاقتصادية والأمنية والثقافية والعلمية والحضارية وهو ما يعبر عن نفسه في الكثير من المظاهر مثل جامعة السوربون - أبوظبي ومتحف اللوفر- أبوظبي والتعاون بين البلدين من أجل حماية التراث الثقافي في مناطق النزاعات.
ويعزز الشراكة الاستراتيجية بين الإمارات وفرنسا، توافر الإرادة المشتركة لدى قيادتي الدولتين للمضي قدما بالعلاقات نحو آفاق جديدة، إضافة إلى وجود قناعة مشتركة وإدراك متبادل لأهمية هذه العلاقات، وهو ما يظهر في حرص البلدين على المشاورات والحوارات المستمرة حول القضايا الإقليمية والعالمية نظرا للمواقف المتوازنة والمعتدلة التي تتبناها الدولتان إزاء قضايا الشرق الأوسط والتي تجعل منهما أطرافا مهما في تحقيق السلام والأمن والاستقرار في المنطقة.
أيضا يعزز تلك العلاقات توافق الرؤى بين البلدين في العديد من الملفات أبرزها مواجهة الإرهاب والتصدي للفكر المتطرف الذي يقف وراءه من منطلق إدراكهما لخطورة الإرهاب على أمن واستقرار المنطقة والعالم.
مباحثات مكثفة
وسبق الزيارة المرتقبة للشيخ محمد بن زايد آل نهيان لباريس، زيارات متبادلة واجتماعات مكثفة على مدار الفترة الماضية، توثيقا للشراكة والتعاون المتزايد بين البلدين.
وتعكس الزيارات المتبادلة بين قادة ومسؤولي البلدين، الحرص المتبادل بين الجانبين على التواصل والتباحث وتبادل الرؤى وتنسيق الجهود وتعزيز العلاقات الاستراتيجية بينهما على مختلف الأصعدة.
فقبل 3 أسابيع، استقبل الشيخ محمد بن زايد آل نهيان كلا من جان إيف لودريان وزير خارجية فرنسا وفلورنس بارلي وزيرة الدفاع في قصر الشاطئ في أبوظبي 23 أغسطس/آب الماضي.
ونقل الوزيران خلال اللقاء شكر الرئيس ماكرون وتقديره عاليا التسهيلات المهمة التي قدمتها الإمارات في إجلاء الدبلوماسيين والرعايا الفرنسيين من كابول بجانب مواطني العديد من الدول الصديقة وتوفير العبور الآمن لهم.
من جانبه، ثمن الشيخ محمد بن زايد آل نهيان العلاقات الإماراتية التاريخية مع جمهورية فرنسا ومع الرئيس إيمانويل ماكرون، مشيرا إلى أهمية دور الأصدقاء والحلفاء في التضامن ومد يد المساعدة خلال الأوقات الصعبة.
جاء ذلك اللقاء بعد 4 أيام من مباحثات هاتفية بين الشيخ محمد بن زايد آل نهيان والرئيس الفرنسي تم خلالها بحث علاقات الصداقة والتعاون وسبل تعزيزها وتنميتها لما فيه خير البلدين والشعبين الصديقين.
وأكد الجانبان خلال المباحثات الهاتفية على أهمية دفع الجهود باتجاه ترسيخ الأمن والسلام والاستقرار في المنطقة من خلال الحلول الدبلوماسية والحوار الفاعل بما يحقق تطلعات الشعوب إلى البناء والتنمية والعيش بسلام واستقرار.
أيضا تأتي الزيارة بعد أسبوعين من مشاركة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، وماكرون في قمة بغداد للتعاون والشراكة 28 أغسطس/آب الماضي، في مشاركة تؤكد توافق رؤى البلدين في دعم وتأييد أهداف القمة الساعية لدعم الأمن والاستقرار في المنطقة.
فرنسا في معرض إكسبو 2020
كذلك تأتي الزيارة قبل أسبوعين من انطلاق معرض إكسبو 2020 دبي مطلع أكتوبر/تشرين الأول المقبل بمشاركة 195 دولة من بينها فرنسا، التي سيكون حضورها مميزا عبر المشاركة بعدة مؤسسات.
وقال كزافييه شاتيل، سفير فرنسا لدى الإمارات، إن مشاركة بلاده في معرض إكسبو 2020 دبي ستشهد حضورا للعديد من الجهات الفرنسية في هذا الحدث العالمي الهام تحت مظلة الجناح الفرنسي والذي سيقيم الكثير من الاحتفالات والفعاليات لاستعراض مخرجات الشراكة الفرنسية الإماراتية في مختلف المجالات وسط حضور فرنسي قوي وإقبال من الزوار للاطلاع على المعالم السياحية الفريدة بالإمارات منها متحف اللوفر أبوظبي وغيرها من المعالم الأيقونية التي تحظى باهتمام عالمي.
وأضاف شاتيل أن إكسبو 2020 دبي يعد الحدث العالمي الأكبر ما بعد جائحة كورونا ويمثل فرصة مهمة لفرنسا لاستعراض فن الحياة الفرنسية والدقة العلمية وروح الاستنارة والاكتشاف والتقدم العلمي.
وأوضح أن الجناح الفرنسي يراعي في تصميمه البيئة والاستدامة والذي يمتد على مساحة 5000 متر مربع ويشمل ألواحاً كهروضوئية لإنتاج الطاقة الشمسية.
وأكد شاتيل على عمق العلاقات الثنائية الاستراتيجية بين فرنسا والإمارات التي تزداد رسوخا بدعم من قيادتي البلدين الصديقين، مشيرا إلى أن العلاقات بين البلدين تتمتع بأبعاد استراتيجية في مختلف المجالات لا سيما الاقتصادية والثقافية كما تنعكس على حفظ الأمن والاستقرار والسلم العالمي.
aXA6IDMuMTcuNzkuMTg4IA== جزيرة ام اند امز