الإمارات والصين.. زيارات متبادلة تعزز الشراكة الاستراتيجية المتنامية
بالتزامن مع زيارة رسمية يجريها لي تشيانغ، رئيس مجلس الدولة الصيني للإمارات، يواصل الشيخ سعود بن صقر القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم رأس الخيمة زيارة للصين بدأها قبل عدة أيام.
زيارات متبادلة بين مسؤولين رفيعي المستوى من البلدين يتخللها مباحثات هامة لتعزيز التعاون الأمر الذي يبرز الحرص المشترك على تعزيز الشراكة الإستراتيجية التي تربط البلدين.
يواكب تلك الزيارات والمباحثات المشاركة في فعاليات ومبادرات دولية تجمع البلدين، أبرزها المشاركة النشطة للإمارات في مبادرة الحزام والطريق، التي عقدت قمتها التاسعة على مداري يومي 11 و12 سبتمبر/أيلول الجاري في منطقة هونغ كونغ الإدارية الخاصة التابعة لجمهورية الصين، تحت عنوان "بناء حزام وطريق متصل ومبتكر وأخضر".
تأتي مشاركة دولة الإمارات في تلك القمة، عقب مشاركتها في فعاليات "معرض الصين الدولي للاستثمار والتجارة"، أحد أكبر معارض الاستثمار والتجارة في الصين، الذي يشارك فيه أكثر من 1000 وفد تجاري، ونحو 5000 شركة، وما يقارب من 50 ألفا من رجال الأعمال، ويستمر أربعة أيام.
زيارات ومباحثات وفعاليات تتزامن مع مرور 40 عاماً على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وتدفع مستوى الشراكة الاستراتيجية التي تربط البلدين إلى آفاق أرحب.
مباحثات مثمرة
وأجرى الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات ولي تشيانغ رئيس مجلس الدولة الصيني مباحثات في قصر الوطن في أبوظبي اليوم تناولت مختلف أوجه التعاون والعمل المشترك من أجل تعزيزها وتوسيع آفاقها في إطار الشراكة الإستراتيجية الشاملة التي تجمع البلدين الصديقين.
وأعرب رئيس دولة الإمارات عن تطلعه إلى أن تسهم هذه الزيارة في دفع مسار الشراكة الاستراتيجية بين البلدين في ظل الحرص المشترك على تنميتها على جميع المستويات.
واستعرض الجانبان مستوى تطور التعاون خاصة في الجوانب الاقتصادية والتجارية والاستثمارية والصناعة والطاقة المتجددة والاستدامة، إضافة إلى التعليمية والثقافية وغيرها من الجوانب التي تمثل أولويات التنمية لدى البلدين.
وتطرق الجانبان إلى الذكرى الأربعين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين دولة الإمارات والصين التي يحتفيان بها خلال العام الجاري، والتي أثمرت خلال عقود عن شراكة استراتيجية شاملة تسهم في تحقيق التنمية المستدامة والرخاء لشعبي البلدين.
وتبادل الجانبان وجهات النظر بشأن عدد من القضايا والمستجدات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك وأهمية العمل على ترسيخ السلام والاستقرار في العالم وتسوية الصراعات من خلال الحلول السلمية والقنوات الدبلوماسية، مؤكدين في هذا السياق على أهمية العمل الجماعي الدولي في مواجهة التحديات العالمية المشتركة.
كما شدد الجانبان على أهمية تعزيز التعاون والتنسيق ضمن أُطر العمل الدولي المشتركة التي تجمع البلدين بما يعزز مصالحهما المتبادلة ويدفع تجاه السلام والتنمية والازدهار في العالم.
واستعرض الجانبان، تطورات الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط وأهمية الجهود المبذولة للتوصل إلى وقف إطلاق النار في قطاع غزة وضمان الحماية للمدنيين فيه، وتوفير المساعدات الإنسانية الكافية والآمنة والمستدامة لهم، إضافة إلى منع توسع الصراع في المنطقة بما يهدد الأمن والاستقرار الإقليميين وإيجاد أفق للسلام الدائم والشامل القائم على "حل الدولتين".
وأكد رئيس دولة الإمارات حرص دولة الإمارات على تعزيز الشراكة الإستراتيجية الشاملة مع الصين بما يخدم تطلعات شعبيهما في التنمية والازدهار.
تأتي تلك الزيارة بعد أيام من زيارة تشن مينر، عضو المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني وأمين لجنة الحزب بمدينة تيانجين إلى دولة الإمارات.
وأجرى الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي مباحثات مع تشن مينر، 3 سبتمبر/أيلول الجاري، أكد خلالها عمق علاقات التعاون والصداقة التي تربط دولة الإمارات بالصين وعلى مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والثقافية والتنموية، والتوجه المشترك إلى توطيد تلك الروابط في سياق الشراكة الاستراتيجية المزدهرة بين البلدين، وما يجمعهما من طموحات لمستقبل غايته بلوغ مستويات متقدمة من التقدُّم والرخاء.
مشاركات إماراتية بارزة
وبالتزامن مع زيارة لي تشيانغ رئيس مجلس الدولة الصيني للإمارات، يواصل الشيخ سعود بن صقر القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم رأس الخيمة، زيارة للصين بدأها 6 سبتمبر/أيلول الجاري وتستمر نحو أسبوع.
وفي إطار تلك الزيارة، عقد الشيخ سعود بن صقر القاسمي اليوم الخميس في مقاطعة قوانغدونغ، اجتماعاً مع قادة حكومة بلدية شنجن، بحث خلالها سبل تعزيز علاقات التعاون في شتى القطاعات، وأجرى معهم مناقشات رفيعة المستوى، للتعرف على تجارب المدينة التنموية، واستكشاف فرص التجارة والاستثمار المتبادل بين إمارة رأس الخيمة ومدينة شنغن.
وشهد حاكم رأس الخيمة، أمس، توقيع اتفاقية تعاون بين هيئة مناطق رأس الخيمة الاقتصادية “راكز” ومنطقة لونغهوا في شنجن.
وفي إطار الزيارة، التقى الشيخ سعود بن صقر القاسمي، في مدينة شيامن، مع هي ليفينج، نائب رئيس مجلس الدولة في الصين، وبحث الجانبان، العلاقات الوثيقة التي تربط دولة الإمارات، والصين، وسبل الارتقاء بها.
كما أجرى الشيخ سعود بن صقر القاسمي زيارة لمدينتي دونغقوان وشنجن في مقاطعة قوانغدونغ، وعقد فيهما لقاءات مع كبار القادة الحكوميين، والمسؤولين عن الثقافة ونخبة من رجال الأعمال.
4 عقود من الشراكة
وتحتفل دولة الإمارات والصين خلال العام الجاري بمناسبة مرور 40 عاماً على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في وقت تمضي فيه العلاقات الثنائية إلى آفاق واعدة، ويتعاون البلدان لتحقيق الازدهار والرخاء لمواطنيهما، ومواجهة التحديات المشتركة التي تواجه البشرية.
4 عقود من الشراكة أسهمت في إرساء نموذج فريد يظهر قوة التعاون بين الأمم ودوره في تحقيق الأهداف المشتركة، في تعاون تُرجم على الصعيد الرسمي بتوقيع أكثر من 130 اتفاقية ومذكرة تفاهم لتعزيز التعاون بين البلدين على مختلف الأصعدة.
وظهرت -أيضا- تجليات هذه العلاقات المزدهرة بين البلدين على الصعيد الشعبي، في إقبال أعداد متزايدة من الشباب على تعلم اللغة الصينية في دولة الإمارات، والإقبال على الفرص الواعدة من طلاب الإمارات لمواصلة تعليمهم العالي في الصين.
وبالتزامن مع مرور 40 عاما على العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، أجرى الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات زيارة دولة إلى الصين يومي 30 و31 مايو/أيار الماضي، شهدت مباحثات مهمة مع الرئيس شي جين بينغ.
وتعد الزيارة محطة بارزة في مسار تعزيز التنمية والازدهار المستدام لكلا البلدين الصديقين والارتقاء بمستوى العلاقات الثنائية ومسارات التعاون والعمل المشترك بينهما في المجالات الاقتصادية، والتنموية، والثقافية، وغيرها.
عمق تاريخي
تضرب علاقات الصداقة بين دولة الإمارات والصين جذورها في أعماق التاريخ؛ إذ بدأ التبادل التجاري بين البلدين منذ القرن السابع ميلادي.
واتخذت العلاقات بين البلدين بعدا جديدا في الثالث من ديسمبر/كانون الأول 1971 أي بعد يوم واحد من قيام دولة الإمارات، إذ بعث المؤسس المغفور له الشيخ سلطان بن زايد آل نهيان برقية إلى شو إن لاي رئيس مجلس الدولة الصيني يبلغه فيها بقيام دولة الإمارات.
تأسيس العلاقات
تأسست العلاقات الدبلوماسية بين دولة الإمارات والصين في نوفمبر/تشرين الثاني 1984، وافتتحت سفارة الصين بأبوظبي في أبريل/نيسان 1985، وتم إنشاء القنصلية العامة بدبي في نوفمبر/تشرين الثاني عام 1988.
وافتتحت سفارة دولة الإمارات ببكين في 19 مارس/آذار 1987، وأنشأت 3 قنصليات عامة في كل من هونغ كونغ في أبريل/نيسان 2000، وبشنغهاي في يوليو/تموز 2009، وبقوانغو في يونيو/حزيران 2016.
نقلة نوعية
وشهدت العلاقات بين البلدين نقلة نوعية بعد زيارة أجراها الرئيس الصيني -آنذاك- يانغ شانغ كون إلى دولة الإمارات في ديسمبر/كانون الأول عام 1989. ثم الزيارة التاريخية للمؤسس -المغفور له- الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان للصين في 1990، وقد تُوجت تلك الزيارة بتوقيع العديد من الاتفاقيات.
وأجرى الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات، زيارة للصين نهاية مايو/أيار الماضي هي السادسة له للصين، إذ سبق أن زارها 5 مرات، في محطات تاريخية تم خلالها وضع أسس راسخة لعلاقات مستدامة بين البلدين، فقد زارها في أغسطس/آب 2009 ومارس/آذار 2012، وديسمبر/كانون الأول 2015، ويوليو/تموز 2019، وفبراير/شباط 2022.
كما أجرى الرئيس الصيني شي جين بينغ زيارة إلى أبوظبي في يوليو/تموز 2018، وكانت تلك أول زيارة رسمية لرئيس صيني إلى دولة الإمارات منذ نحو 30 عاماً، أسست لمرحلة فارقة وجديدة من الشراكة الاستراتيجية بين البلدين.
تطور الشراكة الاستراتيجية
ووقّع الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، ورئيس مجلس الدولة الصيني، ون جياو باو، في يناير/كانون الثاني 2012 بدبي، مذكرة بيان مشترك بين الإمارات وجمهورية الصين حول إقامة علاقات الشراكة الاستراتيجية بين البلدين.
وفي يوليو/تموز 2018، اتفق البلدان، خلال زيارة الرئيس الصيني إلى أبوظبي، على الارتقاء بالعلاقات الثنائية إلى مستويات أعلى وتأسيس علاقات "شراكة استراتيجية شاملة"، تساهم في تعميق وتركيز التعاون في المجالات كافة وتعزيز التنمية والازدهار المشترك بما يتفق والمصلحة المشتركة للبلدين وشعبيهما الصديقين.
الحزام والطريق.. تعاون مثمر
تعد الشراكة الإماراتية - الصينية نموذجاً ملهماً مميزا للشراكات بين الدول الصديقة، ليس لأنها تتسم بالشمول والتنوع ولا تقتصر على جانب بعينه وتتضمن أبعاداً سياسية واقتصادية وثقافية وتعليمية وتكنولوجية فحسب، وإنما لأن هناك إرادة سياسية قوية ترسخ هذه الشراكة، وتعمل على تطويرها بشكل مستمر.
وتعد دولة الإمارات، من خلال موقعها الاستراتيجي ودورها في حركة التجارة العالمية وقدراتها اللوجستية وبنيتها التحتية الحديثة، بالإضافة إلى اقتصادها المتنوع القائم على المعرفة والتكنولوجيا المتقدمة، مساهما فاعلا في مبادرة "الحزام والطريق" التي أطلقتها الصين عام 2013.
ودولة الإمارات تمتلك فرصاً استثمارية واعدة وبيئة تنافسية كبيرة في العديد من المجالات الاقتصادية والتجارية فضلاً عضويتها في العديد من المنظمات الإقليمية والدولية المعنية بدعم جهود النمو الاقتصادي العالمي.
وتعد دولة الإمارات لاعباً رئيسياً في المسار البري لمبادرة "الحزام والطريق" الذي يربط الصين بأوروبا عبر آسيا الوسطى، إذ تم تنفيذ العديد من المشاريع الكبرى في إطار المبادرة، مثل الحديقة النموذجية للتعاون في مجال القدرات الصناعية الصينية الإماراتية، والمرحلة الثانية من محطة الحاويات في ميناء خليفة، ومحطة دبي للطاقة الكهروضوئية والحرارية.
وضخت دولة الإمارات، 10 مليارات دولار في صندوق استثمار صيني- إماراتي مشترك لدعم مشاريع المبادرة في شرق أفريقيا، ووقعت 13 مذكرة تفاهم مع الصين عام 2018، للاستثمار في مجالات متعددة داخل الإمارات.
وتشكل مبادرة الحزام والطريق جسرا لتعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية بين نحو 75% من سكان العالم وتهدف المبادرة إلى بناء شبكة تجارة وبنية تحتية تربط آسيا في أوروبا وأفريقيا سعياً إلى تحقيق التنمية والازدهار على نحو مشترك.
aXA6IDM1LjE3My40OC4xOCA= جزيرة ام اند امز