الإمارات ومكافحة الاتجار بالبشر.. استراتيجية متكاملة تعزز حقوق الإنسان
جهود إماراتية رائدة لمكافحة الاتجار بالبشر محليا ودوليا، في إطار يعزز مبادئ حقوق الإنسان ويحترم المواثيق الدولية ويتوافق مع قيمها.
ويحل اليوم العالمي لمكافحة الاتجار بالبشر الذي يوافق 30 يوليو/تموز من كل عام، فيما تواصل الإمارات تلك الجهود على مختلف الأصعدة الحقوقية والتشريعية والأمنية والإنسانية.
جهود تتواصل وفق استراتيجية متكاملة تعتمد على 5 ركائز أساسية هي الوقاية والمنع، والملاحقة القضائية، والعقاب، وحماية الضحايا، وتعزيز التعاون الدولي.
يتولى العمل على تنفيذ تلك الركائز اللجنة الوطنية لمكافحة جرائم الاتجار بالبشر، بالتعاون مع مختلف مؤسسات الدولة، ضمن جهود منظمة وديناميكية ، بتوجيهات من القيادة الرشيدة، التي تأخذ على عاتقها تعزيز ودعم حقوق الإنسان محليا ودوليا عبر جهود ومبادرات رائدة متواصلة.
وضمن أحدث تلك المبادرات، أعلن الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات خلال مشاركته في أعمال "المؤتمر الدولي للتنمية والهجرة " في العاصمة الإيطالية روما 23 يوليو/ تموز الجاري، مساهمة دولة الإمارات بمبلغ 100 مليون دولار لدعم المشاريع التنموية في الدول المتأثرة من ظاهرة الهجرة غير النظامية.
وتسهم ظاهرة الهجرة الغير النظامية في تفشي العديد من الجرائم، وعلى رأسها جريمة الاتجار بالبشر.
تأتي تلك المبادرة بعد نحو أسبوعين، من اعتماد مجلس الوزراء الإماراتي عدداً من التعديلات في قانون مكافحة الاتجار بالبشر تتضمن تشديد العقوبات واستحداث خدمات للضحايا، مثل المساعدات التعليمية، وتدابير العودة الآمنة لموطن الضحية، وتجريم التحريض على الجريمة، وتغليظ العقوبات الموقعة على الجناة.
بالتزامن مع تلك الجهود، كثفت أكاديمية أبوظبي القضائية، أنشطتها التدريبية لدعم جهود مكافحة جرائم الاتجار بالبشر.
على الصعيد الإنساني، بلغ أعداد ضحايا الاتجار بالبشر الذين تم إيواؤهم في مراكز ومؤسسات رعاية وإيواء ضحايا الاتجار بالبشر منذ عام 2018 وحتى 2022 نحو 231 ضحية.
منظومة وطنية
كل تلك الجهود وغيرها، أكد عبدالله بن سلطان بن عواد النعيمي وزير العدل الإماراتي، في تصريح له اليوم الأحد بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة جريمة الاتجار بالبشر أنها تأتي ضمن منظومة وطنية ديناميكية ومتطورة تعمل على القضاء على جريمة الاتجار بالبشر وحماية ضحاياها.
وأكد سعي بلاده للقضاء على جريمة الاتجار بالبشر في إطار يعزز مبادئ حقوق الإنسان ويحترم المواثيق الدولية.
وقال إن دولة الإمارات جاءت في طليعة دول المنطقة المنضمة لاتفاقية مكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية وبروتوكولها المكمل الخاص بحظر وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص وخاصة النساء والأطفال، وحرصت على اتساق كافة جهودها الوطنية لمكافحة الجريمة مع معايير وبنود هذه المواثيق الدولية الهامة.
وأكد أن التحديات، وفي ظل تطور أنماط جريمة الاتجار بالبشر، تحتم علينا بناء جسور تعاون قوية بين الجهات المعنية الوطنية منها والدولية ودعمها بوسائل التكنولوجيا الحديثة لتعزيز منظومتنا بالسرعة والمرونة اللازمة لمواجهة هذه الجريمة التي لا ينفك مرتكبوها عن تطوير أساليبهم الإجرامية للإيقاع بضحاياها، حيث حرصت دولة الإمارات على تمكين الضحايا وإيلاء عناية خاصة لهم في قانونها الوطني رقم 51 لسنة 2006 بشأن مكافحة جرائم الاتجار بالبشر وتعديلاته ليكون الضمانة التشريعية التي تكفل حماية الحقوق مع ضمان عدم إفلات الجناة من العقاب.
وأشار إلى أن أعضاء اللجنة الوطنية لمكافحة جريمة الاتجار بالبشر عملوا هذا العام على اقتراح مجموعة من التعديلات التشريعية على قانون رقم 51 لسنة 2006 تهدف إلى تشديد العقوبات على الجناة وتوسيع خدمات الحماية المقدمة للضحايا مما يسهم إسهامًا كبيرًا في تحقيق الردع العام ومواكبة القانون للأساليب الإجرامية الجديدة.
وأوضح أن اللجنة الوطنية حرصت على تنسيق الجهود على مختلف المستويات الوطنية منها والدولية بين كافة الجهات المعنية، وعملت منذ عام 2012 على وضع إطار ينظم أعمالها وأعمال جهاتها الأعضاء فوضعت استراتيجية وطنية وخطة عمل منبثقة منها تقوم على 5 دعائم متمثلة في الوقاية والمنع، والملاحقة القضائية، والعقاب، وحماية الضحايا وتعزيز التعاون الدولي.
وأكد وزير العدل السعي الدائم والدؤوب للقضاء على هذه الجريمة البشعة مع الإيمان بمحورية التعاون على مختلف المستويات الوطنية والإقليمية والدولية، داعيا كافة الشركاء من الدول وأجهزة الأمم المتحدة ومنظمات المجتمع المدني على تضافر الجهود لمواجهة هذه الجريمة العابرة للحدود الوطنية.
تعديلات تشريعية
وفي خطوة إماراتية هامة على طريق مواجهة تلك الجريمة، اعتمد مجلس الوزراء الإماراتي في الجلسة التي عقدها 3 يوليو/ تموز الجاري عددا من التعديلات على قانون مكافحة الاتجار بالبشر .
وأوضح الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي أن التعديلات" تتضمن تشديد العقوبات واستحداث خدمات للضحايا، مثل المساعدات التعليمية، وتدابير العودة الآمنة لموطن الضحية، وتجريم التحريض على الجريمة، وتغليظ العقوبات الموقعة على الجناة".
برامج تدريبية
على صعيد ذي صلة، كثفت أكاديمية أبوظبي القضائية، أنشطتها التدريبية لدعم جهود مكافحة جرائم الاتجار بالبشر، وذلك ضمن برامجها التأهيلية المتعددة والمخصصة لأعضاء الهيئات القضائية والنيابة العامة، ومستشاري قضايا الحكومة، وممثلي الإدارات القانونية بمختلف الجهات، والمحامين، ومأموري الضبط القضائي، وذلك بإجمالي 28 ساعة تدريبية استفاد منها 223 متدرباً خلال 18 شهراً في الفترة من يناير/كانون الثاني 2022 وحتى نهاية شهر يونيو/ حزيران 2023.
وأكد المستشار يوسف سعيد العبري، وكيل دائرة القضاء في أبوظبي، رئيس مجلس إدارة الأكاديمية، أن تطوير البرامج التأهيلية في أكاديمية أبوظبي القضائية يعد أولوية قصوى لتنمية قدرات جميع أطراف العمل القضائي، تنفيذا للرؤية الحكيمة للشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، وتماشياً مع توجيهات الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، نائب رئيس الدولة نائب رئيس مجلس الوزراء وزير ديوان الرئاسة رئيس دائرة القضاء في أبوظبي، بإعداد كوادر فاعلة ومتميزة تؤدي دوراً بارزاً في ترسيخ سيادة القانون وتحقيق العدالة.
وأوضح أن التركيز على موضوعات جرائم الاتجار بالبشر ضمن البرامج التدريبية للمعنيين في المجال القانوني والقضائي، يأتي دعماً للتوجهات الحكومية لدولة الإمارات العربية المتحدة في مكافحة تلك الجرائم بجميع صورها، والتصدي بكل حزم لأي شكل من أشكال الاستغلال، وذلك في ظل التشريعات والقوانين النافذة التي حددت عقوبات رادعة للجناة، مع توفير الحماية والرعاية للضحايا.
وأشار إلى أن دولة الإمارات أولت هذا الملف أهمية كبرى، في إطار جهودها لتحقيق العدالة وصيانة الحقوق وحماية أفراد المجتمع من أية مخاطر، وذلك مع اتخاذ خطوات وقائية واستباقية لمنع وقوع الجريمة بالتنسيق والتعاون بين مختلف الجهات المختصة داخلياً وخارجياً، إلى جانب ضمان الملاحقة القضائية ومعاقبة مرتكبي الأنشطة الإجرامية.
تجربة رائدة
جهود شاملة تتواصل وتتزايد لتبرز تجربة الإمارات الرائدة في مكافحة تلك الجريمة العابرة للحدود.
تجربة رائدة تستند تشريعياً إلى القانون الاتحادي رقم 51 لسنة 2006، المُعدل بالقانون الاتحادي رقم 1 لسنة 2015 في شأن مكافحة الاتجار بالبشر، حيث كانت الإمارات سباقة في سن قانون شامل لمكافحة الاتجار بالبشر، يحمي الضحايا ويعاقب منتهكي حقوقهم، ويردع مَن تسوّل له نفسه الإقدام على تلك الجرائم.
ومؤسساتياً عبر اللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر التي أنشئت بقرار من مجلس الوزراء في عام 2007 من أجل تنسيق الجهود الرامية إلى ضمان التطبيق الفعال للقانون الاتحادي رقم 51 لسنة 2006، لتكون إطاراً ينسق ويوحد جهود مختلف مؤسسات الدولة لمكافحة جرائم الاتجار بالبشر.
وإنسانياً، بإنشاء العديد من المراكز المجتمعية المعنية بمعالجة تأثير مثل تلك الجرائم واحتوائها، وتقديم مساعدات قانونية ونفسية ومادية تمهيداً لإعادة الضحايا إلى حياتهم الطبيعية، ودمجهم في المجتمع بما يحقق الاستقرار الأسري والمجتمعي.
كما تحتفظ دولة الإمارات حالياً بشبكة من المراكز للإيواء لحماية الضحايا وإعادة تأهيلهم ولديها أيضا خط ساخن مخصص لتسهيل الإبلاغ عن حالات الاتجار بالبشر وتمكين الضحايا من طلب الحماية.
مراكز الإيواء
وحرصا من دولة الإمارات على ترسيخ حقوق الإنسان ، أنشأت عدد من مراكز ومؤسسات رعاية وإيواء ضحايا الاتجار بالبشر والعنف الأسري والعنف ضد الأطفال منذ عام 2007، ومنها مؤسسة دبي لرعاية النساء والأطفال، ومركز أبوظبي للإيواء والرعاية الإنسانية "إيواء"، ومركز أمان لإيواء النساء والأطفال.
وتقوم تلك المراكز بتقديم حزمة من الخدمات بدءًا من استلام الضحايا سواء عن طريق سفاراتهم أو من خلال دور العبادة أو المستشفيات أو عن طريق جهات إنفاذ القانون، وتقديم كافة الخدمات النفسية والاجتماعية والصحية والقانونية لهم، إلى جانب تعريف الضحايا بحقوقهم بالتعاون مع وزارة الداخلية وإصدار تصاريح مؤقتة للإقامة طوال فترة الإجراءات القانونية، بالإضافة إلى إعادة التأهيل والعودة الطوعية، كما يتم التعاون مع منظمات دولية لإعادة التوطين لبعض ضحايا الاتجار بالبشر حسب ظروفهم بشكل عاجل وعادل دون تمييز على أساس العرق أو الجنس أو الدين.
التجربة الرائدة لمراكز الإيواء استعرضتها سارة شهيل، مدير عام مركز أبوظبي للإيواء والرعاية الإنسانية (إيواء)، وذلك خلال مشاركة المركز ضمن وفد دولة الإمارات في جلسة استعراض التقرير الوطني الرابع لحقوق الإنسان أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بجنيف مايو/ آيار الماضي.
وأشارت إلى أعداد ضحايا الاتجار بالبشر الذين تم إيواؤهم منذ عام 2018 وحتى 2022 وهم 231 ضحية، 16 منهم من الذكور.
كما تحدثت عن الحملات والمبادرات التوعوية التي أطلقتها الجهات الوطنية عبر وسائل التواصل الاجتماعي والمنشورات التوعوية التي تم توزيعها على العمالة باستمرار، بالإضافة إلى تنظيم المنتديات عن حقوق الفئات المساندة والعمالة وعقد اللقاءات بسفارات الدول المصدرة للتعريف بالخدمات التي تقدم للضحايا وكيفية الإبلاغ.
تعزيز التعاون الدولي
وعلى صعيد تعزيز التعاون الدولي لمكافحة تلك الجريمة، أطلقت الإمارات مبادرات عدة ووقعت اتفاقيات مع عدة بلدان لتبادل أفضل الممارسات بشأن منع الاتجار بالبشر وتعزيز المساعدة لضحايا هذه الجريمة.
وضمن أحدث تلك الاتفاقيات، وقعت دولة الإمارات وباكستان مذكرة تفاهم في مجال مكافحة الاتجار بالبشر وذلك خلال الزيارة التي قام بها شهباز شريف رئيس وزراء باكستان إلى دولة الإمارات يناير الماضي.
وتتواصل جهود دولة الإمارات على مختلف الأصعدة لمكافحة جرائم الاتجار بالبشر، وسط مؤشرات تؤكد أن جهود الدولة تؤتي ثمارها، وتسير في طريقها نحو القضاء على تلك الجرائم، في إطار سعيها المتواصل لنشر التسامح والعدالة وتعزيز حقوق الإنسان.