زيارة السيسي إلى الإمارات تعكس بقوة طبيعة العلاقات التاريخية بين البلدين التي وضع أسسها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان
تأتي زيارة الرئيس السيسي إلى دولة الإمارات العربية الشقيقة في توقيت مهم له دلالاته الثنائية والإقليمية، وهو ما يعكس وبقوة طبيعة العلاقات التاريخية الراسخة بين أبوظبي والقاهرة، التي وضع أسسها المغفور له الوالد المؤسس الشيخ زايد آل نهيان، وتعمقت منذ سنوات طويلة، واتخذت مسارات واتجاهات عدة، ولم تقتصر على مجال واحد بل تعددت آفاق التعاون والشراكة السياسية والاستراتيجية وصولاً إلى المرحلة الراهنة، التي أصبحت نموذجاً بحق للعلاقات العربية العربية التي تصلح أن تكون مدخلاً توثيقياً واقتراباً واقعياً لتطوير العلاقات العربية، وإحياء لفكرة النظام الإقليمي العربي الذي يستند إلى أركان الدول الرئيسية في الإقليم، وهي: أبوظبي والقاهرة والرياض، ومن ثم فإذا قدر أن يستيقظ النظام العربي من كبوته الحالية، فإنه ليس أمامه سوى العمل معاً في إطار المتطلبات والاحتياجات العربية الملحة للتوافق.
العلاقات المصرية الإماراتية بنموذجها الراهن في العلاقات تبعث برسائل مباشرة لأطراف إقليمية وعربية، بأن الدول العربية قادرة في محيطها أن تحقق تقدماً وتكاملاً وتوافقاً في منظومة العلاقات المتميزة، وبما يمكن أن ينمي مجالات العمل العربي المشترك.
ترتبط العلاقات بين أبوظبي والقاهرة بمنظومة فريدة من العلاقات الثنائية النموذجية، فهناك تعاون عسكري لافت عبرت عنه زيارات المسؤولين في البلدين، التي كان آخرها زيارة محمد العصار، وزير الدولة المصري للإنتاج الحربي، لأبوظبي، المشارك في فعاليات معرض الدفاع الدولي إيديكس، والتدريبات والتعاون العسكري، الذي تم في إطار فعاليات التدريب البحري المشترك استجابة النسر ٢٠٢٨، وكذلك فعاليات التدريب البحري الإماراتي المصري المشترك خليفة ٣، وتحية النسر وغيرها من الأنشطة المشتركة، كما تعمق التعاون في المجال السياسي والاستراتيجي، حيث زار مصر الدكتور أنور قرقاش في سبتمبر/أيلول الماضي، كما تتالت زيارات كبار المسؤولين في دولة الإمارات العربية الشقيقة لمصر، وكانت زيارتا الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي مصر في مايو/ومارس الماضيين، وهو ما يعكس وبعمق طبيعة العلاقات الثنائية خاصة مع حرص دولة الإمارات العربية الشقيقة على دعم مصر اقتصادياً وعبر مشروعات ضخمة للأشقاء الإماراتيين في العاصمة الإدارية والسخنة وشمال الخليج، وهو ما فتح آفاقاً رحبة لفرص عمل حقيقية للآلاف من الشباب المصري، وقلل من الحسابات المطروحة في هيكل الاقتصاد الوطني المصري الذي يشهد نقلة نوعية كبيرة في الوقت الراهن، ستسمح بمزيد من جذب الاستثمارات الخليجية في الفترة المقبلة، ووفق تقدير بيوت المال والخبرة الدولية، فإن الاقتصاد المصري الصاعد قادر على طرح فرص جيدة لعمل وتنمية الوجود الاقتصادي الكبير لدولة الإمارات العربية الشقيقة في مصر، حيث تعد دولة الإمارات العربية أكبر مستثمر في السوق المصرية بإجمالي استثمارات بلغ 6.8 مليار دولار، كما يبلغ عدد الشركات المستثمرة بمساهمات إماراتية في مصر نحو 1141 شركة في العديد من القطاعات الإنتاجية والخدمية.
ومن المؤكد أن الاستقرار السياسي الحالي في مصر يدفع الأشقاء في دولة الإمارات العربية لدعم التحول الاقتصادي المصري الراهن عبر شبكة من الاتصالات المشتركة ومجال ريادة الأعمال والابتكار والحوكمة والحوسبة الرشيدة، وهي مجالات قطعت فيها أبوظبي شوطاً كبيراً ومتميزاً على المستويين العربي والدولي قابل للتكرار والمحاكاة في مصر، وفي ظل دعم إماراتي متواصل لتجربة التطوير الإداري والتكنولوجي لمصر عبر تبادل الخبرات وتقديم الاستشارات المطلوبة.
يبقى المجال السياسي والاستراتيجي في ثنائية العلاقات المشتركة حيث الدعم اللافت في مجال مواجهة الإرهاب، وتمدده في الإقليم وحرص دولة الإمارات العربية الشقيقة علي مساندة مصر ودعمها في أعتى الظروف التي واجهتها منذ سنوات ما بعد ثورة ٣٠ يونيو، وإلى اليوم حيث تمددت مجال التعاون ولتنعكس في مجال التنسيق السياسي والاستراتيجي في ملفات أمن الخليج، والتأكيد على رفض التدخلات الإقليمية وأهمها الإيرانية، التي عبثت بأمن المنطقة، ولا تزال تمثل تهديداً حقيقياً لكل الدول العربية، وتنال موقفاً عربياً ودولياً مهماً وكاشفاً، وكذلك في الملف الليبي الذي يلعب فيه الطرفان دوراً مهماً لاستعادة الدولة الليبية، مع التأكيد على الخيارات العربية لحل جميع الأزمات العربية الإقليمية الراهنة، وفي إطار الدبلوماسية الرشيدة للرئيس السيسي وشقيقه سمو الشيخ محمد بن زايد، التي تلعب دوراً مهماً وقائداً في الإقليم؛ حيث تقف أمام التحديات الحقيقية التي يمكن مواجهتها عبر تنسيق دائم وحوار مستمر يقوم على أسس حقيقية وإرادة مشتركة يحرص عليها الطرفان، ويعملان معاً على تنمية وتطوير أبعادها في جميع المجالات السياسية والاستراتيجية، خاصة أن العلاقات تشعبت لتدخل منظومة كاملة من التوافقات في مجالات جديدة؛ ومنها الثقافية والتكنولوجية وريادة الأعمال والتطوير الإداري، وهي مجالات تنمي العلاقات في مساحة جديدة ومستحدثة.
تبقى الإشارة المهمة إلى أن العلاقات المصرية الإماراتية بنموذجها الراهن في العلاقات تبعث برسائل مباشرة لأطراف إقليمية وعربية، بأن الدول العربية قادرة في محيطها أن تحقق تقدماً وتكاملاً وتوافقاً في منظومة العلاقات المتميزة، بما يمكن أن ينمي مجالات العمل العربي المشترك، وهو ما تدركه القيادات في البلدين عن قناعة راسخة وإيمان كامل بحجم المتغيرات الجارية في الإقليم، وضرورة التعامل معها في المديين والقصير والمتوسط الأجل.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة