الإمارات والهند.. شراكة استراتيجية شاملة تؤسس لمستقبل واعد
قمة إماراتية هندية بدأت اليوم الجمعة، تتوج الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين، وتدشن لحقبة جديدة من التعاون والمستقبل الواعد.
ويعقد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية، ورئيس وزراء الهند ناريندرا مودي، قمة عبر تقنية الاتصال المرئي يبحثان خلالها مسارات التعاون الثنائي وفرص تنميته وتوسيع آفاقه.
المباحثات بين الجانبين هي الثالثة خلال عام، بعد المباحثات الهاتفية التي جرت بينهما سبتمبر/أيلول الماضي، وأواخر يناير/كانون الثاني من العام الماضي.
واستبق تلك المباحثات 5 زيارات متبادلة بين الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ورئيس الوزراء الهندي، حولت علاقات البلدين من طابعها الاقتصادي والثقافي والاجتماعي المميز إلى "شراكة استراتيجية شاملة".
وتخلل تلك الزيارات وأعقبها زيارات متبادلة ومباحثات متواصلة وتوقيع اتفاقيات مشتركة لتعزيز التعاون بين الجانبين على أكثر من صعيد.
قمة جديدة
ويعقد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ورئيس وزراء الهند ناريندرا مودي، الجمعة، قمة عبر تقنية الاتصال المرئي يبحثان خلالها مسارات التعاون الثنائي وفرص تنميته وتوسيع آفاقه، في إطار الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين.
كما يشهد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ورئيس وزراء الهند، خلال القمة، مراسم توقيع اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة بين البلدين التي ستجري في نيودلهي.
وتدشن الاتفاقية لحقبة جديدة من التعاون الاقتصادي القائم على المصالح المتبادلة، وتعزز العلاقات التاريخية والوصول المتبادل إلى الأسواق والفرص الاقتصادية والاستثمارية، تمهيداً لآفاق أرحب من التعاون الاستراتيجي بين البلدين.
كما سيتم خلال القمة توقيع عدد من الاتفاقيات الاستراتيجية ومذكرات التفاهم في العديد من المجالات الحيوية.
مباحثات مهمة
وتعد المباحثات المرتقبة خلال تلك القمة هي الثالثة خلال عام، بعد المباحثات الهاتفية التي جرت بينهما في سبتمبر/أيلول الماضي، و28 يناير/كانون الثاني من العام الماضي، بحثا خلالها العلاقات الاستراتيجية بين البلدين وسبل تطويرها.
واستبق تلك المباحثات زيارتان أجراهما الشيخ محمد بن زايد آل نهيان للهند في فبراير/شباط 2016 ويناير/كانون الثاني 2017، و3 زيارات أجراها رئيس وزراء الهند لدول الإمارات منذ توليه مهام منصبه عام 2014، وذلك في أغسطس/آب 2019، وفبراير/شباط 2018، وأغسطس/آب 2015.
وأجرى الشيخ محمد بن زايد آل نهيان أول زيارة رسمية له للهند في الفترة من 10 إلى 12 فبراير/شباط 2016.
جاءت تلك الزيارة في أعقاب أول زيارة رسمية قام بها مودي للإمارات أغسطس/آب 2015 والتي اتفق خلالها البلدان على ترقية علاقات الصداقة بينهما إلى شراكة استراتيجية شاملة.
وبالفعل، شهدت زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان الثانية للهند في يناير/كانون الثاني 2017 توقيع البلدين على اتفاقية "الشراكة الاستراتيجية الشاملة".
وخلال زيارة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي الأخيرة للإمارات أغسطس/آب 2019، قلده الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي "وسام زايد" الذي منحه الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الإمارات، ويعد أعلى وسام تمنحه دولة الإمارات لملوك ورؤساء وقادة الدول، تقديرا وتثمينا لدوره في دعم علاقات الصداقة التاريخية والتعاون الاستراتيجي المشترك الذي يجمع البلدين على الصعد كافة.
وخلال المباحثات التي عقدت بين الجانبين خلال الزيارة، أكد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان أن العلاقات التي تربط بلاده بالهند تقوم على التفاهم والمصالح والقيم المشتركة، وتستند إلى إرث تاريخي يمتد إلى مئات السنين، وإرادة سياسية يجسدها حرص قيادتي البلدين على دفع العلاقات بينهما إلى الأمام باستمرار، واستثمار ما يتوافر لها من إمكانيات التطور والنماء.
من جانبه، أكد رئيس وزراء الهند حرص بلاده على تعزيز علاقات الصداقة والتعاون الاستراتيجي مع دولة الإمارات بما يضمن مصالح البلدين وشعبيهما الصديقين على مختلف الصعد.
وأشاد بالدور القيادي الذي يقوم به الشيخ محمد بن زايد في دفع الشراكة المتنامية بين الدولتين.
زيارات متبادلة
وتخللت تلك الزيارات رفيعة المستوى زيارات متبادلة لمسؤولين من الجانبين لتعزيز التعاون بينهما.
وعلى مدار العام الماضي فقط، أجرى سوبرامنيام جاي شانكار، وزير الشؤون الخارجية في الهند، 3 زيارات للإمارات في ديسمبر/كانون الثاني ونوفمبر/تشربن الثاني وأبريل/نيسان.
واستقبل الشيخ محمد بن زايد آل نهيان وزير الشؤون الخارجية الهندي في ديسمبر/كانون الأول ونوفمبر/تشرين الثاني الماضيين، في لقاءات جرى خلالها بحث العلاقات الاستراتيجية وسبل تطويرها.
فيما أجرى الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية والتعاون الدولي الإماراتي، زيارة إلى نيودلهي في فبراير/شباط الماضي.
كما أجرى الدكتور أنور بن محمد قرقاش، المستشار الدبلوماسي لرئيس الإمارات، زيارة للهند في نهاية أغسطس/آب الماضي نقل خلالها رسالة من الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى رئيس وزراء الهند، تتعلق بالعلاقات الثنائية بين البلدين وسبل تعزيزها.
كما شارك الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان في اجتماع رباعي -عقد عن بُعد- مع نظرائه الأمريكي أنتوني بلينكن والهندي سوبرامانيام جايشانكار والإسرائيلي يائير لابيد 19 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، جرى خلاله بحث سبل تعزيز التعاون الاقتصادي وتنمية الشراكة بين الدول الأربع.
مكافحة كورونا
أيضا جسد حجم التنسيق والتعاون المثمر بين الإمارات والهند، في مواجهة أزمة انتشار جائحة فيروس كورونا المستجد، متانة وعمق العلاقات الاستراتيجية التي تربط بين البلدين.
واتخذ التعاون أوجها وأشكالا متعددة تضمنت تسهيل عملية إجلاء الرعايا، وتبادل الخبرات العلمية والطبية، وتقديم المساعدات والإمدادات الطبية.
اتفاقيات مشتركة
أيضا على صعيد جهود تعزيز التعاون بين الجانبين، لا تكاد تمر فترة قليلة إلا وتشهد توقيع اتفاقية.
وخلال الشهر الجاري فقط، تم توقيع أكثر من اتفاقية لتعزيز التعاون بين الجانبين، ففي ٩ فبراير/شباط وقع "مركز الهند للابتكار" التابع لجناح الهند في إكسبو 2020 دبي و"واحة دبي للسيليكون"، المدينة الحرة التكنولوجية المتكاملة، خطاب إعلان نوايا دعما لبيئة الأعمال الخاصة بالشركات الناشئة في كلا البلدين.
وقبلها بيوم، وقعت سلطة دبي للخدمات المالية مذكرة تفاهم مع سلطة مركز الخدمات المالية الدولي في الهند بهدف التشاور والتعاون وتبادل المعلومات لتعزيز عملية الرقابة المالية عبر الحدود.
جاء توقيع الاتفاقية غداة توقيع كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية مذكرة تفاهم مع "شركة تاتا للخدمات الاستشارية " وذلك بهدف تعزيز التعاون المشترك في مجالات الحكومة الرشيقة والتعليم، والبحوث، والتدريب التنفيذي، والحوكمة.
وفي ٢٤ يناير الماضي، وقعت شركة الجرافات البحرية الإماراتية مذكرة تفاهم مع شركة الجرافات الهندية المحدودة التي تخضع للرقابة الإدارية لوزارة الموانئ والشحن والممرات المائية الهندية، بهدف اغتنام فرص الأعمال المشتركة بين الجانبين.
وفي 7 ديسمبر الماضي، أعلنت شركة أبوظبي للمشتقات الكيميائية المحدودة "تعزيز" وشركة "ريلاينس للصناعات المحدودة" الهندية اتفاقهما على إطلاق "تعزيز إي دي سي آند بي في سي" كمشروع مشترك عالمي المستوى لإنتاج المواد الكيميائية ضمن منطقة تعزيز للصناعات الكيماوية في الرويس.
ويهدف المشروع المشترك الجديد لبناء وتشغيل مصنع عالمي لإنتاج "الكلور القلوي" و"ثاني كلوريد الإيثيلين" و"كلوريد البولي فينيل" للمرة الأولى في دولة الإمارات باستثمارات تزيد على 7.3 مليار درهم "2 مليار دولار أمريكي"، وتم توقيع الاتفاق الخاص بشأنه عن بعد عبر الاتصال المرئي.
كما تشارك الهند في إكسبو 2020 دبي، الأمر الذي يتيح فرصا جديدة للتعاون والعمل المشترك وبناء علاقات وشراكات جديدة ورسم صورة أفضل للمنطقة والعالم.
لغة الأرقام
تلك الاتفاقيات والزيارات والمباحثات انعكست على العلاقات الاقتصادية بين البلدين التي شهدت تطورات متلاحقة، حيث تعد الهند ثاني أكبر شريك تجاري لدولة الإمارات، بنسبة تبلغ 9% من حجم تجارة الإمارات مع العالم، و13% من الصادرات غير النفطية الإماراتية.
فيما بلغت التجارة البينية خلال النصف الأول من عام 2021 نحو 21 مليار دولار، بنمو 70% مقارنة بالفترة المماثلة من العام الماضي.
كما تعتبر دولة الإمارات ثالث أهم مصدر لواردات الهند، وتستحوذ وحدها على 40% من إجمالي تجارتها مع العالم العربي، كما يتم إعادة تصدير نحو 13% من صادرات الهند عبر الإمارات إلى دول مجلس التعاون الخليجي وإيران والعراق وبعض دول آسيا الوسطى.
شراكة اقتصادية شاملة
ويتوقع أن تؤدي اتفاقية الشراكة الاقتصادية التي سيتم توقيعها اليوم الجمعة إلى زيادة التجارة الثنائية غير النفطية إلى 100 مليار دولار سنوياً في غضون الأعوام الخمسة المقبلة.
ويأتي توقيع الاتفاقية بعد عدة شهور من إعلان البلدين في سبتمبر/أيلول الماضي عن إطلاق محادثات للتوصل إلى اتفاقية شراكة اقتصادية شاملة، وذلك خلال الزيارة الرسمية التي قام بها وفد إماراتي يترأسه الدكتور ثاني بن أحمد الزيودي وزير دولة للتجارة الخارجية إلى الهند.
وتأتي اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة مع الهند، تنفيذاً للخطط المعلنة تحت مظلة "مشاريع الخمسين" لتوسيع آفاق شراكات دولة الإمارات الاقتصادية مع ثمانية من الأسواق العالمية المؤثرة، ضمن استراتيجيتها الطموحة للخمسين عاماً المقبلة لبناء اقتصاد المستقبل القائم على المعرفة والابتكار والذي يتمتع بقدر أكبر من الحيوية والتنافسية.
العلاقات التاريخية
الشراكات الاقتصادية المتنامية تتأسس على قاعدة صلبة ساهمت عوامل التاريخ والجغرافيا والمصلحة المشتركة في بنائها على مر العصور.
وتحظى الإمارات والهند بعلاقات تاريخية راسخة، فيما تم تدشين العلاقات الدبلوماسية بين البلدين عام 1972، وزادت قوتها منذ الزيارة التي قام بها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان إلى الهند عام 1975.
وأجرى رئيس الهند الأسبق فخر الدين علي أحمد عام 1976 زيارة رسمية هي الأولى لرئيس هندي للإمارات، أعقبها زيارة لرئيسة وزراء الهند الراحلة أنديرا غاندي عام 1981.
لتتوالى بعدها زيارات متبادلة ساهمت في تقوية أواصر التعاون، وهو ما تم تتويجه من خلال التوقيع على اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين خلال زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان للهند يناير/كانون الثاني 2017 .
وشكلت الاتفاقية انطلاقة جديدة لدفع العلاقات الإماراتية-الهندية إلى الأمام، فيما تشكل اتفاقية الشركة الاقتصادية الشاملة المقرر توقيعها اليوم الجمعة محطة جديدة من محطات العلاقة القوية التي تربط بين البلدين.
ولا تقوم العلاقات بين الهند والإمارات على التعاون في المجالات الاقتصادية فحسب، وإنما تتجاوز ذلك إلى تقاسم وجهات النظر حول العديد من الملفات الساخنة في المنطقة والعالم.
وترى الإمارات في الهند صديقا وشريكا استراتيجيا يشاركها في جهود إرساء دعائم الأمن والسلم على المستويين الإقليمي والدولي عبر قيام البلدين بالتنسيق وتبادل وجهات النظر في أبرز القضايا والتطورات الجيوسياسية في المنطقة والعالم.
aXA6IDE4LjIyMS4xODMuMzQg
جزيرة ام اند امز